بتعيين الأمير بندر بن سلطان رئيسا للمخابرات، تكون المملكة السعودية قد شكلت ما يشبه حكومة حرب، فى وقت يشهد تصاعد التوترات مع إيران وتنامى معارضة الأقلية الشيعية فى الداخل. وقد رفع السعوديون أيضا مستوى التأهب بأشكال أخرى استعدادا لنزاع إقليمى محتمل. وفى الشهر الماضى، أعلنت تعبئة قوات الجيش السعودى ورجال الأمن، الذين تم استدعاؤهم من إجازاتهم الصيفية، أو طلب منهم إلغاء الإجازات المقررة. ومن بين تفسيرات حملات التعبئة فى الرياض، أن السعوديين يتوقعون أن تنتقم تركيا من سوريا بسبب قتل أحد مقاتليها فى يونيو الماضى. ••• ويأتى تنصيب رئيس جديد للمخابرات مع زيادة المساعدات السعودية للمتمردين فى سوريا الذين يسعون للإطاحة بنظام بشار الأسد. وفى إطار هذه المساعي، يعمل السعوديون سرا مع الولاياتالمتحدة وفرنسا وتركيا والأردن، وغيرها من البلدان التى تريد الإطاحة بالأسد. وسوف يخلف بندر الأمير مقرن بن عبد العزيز، الذى لم يكن يظهر فى الغرب خلال السنوات التى قضاها رئيسا للمخابرات السعودية. وقد أدى هذا إلى انتشار الأقاويل على نطاق واسع بأن الأمير مقرن تم فصله، لكن يقال إنه مازال يحظى بثقة الملك عبدالله، الذى سيعينه مبعوثا خاصا إلى باكستان ودول إسلامية أخرى سيكون سلوك مقرن السعودى التقليدى مفيدا وفى السنوات القليلة الماضية، كان الأمير بندر، السفير اللامع السابق لدى الولاياتالمتحدة، قد أزيح جانبا فيما يبدو بسبب سوء الحالة الصحية ولأسباب شخصية. ولعل تعيينه الآن رئيسا للمخابرات، يشير إلى حرص الملك عبدالله وولى العهد الجديد الأمير سلمان، على وجود عنصر سرى ذى خبرة لإدارة علاقات خارجية حساسة فى ظل تصاعد حاد للتوتر. وعلى سبيل المثال، سوف يكون الأمير بندر وسيطا مفيدا، إذا سعت السعودية للحصول على أسلحة نووية أو صواريخ باليستية من الصين لصد مثل هذه التهديدات من إيران. فقد كان بندر هو الوسيط فى صفقة صواريخ سرية مع الصين، عرفت باسم «رياح الشرق». كما كان بندر نشطا أيضا فى مهمات مع سوريا ولينان استمرت عقودا، ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال أنه ساعد فى ترتيب زيارة الجنرال مناف طلاس، المنشق السورى الأعلى رتبة، إلى السعودية مؤخرا. ••• ويعتبر بندر، بوجه خاص، كفؤا لإدارة العلاقات الاستخباراتية مع الولاياتالمتحدة، نظرا لعشرات السنين التى قضاها سفيرا لديها. فقد احتفظ بعلاقات وثيقة مع وكالة الاستخبارات المركزية خلال فترة رئاسة رونالد ريجان، وقيل إنه ساعد فى ترتيب التمويل السرى لأعمال سعودية أمريكية مشتركة فى الشرق الأوسط. وخلال الفترة السابقة على حرب الخليج عام 1991، وكان بندر قريب الصلة للغاية من الرئيس جورج بوش، لدرجة أنه صار يعرف باسم «بندر بوش»، وهو اللقب الذى استمر فى عهد الرئيس جورج دبليو بوش. وواصل بندر القيام بدور خلف الكواليس، حتى بعد مغادرته لواشنطن فى 2005. وعلى سبيل المثال، قيل إنه أيد سياسة المواجهة التى اتبعها ديك تشينى نائب الرئيس ضد إيران، وهو ما أثار خوف الأمير تركى الفيصل، خليفته كسفير، الذى عمل مع أعضاء أقل تشددا فى إدارة بوش. وجدير بالاهتمام، أن بندر كان هدفا خاصا لهجمات وسائل الاعلام الإيرانية مؤخرا. وفى الثانى من أغسطس، وصفه التليفزيون الإيرانى بأنه «محور الحيل الحسيسة» بين وكالة الاستخبارات المركزية والموساد ضد سوريا»، وفى أوائل الأسبوع الماضى (31 يوليو)، أذاع التليفزيون تقريرا غير دقيق، مدعيا أن بندر تم اغتياله، ولم يعلق المسئولون السعوديون أوالأمريكيون ولم يكن هناك أى دليل يدعم هذا الزعم. ••• وفى الداخل، يجاهد السعوديون من أجل احتواء الاحتجاجات الشيعية فى القطيف، بالمنطقة الشرقية الغنية بالبترول. وذكر تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى فى التاسع من يوليو أن هذه الاحتجاجات، التى يعتقد السعوديون أنها بتحريض من إيران، أسفرت عن سقوط قتيلين أوائل يوليو. واستمرت الاحتجاجات فى الأسبوع الماضى، وهناك أنباء عن مزيد من الخسائر. ولم يستطع السعوديون وقف التمرد فى القطيف، بل إن الأمر يبدو أنه يزداد سوءا. ولعل المتظاهرون يأملون فى دفع السعوديين إلى شن حملة قمع دموية، قد تسفر عن عشرات من القتلى وتثير مظاهرات أوسع نطاقا، وانتقادات دولية. وقد تجنب السعوديون، حتى الآن، مثل هذا التصعيد عبر اللجوء إلى إجراءات مقيدة. ويرى الإصلاحيون السعوديون أن أفضل سبيل لكبح الاحتجاجات الشيعية، هو منح الشيعة جميع حقوق المواطنة الاقتصادية السياسية. وفى 27 يوليو، بث التليفزيون الإيرانى مقابلة مع أحد المحللين، تحت عنوان «سقوط نظام آل سعود صار أكثر واقعية من ذى قبل». وربما تكون هذه المعلومة من باب الدعاية الإيرانية، لكنها تساعد فى تفسير سبب ذهاب حكام السعودية إلى مواقع تمركز الجنود.