ظاهريا، النفوذ السعودي في العالم العربي يتقوى مع وصول الاسلاميين للسلطة في العديد من الدول العربية، لكن الرياض لا تبحث عن لعب دور إقليمي بارز وأوليتها تبقى محاصرة النفوذ الإيراني... من كان سيصدق؟ سنة ونصف فقط بعد انطلاق الاحتجاجات التي عصفت حتى الآن بثلاثة رؤساء دول عربية، يتم تقديم المملكة السعودية باستمرار كأكبر عراب للتحولات الجارية، ورغم ذلك فقد هيمنت على هذه التحولات تشكيلات إسلامية عانت لفترات طويلة من القمع والتضييق على أيدي الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في المنطقة. السعودية, التي ظلت حتى الآن بمنأى عن الاحتجاجات الداخلية باستثناء التوترات المزمنة التي تشهدها المنطقة الشرقية التي تتجمع بها الأقلية الشيعية السعودية، تبدو كمعقل للثورة المضادة، غير متهمة بتشجيع تعميم الاقتراع العام وتوازن السلط وشفافية المؤسسات العامة. كرونولوجيا السلطة السعودية كانت مثل نظيراتها، فوجئت بالثورات التونسية والمصرية وبالأخص أغضبها تخلي الإدارة الامريكية عن حسني مبارك في الساعات الحاسمة لميدان التحرير. وإذا كانت الحكومة السعودية قد دبرت رحيل الرئيس اليمني عن السلطة فلأنها اعتبرت بالأساس أن هذا الأخير لم يعد رجل المرحلة في البلد الجار الفقير والآهل بالسكان الذي يعيش باستمرار على إيقاع الصراعات الداخلية( تمرد الحوتيين في الشمال وتهديدات التنظيمات الجهادية)، صراعات تجد صداها في القضايا السعودية بنفس درجة الهجرة السرية التي تخترق اليمن في اتجاه الشمال. نفس رد الفعل الدفاعي تجاه المحيط القريب اضافة إلى البعد الشيعي للاحتجاج كلها عوامل تفسر أيضا الدور السعودي في قمع »الربيع البحريني« في مارس 2011 عبر الدراع العسكري لمجلس التعاون الخليجي الذي يضم الملكيات البترولية في المنطقة. في نفس الوقت وضعت المملكة العربية السعودية كل ثقلها في الميزان لإصدار قرار من الأممالمتحدة يفتح الباب أمام تدخل غربي في ليبيا باسم حماية السكان المدنيين، هذا التدخل الذي سيكون حاسما في وقف لهجومه المضاد على بنغازي من طرف قوات القذافي العدو القديم للمملكة, المتهم حتى قبيل سنوات 2003 بكونه ساند محاولة اغتيال ولي العهد السعودي آنذاك، الملك عبد الله حاليا. وبسرعة كذلك, تخلى النظام السعودي عن دعم نظام بشار الأسد في سوريا, مديرا بذلك ظهره لسياسة المصالحة التي بدأها سنة 2009 بعد 4 سنوات من الجفاء في أعقاب اغتيال الوزير الأول اللبناني رفيق الحريري الذي يعتبر أحد دعامات النظام السعودي في لبنان. في سياق هذه الديناميكية، بدت الانتصارات التي حققتها مختلف التيارات الاسلامية والسلفية أو المحسوبة على الجناح الايديولوجي للإخوان المسلمين في الانتخابات التونسية أو المغربية أو المصرية، كانتصارات للجناح المحافظ الذي تجسده المملكة السعودية, بناء لا يعير أدنى اهتمام لنمط اشتغال المملكة ولا لأهدافها. رسميا القضايا الدولية يديرها رسميا الملك المسن حاليا والذي يحسم في نهاية المطاف مع وزير خارجيته الأمير سعود بني فيصل الذي يرأس الدبلوماسية منذ 1975 ويعاني أيضا من اعتلالات صحية. أحد أبناء الملك عبد العزيز أرسل في مهمة إبان فترة التقارب القصيرة مع بشار الأسد، اضطلع أيضا بعدة مهام رسمية. هذا الفريق الضيق جدا تم توسيعه في بداية غشت من خلال تعيين السفير السعودي السابق لدى الولاياتالمتحدة، الأمير بندر بن سلطان مسؤولا عن مصالح الاستخبارات وهو المنصب الذي كان يشغله حتى الآن الأمير مقرن, أحد إخوة الملك. بندر بن سلطان ابن ولي العهد السابق الذي توفي في أكتوبر 2011، يعتبر من بني «»الصقور»« بخصوص الملك الايراني. ولتعزيز هذا الفريق التنفيذي يتوفر مسؤول سابق آخر في المخابرات السعودية والذي اشتغل بدوره في واشنطن وهو الأمير تركي, يتوفر على التعبير علانية بإسمه الشخصي حول القضايا الخارجية كمسؤؤل عن أحد مراكز التفكير السعودية مركز فيصل للأبحاث والدراسات الاسلامية. السياسة الخارجية السعودية التي يرسمها هذا الفريق الضيق توصف عموما بأنها احترازية وتفضل رد الفعل على المبادرة. تركز بشكل كلي تقريبا على احتواء إيران. كما ترى الباحثة فتيحة دازهيني إحدى أبرز المتخصصين في الشؤون السعودية وتضيف «»الرياض لا تطمح لأن تصبح القوة الاقليمية التي يرتسم حولها كل شيء» أما عن التطرف الاسلامي «فالمملكة لا ترغب أن تلعب بورقة قد تصيبها»، كما أثبت ذلك الماضي القريب, فمن الهجوم الذي عاشته مكة الذي قاده جهيمان العتيبي إلى تجنيد قدماء المقاتلين السعوديين في افغانستان في صفوف القاعدة للضرب داخل المملكة في سنوات 2003 و2004 يبدو أن السعوديين فهموا الدروس. وعندما انخرطت الدبلوماسية السعودية في الصفوف الأولى, لم تحقق في الماضي نجاحات كبرى. في الملف الفلسطيني اصطدمت المبادرة العربية التي أقرتها قمة الجامعة العربية في بيروت سنة 2002 (عرض الاعتراف باسرائيل مقابل قبول قيام دولة فلسطينية في حدود 1967 ) اصدمت بلامبالاة من جانب اسرائيل وذلك بالرغم من الجهود المبذولة من أجل توسيع الاعتراف بالدولة اليهودية من طرف كل الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي التي تشكل إحدى الآليات التي يمكن أن توظفها الرياض، إلى جانب وضعها كسلطة رمزية للأماكن المقدسة الاسلامية في مكة والمدينة التي تضطلع بها إلى جانب قوة الأموال المستعملة مؤخرا في محاولة المساعدة في استقرار الدول التي هزها »الربيع العربي« (الأردن ومصر)، نفس الأمر حدث بالنسبة للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية سنة 2007، وهي من المناسبات النادرة التي أخذت خلالها السعودية المبادرة من المصريين دون أن تحقق نجاحا واضحا. وهناك قضية إصلاح مجلس التعاون الخليجي, هذا النادي الذي يضم دولا غنية يمكن أن تقاس من خلالها حدود العملاق السعودي بالنظر لحجمه وعدد سكانه وقوته العسكرية نظريا، وهي معطيات لا مجال لمقارنتها بالدول البترولية الأخرى في المجلس وحتى في هذا الملف تجد السعودية صعوبة فى إقناع شركائها بضرورة تقوية الروابط. وبعد أن فكرت في توسيع عضوية المجلس ليضم ملكيتين عربيتين هما الأردن والمغرب اللذين طالتهما موجه »الربيع العربي« التي بدأت سنة 2011، ظهر أن المملكة السعودية تفضل وحدة متينة بين الأعضاء, ناسية المأزق الذي يتخبط فيه منذ سنوات مشروع الوحدة النقدية. وأمام هذه التحفظات التي ظهرت خلال القمة التي دعت إليها في ماي، اضطرت الرياض إلى إعادة طرح مشاريعها التي تندرج في إطار الهوس الإيراني ووسائل مواجهته. عن لوموند بتصرف