لم يكُن إعلان رولان بارت حيا في مكناس، فقط منحصرا في رمزية الندوة التي امتدت يومين كاملين، وجمعت نقادا أدبيين وفلاسفة ودارسين من العالم أجمع، وتحدثت عن الناقد الفرنسي رولان بارت من مختلف مناحي حياته، بل وانضاف إلى ذلك أن اقتحم رجل سُلطة خلوة الأكاديميين، وسأل المنظمين بعينين ثابتتين: «رجاء أي الحاضرين بارت تحديدا، فقد كثُرت علي الوجوه». هو لم يكُن يعرف أن بارت مات قبل أكثر من ثلاثين سنة، إثر حادثة سير بشعة، ولو كان عين السلطة إياه قد صبر قليلا وسمع المداخلات، التي حاضر فيها فريق كبير من المغاربة والأجانب، لكان قد عرف على بارث كل شيء (أو تقريبا)، ابتداء من مرحلته المغربية القصيرة، التي انتهت بنشاز اللغة وضغط رقابة السلطة على جسده ومروياته عن علاقاته المتحررة، وبعدها مرحلته اليابانية، وعلاقته بالصورة، والحب والجنس المثلي والرغبة الممتدة في تحصيل أكبر قدر من الحب واللذة والنقاش والإنفعال للصور ونقذها.. الندوة التي عنونت ب«رولان بارت بين المغرب وبعيدا»، كانت بين وزارة الثقافة والجمعية الدولية للنقد الأدبي، يومي 21 و22 شتنبر، بدار الثقافة محمد المنوني مكناس، بدأت بكلمة لرئيس الجمعية المنظمة دانييل لوريس، التي كانت قد أسست سنة 1969، وتضم نقادا وشعراء من فرنسا والعالم، شرح أسباب اختيار المغرب، أكد فيها على الصداقة التي تربطه مع بعض الشعراء المغاربة، قبل أن يُشير إلى أن موضوع رولان بارت يستحسن أن يتدارس في المغرب لما عاشه صاحبنا من فترة كثيفة في المغرب. وزير الثقافة المغربي محمد الأمين الصبيحي، اكتفى بإرسال رسالة للمؤتمرين، هو الذي كان متوقعا أن يحضر، لكن تصادف اللقاء مع وقت لقائه بمكتب اتحاد كتاب المغرب، أكد فيها على أهمية الندوة، «في ضوء ما شهده حقل السيميولوجيا ومجال النقد الأدبي، والانتشار غير المسبوق لثقافة الصورة التي كان رولان بارت من السباقين إلى الانتباه لمفعولها الإشاري..» قبل أن يذكر الحضور بأن رولان ألقى دروسه بمدرجات كلية الآداب بالرباط سنتي 1969 و1970، وأنه كان صديقا للمغرب الثقافي، وأثر بعمق ولا يزال يؤثر في طلبتنا وباحثينا، ليختم كما بدأ بالترحيب بالأساتذة والدارسين، من الجمعية خصوصا. كلمة الوزير ومعه رئيس الجمعية، ما كانت لتحفز أساتذة أكبر الجامعات والمغربية، للقعود في الصف الأمامي، في نموذج قد يكون يفترض تأمل علماء النفس في عقدة الصف الأول، وأن الأساتذة الذين يتدرجون من جامعة السوربون إلى أوكسفورد، انتظروا كالطلبة «الكسالى»، الكلمات التحفيزية من المنظمين حتى يكسروا الحاجز. المحاضرون الأجانب طُعموا بمحاضرين مغاربة، ما كان موفقا، فغير المحاضرين المحليين، ما تحدث أحد عن الموضوع حقيقة «بارت بين المغرب وفي الأماكن المتعددة»، فكان من تحدث عن نقده الأدبي والفني، و علاقته بالتواصل، والابداع، والحياد واللذة والأسطورة واللغة.. حتى ليظن المتتبع أنهم ما أعدوا شيئا للندوة، غير بحوث كانت قد أعدت في سياقات مختلفة، ما جبه غير جزء من المحاضرين المغاربة، الذين تحدثوا عن بارت والمغرب والخطيبي وبوغالي.. الجمعية الأدبية التي تضم نقادا من العالم، باستثناء أمريكا، يقترب متوسط عمر أعضائها من الستين سنة، يتجولون عبر العالم، ويُريحون أنفسهم بالشعر والخمر والنقاش والقهقهات، ما وفره المغرب طيلة اليومين بكرم، وتركوه ليطيروا بعد بضع أسابيع إلى استضافة أخرى في البرازيل. الروائي اليوناني مثلا كوستاس فاليتاس، والذي كان محاطا بالكثير من الرعاية والتقدير، كانت مساهمته في الندوة، تعليقا على هامش إحدى المحاضرات، قال فيه بعد الكثير من الكلام، عن لقائه ببارث، أنه لم يحببه، وانتهى الأمر. في المحاضرين أناس بذلوا جهدا جيدا، وكان لمداخلاتهم قيمة جيدة، تميز من بينهم المغاربة، خصوصا أن هؤلاء تحدثوا في الموضوع تحديدا. المداخلات التي اعتمدت اللغة الفرنسية كانت متخصصة، ومتتابعة، وإلى قدر ما مُتعبة، ما ليس السبب في خلاء القاعة من الشباب والباحثين المغاربة أو تكاد، في معظم الوقت، ما سببه الأساسي حسب ما أعلن باحثين شباب لنا، هو عدم إشهار المنظمين للحدث بشكل كافي، على مستوى الجامعات واليافطات. ضُيوفنا الأجانب كانو أنزلوا في فندق باليما لقضاء ليلتين، قبل أن يتوجهوا ل«عبر المحيط» بمكناس، ما صادف التدخل العنيف لقوات الأمن في حق المعطلين، أدى لصدمة قوية لضيفة ناشرة فرنسية، كانت حزينة باستمرار لما تعاود إخبار، أن بين الطلبة متخصصين في أعمال بارت. كنا قد تحدثنا عن ملامح من علاقة بارت بالمغرب، في العدد السابق للجريدة، انضافت لها معلومات هنا وهناك في الندوات أو على هامشها، منها وجود فرضية من أن بارت أُرغم على الرحيل من المغرب، بعد حكيه الصريح والدائم عن علاقاته الجسدية مع طلبته. يشار الى أن الجمعية تنشر اشغال ندواتها بالكامل على الأنترنيت وورقيا.