وقع المغرب على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وصادق عليها بتاريخ 9 ماي 2007، ونشرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 17 يناير 2008 وتعتبر هذه الاتفاقية الأممية شاملة في مجالات الوقاية ومكافحة الفساد بكل أنواعه من رشوة واستغلال النفوذ وتضارب المصالح... وبدخول هذه الاتفاقية لحيز التنفيذ، انتقل المغرب من سياسية مكافحة الفساد عبر مقاربة التخليق إلى تطوير الترسانة القانونية والبرمجة وتعزيز الإطار المؤسسي. لقد نصت هذه الاتفاقية الهامة على العديد من الإجراءات والتدابير، وخصوصا في المادة 24 حيث أوصت الدول الموقعة على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الشهود وأكدت أيضا على تكريس الولوج إلى المعلومات كآلية وقائية ناجعة في محاربة الفساد (انظر المواد 5-9-10و13). لقد جاء الدستور الحالي متجاوبا مع مطلب المجتمع المغربي في تخليق الحياة العامة، ومكافحة الفساد وأيضا مع روح الاتفاقية الأممية، وذلك بربط المسؤولية بالمحاسبة ودسترة هيئات الحكامة الجيدة لإرساء قواعد المنظومة الوطنية للنزاهة والشفافية، وكذا دسترة الحق في الولوج إلى المعلومة (الفصل 27) الذي حدد الاستثناءات في حماية ما يتعلق بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد والوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية، وفي إطار تفعيل الدستور وملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاقية الأممية صدر قانون رقم 37-10 بتاريخ 17 أكتوبر 2011 المتعلق بحماية الشهود والضحايا والخبراء والمبلغين عن جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وغيرها. وتشتغل لجنة وزارية حاليا لتهيئ مشروع قانون يضمن حق المواطنين والمواطنات في الحصول على المعلومات. يتضح مما سبق أن المغرب بعد دخوله الى نادي الدول الموقعة على الاتفاقية الأممية بذل مجهودا لتطوير تشريعاته ومؤسساته رغم استمرار المؤشرات السلبية لظاهرة الفساد بالمغرب. وبالمقابل نجد استمرار العمل بتشريعات قديمة تقيد وتعطل هذا المجهود التشريعي، وربما تتناقض مع مضمون الاتفاقية الأممية والدستور المغربي والقوانين الصادرة حديثا. وأعني بالضبط استمرار تطبيق الفصل 18 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية الذي يلزم الموظفين بالتقيد بالسر المهني، وكذا الفصل 446 من القانون الجنائي الذي يجرم إفشاء السر المهني. إن متابعة الأخوين عبد الحق ألويز ومحمد رضا من طرف النيابة العامة بالرباط، بتهمة إفشاء السر المهني في قضية ما يعرف بالعلاوات بوزارة المالية والاقتصاد، وبغض النظر عن طبيعة الموضوع وقانونية التعويضات ونوع المعلومة والجهة التي بلغت، فإن المتابعة لها بعد سياسي في محاولة لإجهاض كل المساعي لإصلاح المنظومة التشريعية للنزاهة. فعوض أن تتجاوب الحكومة مع توصيات المؤسسات الرسمية والمدنية التي تشتغل في هذا الحقل، بإلغاء الفصل 18 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، تحرك المتابعة بناء على فصل عمره أزيد من نصف قرن في تشابه مع ظهير كل ما شأنه المشؤوم والمتوفى. وفي هذا السياق تأتي أهمية دعوة النقابة الوطنية الديمقراطية للمالية، العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل ومعها كل شرفاء هذا الوطن لتنظيم وقفة تضامنية مع الأخوين يوم الثلاثاء 09 أكتوبر 2012 أمام المحكمة الابتدائية بالرباط ، للتعبير عن رفض مكونات المجتمع لهذه المتابعة والمطالبة بإلغاء كل التشريعات التي تعيق تحديث منظومة الشفافية والنزاهة.