حين قال محمد لزوجته عائشة: - غزالتي، أعرف متى تغضبين ومتى تفرحين. - بأبي أنت وأمي كيف تعرف ذلك؟ - إِذَا غَضِبْتِ قُلْتِ : لا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ، وَإِذَا رَضِيتِ قُلْتِ : لا ، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ. فَقَالَتْ: - إِنَّمَا أَهْجُرُ اسْمَكَ . ضحكت وضحك وانخرطا معا في عناق عاطفيّ. لقد عاد الزوجان إلى الالتحام من جديد، وبالتالي نجحت عائشة فيما كانت ترغب فيه. ذلك أن محمدا لمْ يعد يتردد أو يخفي الجهْر بكوْن عائشة هي المفضلة من بين زوجاته، حين يسأله بعض صحابته قائلين: - يا رسول الله، من تحبّ أكثر في هذه الدنيا؟ [عن أنس أن النبي سئل من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة. فقيل: لا نعني أهلك. قال: أبو بكر. وعلم المسلمون بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة]. لقد جرت العادة أن يذكر اسم ابنته فاطمة، وعليّا زوجها، وابنيْهما الحسن والحسين، غير أن اسم عائشة هو الذي بات يتردد على لسانه في معظم الأحيان. وذلك حتى لا ينسى أحد بأنها هي المفضلة دون غيرها، ومهما حصل من أزمات عابرة. هي التي لا يمكنه تجاوزها ولا الاستغناء عنها. وهي التي يتردد على بيتها كثيرا بالقياس إلى الأخريات. وقد جرّت هذه الحظوة على عائشة، خلال الأيام الموالية، سلسلة من ردّات الفعل السلبية الناتجة عن الغيرة والحسد من طرف باقي زوجات الرسول اللواتي لم يستغْن هذا التفضيل. زاد التمرد النسائي داخل الحريم النبوي، تمرد صامت لكنه قويّ. خلال الشهور الموالية، لم يغادر الرسول مدينة يثرب، تاركا رجاله يقومون وحدهم بشنّ غارات وغزوات على القبائل المتمردة التي كانت ترفض الدخول في الدين الجديد. واستطاع بذلك ضمّ العديد منها في تخوم الصحراء، فارضا بذلك شريعة الله ورسوله. وفي هذه الفترة، كان عدد اللاجئين يتزايد كل يوم، يتهافتون على ملاقاة الرسول من أجل التعبير له عن ولائهم وبيعتهم واعتناقهم الإسلام الذي انتشرت سلطته إلى تخوم الصحراء وخارجها. لقد أطبق الرسول سلطته على مجموع تراب المنطقة الوسطى من شبه الجزيرة العربية. كما تزايدت أعداد المسلمين الذين يرغبون في الاستماع إلى خطبه وحضور صلواته بالمسجد الرسمي داخل المدينة. هذا المسجد الذي زيّنه بمنبر خشبيّ من أجل رؤية وجوه المصلين بصورة أفضل. وقد نجح محمد، بفضل هذه الغزوات والبعثات، في أن يحوّل واحة يثرب إلى منطقة مزدهرة. وبات أصحابه من المهاجرين والأنصار يعيشون في بحبوحة من العيْش غير مسبوقة، الأمر الذي جعلهم ينسون فاقة الفقر التي كانوا يعيشون فيها في بداية الهجرة. وإذا البعض منهم قد فضّل العيش حياة الزهد والتفرّغ للعبادة والتهجّد، فإن آخرين آثروا الاستمتاع بما جرّت عليهم مغانم الغزوات. وقد وجد البعض منهم أنّ أحسن وسيلة للتعبير عن اعترافهم وامتنانهم للرسول وما جعلهم يعيشون فيه من رغد، هي تقديم الهدايا له. فكان أحدهم إذا أراد أن يهدي هدية إلى الرسول، يؤخّرها حتى إذا كان عند عائشة بعث صاحب الهدية بها إليه في بيت عائشة. وكان هذا السلوك سببا في أنْ دبّت الغيرة في الحزب الموالي لأمّ سلمة الذي كان يتألف من سائر نساء النبي ما باستثناء حفصة وصفية وسودة، فإنهن من حزب عائشة. لذلك جئْن عند أم سلمة وقُلْن لها: - إن الناس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريد عائشة فكلمي رسول الله أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان، أو حيث ما دار صلى الله عليه وسلم. فجاءتْ أم سلمة عند الرسول وأبلغته ما قالتْ بعض نسائه، فأعرض عنها ولم يقل لها شيئاً. فسألنها فقالت: - ما قال لي شيئاً. فقلن لها: كلميه حتى يكلمك. فجاءته فكلمته، فدار إليها ثم كلمته حتى دار إليها أيضاً. ثم قال: - يا أمّ سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها. فقالت: - أتوب إلى الله من ذلك يا رسول الله. - ثم إنهن دعون فاطمة بنت الرسول إلى أبيها فاستأذنت عليه وهو مضطجع معها فأذن لها. فقالت: - يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة [أي أبو بكر]، وعائشة ساكتة. فقال لها الرسول: - يا ابنتي، ألست تحبين ما أحبّ؟ قالت: بلى. قال: فأحبي هذه. فقامت فاطمة لما سمعت ذلك من رسول الله فخرجت إلى أزواج النبي فأخبرتهم بالذي قالت وبالذي قال. فقلن ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله فقولي له: إنّ نساءك ينشدنك العدل وابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبداً. فعمد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلن زينب بنت جحش إلى الرسول وهي التي كانت تسامي عائشة من أزواج النبي في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت على رسول الله فأذن لها الرسول فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة ووقعت في عائشة واستطالت وعائشة ترقب طرف هل أذن لها [انظر التفاصيل في «تاريخ» الطبري، (المترجم)]. غدا: نساء النبيّ يطالبْن الرسول بتحسين وضعيتهنّ المادية