موضوع شائك، ويحتاج إلى مهارة خاصة من أجل الخروج من المطبات التي يطرحها بأقل خسارة ممكنة. ودليلنا على ذلك أنه ليس أرضا غير مطروقة، إذ كلما أثاره باحث أو تطرق إليه طالب كلما أدرك أنه يمشي في حقل ألغام هائج تصنعه توترات الصراع بين «العقل» والتعلق الشامل بالمقدس الديني. ذلك أن أي «شبهة حياد ديني» عادة ما يترجمها الغلاة إلى مسّ وانتهاك للانتماء الديني، وهو ما يطرح إشكالات أخرى ترتبط ب»التكفير» و»الارتداد» و»إهدار الدم» و»المحاكمات».. ويروي مسلم والنسائي عن عائشة قالت : «أرسل أزواج النبي (ص) فاطمة ابنته إليه فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي- لحافي- فأذن لها فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. وأنا ساكتة- أي عائشة- فقال لها الرسول: «أي بنية ألست تحبين ما أحب؟» فقالت: «بلى». قال: «فأحبي هذه»- أي عائشة- فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من أبيها ورجعت إلى أزواج النبي فأخبرتهن بالذي قال الرسول . فقلن لها: «ما نراك أغنيت عنا من شيء فارجعي إلى رسول الله فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: « والله لا أكلمه فيها أبدا» . فأرسل أزواج النبي زينب بنت جحش وهي التي تساميني منهن في المنزلة - أي على مستوى جمالها وحسنها وحب الرسول لها- عند رسول الله. فاستأذنت - أي زينب - على الرسول وهو مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها الرسول فقالت: «يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة.. قالت عائشة: «ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها فلم تبرح زينب حتى عرفت أن الرسول لا يكره أن انتصر. فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها فقال الرسول مبتسما إنها ابنة أبي بكر..». هذا الحديث يجعلنا نعيش موقعة نسائية في بيت النبي (ص) الذي كان يراقب أحداثها مبتسما.. وفي رواية أخرى، تقول عائشة متباهية: «لم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري. وأنزل الله براءتي من السماء. وكنت اغتسل أنا وهو من إناء واحد. ولم يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري. وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري. وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري». وتتوالي مثل هذه الأحاديث دون انقطاع لدرجة جعلت صالح الورداني يقدم اعتراضا واضحا على ما أسماه «عجائب الرواة والفقهاء»، فيتساءل: (هل يتلاءم مثل هذا السلوك مع أدب النبوة؟ وهل يمكن أن تكون زوجات النبي بمثل هذا الخلق؟). ويُروي أيضا، في باب الغيرة التي اشتعلت في مهجة عائشة- أن أم سلمة، زوج النبي (ص)، أرسلت بقصعة فيها طعام إلى الرسول وهو عند عائشة. فضربت عائشة يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت. فجعل النبي يجمع بين فلقتي القصعة وهو يقول: «غارت أمكم». وفي رواية أخرى: «فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر- حجر- ففلقت به الصحفة (أي القصعة)». . ومثل هذا التصرف- كما قال الورداني- عده الفقهاء من باب الغيرة المسموح بها ولم يشغلوا أنفسهم ببحث مدى شرعية هذا التصرف الذي وقع، حسب ما ينقله النص، أمام جمع من الصحابة. وتوضح النصوص (البخاري، مسلم، النسائي...) أن «غيرة عائشة» لم تنحصر في محيط مشاكسة زوجات النبي والحط من قدرهن على الملأ، بل تجاوزت ذلك إلى محاولة تقويمهن وتقييم قدرهن بما لا يصطدم مع مكانتها العالية، حيث يتضح مما وصلنا من أحاديث أن لغتها لغة استعلاء. ويُروى أن عائشة لما رأت صفية بنت حيي زوج النبي - وكانت يهودية من سبى خيبر - قال لها النبي ( ص ): «كيف رأيتها يا عائشة؟» قالت: «رأيت يهودية». قال الرسول: «لا تقولي هذا فإنها قد أسلمت «.