«فرنسا الثقافة لا تتواضع لتتعرف على الآخرين، والمغرب لا يثق في نفسه ويعترض عليها، والمهرجان مثال آخر عن حالة النفاق المتبادلة بين البلدين»، بهذه الكلمات علق شاعر طنجي شاب على وقائع مهرجان مراسلات الأدبي، والذي يفترض أن ما عرفته مدينة طنجة نسخة مغربية عنه، وهي النسخة الأولى في عروس الشمال، امتدت لخمسة أيام، في مقابل أن مدينة مانوسك الجنوب الفرنسية -التي تشهد الأصل- اختتمت دورتها الثامنة عشرة قبل أسبوع، وهو نفس المهرجان الذي تشهده الجزائر وسويسرا وكندا بالإضافة إلى فرنسا. وكان أول أمس قد شهد غياب الروائي المصري خالد الخميسي، وهو أبرز حدث كان يعول عليه المنظمون، ليكتمل حوار الغرب والشرق، الثقافيين، بعد أنشطة كثيرة كان ضيفها شبه الدائم، أوروبا، أو المغاربة الذين يكتبون بالفرنسية في فرنسا وكأن لا أحد هنا في المغرب، غير أولئك الذين أخذهم الموت، من أمثال العظيمين شكري والبوعناني. وشهد فضاء سوق برا وسوق الداخل، قرب ساحة المشور، قراءات مسرحية لكتاب «الخبز الحافي»، بالعربية والفرنسية، للكاتب الكبير، فقيد فضاءات طنجة وحاناتها محمد شكري، منتقين من الكتاب النصوص المتعلقة بالأحداث غير المعروفة لمارس 1952، الذكرى السنوية لفرض الحماية، والتي كانت تقريبا نهايتها.. من طرف الفرقة الفنية «ذاكرات المستقبل»، ما اختاروا له عنوان «يوم الحزن». وكانت ليلة الجمعة، قد شهدت السينما الوسائطية الريف (التي كانت قد استقبلت معظم أنشطة المهرجان)، نشاطا لكبير مغربي آخر، يتعلق الأمر بالمخرج الفقيد أحمد البوعناني، حيث تم عرض فيلمين قصيرين له، إلى جانب نقاش رواية «المستشفى»، التي أعيد العثور عليها حديثا بعدما كانت قد فقدت من السوق والأرشيف سابقا، وشرح الصحفي والمترجم عمر برادة أنه مع البحث في الخزانتين الوطنيتين والخزانات الجامعية لكل من المغرب وفرنسا (الكاتب مغربي واختار اللغة الفرنسية لكتابه)، لم يجد الكتاب، وبعد البحث لأشهر، عثر على نسخة واحدة يتيمة في المكتبة الوطنية في أمريكا، فأعيد طبعها، لكن الكتاب مازال يواجه مشاكل في التوزيع، رغبة من الناشر الأصلي في التحكم في حياته الثانية. اللقاء حضرته أيضا ابنة البوعناني تودة، والسينمائي دافيد ريفيل، وعرف نقاشا مطولا في آخر الليل، بعد عرض الفيلمين القصيرين للمخرج الراحل مؤخرا، ويتعلق الأمر ب»ذاكرة 14» الذي صوره في 1971 وفلم «6 و 12» الذي صوره سنة 1968، وللفيلمين قيمة تاريخية، اختار لأحدهما فضاء مدينة الشاون، ليصور مقتطفات من الاستعمار والتحرير، وحياة الإنسان البسيط في كل ذلك، والآخر عن مدينة البيضاء، يصور فيها التحولات التي رافقت المدينة، ساعة انقلبت للصناعة الحديثة. «رجاء، من يحارب من في الفيلم، أنا لا أعرف عن المغرب أي شيء، أريد أن أعرف أي بلد كنتم تحاربونه؟» هكذا تدخل أحد الحاضرين، بفرنسية فصيحة، ليعطي مؤشرا عن شطر كبير من الحاضرين، منهم الفرنسيون والإسبان والأمريكيون والاسرائليون، جاؤوا للمغرب ليس للمشاركة في مهرجان أدبي مغربي، يتفاعل مع محيطه، بل إلى مهرجان فرنسي، تستضيفه طنجة جغرافيا، لكن لا يؤثر ذلك على مضمونه ولا لغته، كذلك الجمهور، لم يحضر الجمهور المغربي إلا لماما، ولعل حضور فقرة غناء «كناوة» في حفل الافتتاح لم تعد لتتكرر ثانية. أرقام هواتف فريق العمل التي وزعت على المدعوين تؤشر على ذلك أيضا، فالأعضاء الأهم في الفريق هو فرنسيون أساسا، ولم يُترك للاسم اليتيم المغربي إلا وظيفة إجرائية فقط، هي وظيفة الاستقبال والتنقل. اليوم الأول الذي كان قد شهد مشاداة حول حضور فنانة اسرائيلية لغناء قصائد لمحمود درويش، واتهام المنظمين بعدم الأمانة في ترجمة حوار مسجل لدرويش إلى الفرنسية، لم تتكرر، والظاهر أنه كان أبرز حدث في الملتقى كاملا، خصوصا أن في تلك الدقائق المحسوبة فتح نقاش متحمس حول مواضيع الهوية والحرية والثقافة والاحتلال وعلاقة الإبداع بالسياسة، لم يحضر في الجلسات قبله أو بعده. شعراء طنجة ومبدعوها الأحياء لم يعرفوا بالحدث، كما تبين من اتصالات أجريناها، والجمهور الطنجي كذلك، فرنسا الثقافة جاءت لتقضي أربعة أيام في عروس الشمال، ثم تنسحب وضيوفها ومثقفيها، وتترك خلفها صور محمد شكري في البارات الطنجاوية، التي تفاخر كل واحدة منهن أن «شكري كان هنا أيضا، وشعراء طنجة المبدعون الأحياء».