في تونس كما في مصر التحم الجيش مع الشعب في ثورته، لم يجر استعمال الجيش ضد الشعب ولا قبل الجيش أن يكون اليد التي تجهض ثورة الشعب. ذلك هو التحول الذي يحمل أعظم المعاني في هذه السنوات المضيئة في حياة الشعوب العربية. لحد اليوم كانت الجيوش في العالم العربي تستعمل ، إما في الإنقلابات العسكرية ، بدءا بانقلاب حسني الزعيم في سنة 1949 في سوريا، أو إنها كانت اليد التي يضرب بها الحكم الديكتاتوري التحركات الشعبية. في سنة 2010/2011 ،عاشت كل من تونس ومصر ثورة شعبية ، لم تواجهها القوات المسلحة، ففي تونس رفض الجيش الإنخراط في قمع الشعب، وكان الجنرال رشيد عمار ومن ورائه على ما يبدو كمال مرجان وزير الخارجية السابق ورجل أمريكا فيما يقال ، قد قال صراحة للرئيس السابق أن مهمة الجيش ليست مواجهة المظاهرات، ولعله هو الذي دفع الرئيس السابق إلى مغادرة البلاد، وكان يكفي من موقفه الواضح أنه لا يجب التعويل عليه في مهمة تلك المواجهة ،ليفهم زين العابدين بن علي أنه خسر المواجهة مع المتظاهرين المصرين على موقفهم ، وأنه لم يبق له من حل سوى المغادرة ، مغادرة الحكم،وبالتبعية ونظرا لتورطه في ما تورط فيه مغادرة البلاد بحثا حتى عن السلامة الجسدية. ورغم أن بن علي هو ابن القوات المسلحة، فإن موقعه فيها كرجل مخابرات طيلة خدمته كضابط، لم يكن يؤهله لأن يكون محبوبا أو متمتعا بالشعبية. ولذلك مع أسباب أخرى لم يرفع الجيش أصبعه للدفاع عنه خاصة مع تورطه ، خلال سنوات حكمه الطويل في تصرفات سياسية ممقوتة وفي عمليات نهب هو وعائلته كانت على كل لسان. ما إن انتصرت الثورة في تونس بتاريخ 14 جانفي 2011، حتى بدا أن نجاح أي ثورة في العالم العربي أصبح ممكنا ، ومن هنا وفي 25 جانفي أي بعد 11 يوما، التهب الشارع المصري ، باعتماد التعبيرات ذاتها التي ظهرت في تونس ، وحتى باعتماد الشعارات والأساليب : المظاهرات السلمية واحتلال الساحات والميادين. والجيش هنا أي في مصر لعب نفس الدور الذي لعبه الجيش في تونس،وإن كان في صفوف قياداته من يبقى قريبا من حسني مبارك ابن القوات المسلحة بحق وحقيق، ، لم يقمع الجيش المصري الجماهير ، وفي النهاية كان الجيش المصري الذي يعتمد على الشرعية لا على الوسائل الإنقلابية ، هو الذي سحب ثقته من حسني مبارك، فوجد الرجل نفسه معلقا ، مضطرا لما رفضه دائما أي الإنسحاب. بعد تونس ومصر، هل بدأت لعبة الدومينو في العالم العربي، وهل ستتحرك أحجار الدومينو دافعة بعضها البعض. دلائل كثيرة تشير إلى احتمال ذلك ، ويبقى السؤال المطروح: ما هي الدول العربية المرشحة لذلك؟ من المؤكد أن الدول التي لا تمتلك ثروات طبيعية كبيرة ، وتلك التي تخضع لضغوط غير محدودة ، وبدون مجالات للتنفيس هي في طليعة الدول المستعدة للثورة ، وما تشير إليه المعطيات المتوفرة هي أن الجزائر واليمن وسوريا المحكومة بيد من حديد تبدو الأكثر خضوعا لاحتمالات الثورة . هذه البلدان ليست متماثلة في مدى نضجها للثورة، ولا هي في نفس المستوى لما كانت عليه تونس أو مصر. ولكنها رغم ذلك مرشحة أن تكون في المقدمة، غير أن أي بلد عربي ليس في مأمن، علما وأن الثورة لا يمكن استنساخها، أو انتظار أن تكون متماثلة في كل البلدان. **كاتب صحفي رئيس التحرير السابق لصحيفة الصباح التونسية.