يبدو أن سلطات ولاية طنجة أصبحت عاجزة تماما عن التصدي لمافيا البناء العشوائي بالمدينة. فبعد زحف العشوائيات على أراضي الجموع والغابات وحتى المقابر، انتقلت شبكات البناء العشوائي إلى تنفيذ عمليات سطو منظم على أراضي الخواص، بل وصل الأمر حدا من الخطورة بات يستدعي تدخلا مركزيا حاسما تفاديا لخروج الأوضاع عن السيطرة. آخر وأخطر عمليات السطو على أراضي الخواص، تلك التي استهدفت بقعة أرضية ذات الرسم العقاري 43716/06 مساحتها 3 هكتارات، في ملكية ورثة مويال ميناحيم، يهودي مغربي كان مقيما بمدينة طنجة، ذلك أن ورثة الهالك قرروا قبل أربعة أشهر بيع بقعتهم الأرضية. وخلال زيارتهم التفقدية لها بمنطقة العوامة، فوجئوا بوجود بعض المنازل العشوائية قد تم بناؤها من دون إذن أو ترخيص، وعند استفسارهم لعون السلطة المسؤول عن المنطقة الموجود فيها العقار وبعد تمكينه من نسخة الملكية المسلمة من المحافظة العقارية، صدموا لرده العنيف، حيث طلب منهم الانسحاب ومغادرة المنطقة، فيما يشبه التهديد، مؤكدا لهم أن أصحاب المنازل يتوفرون على عقود عدلية تثبت تملكهم للأرض !!.... هول الصدمة دفعت ورثة مويال ميناحيم إلى المسارعة باتخاذ الإجراءات القانونية لطرد المحتلين عن أرضهم وتم وضع شكاية لدى وكيل الملك، لكن الأمور ستعرف منحى أكثر خطورة، ذلك أنهم انتقلوا إلى مقر ولاية طنجة، وفي غياب محمد اليعقوبي الوالي بالنيابة، تم استقبالهم من طرف الكاتب العام، مصطفى الغنوشي، الذي نصحهم بتسييج ما تبقى من البقعة الأرضية في انتظار استصدار حكم قضائي، رافضا القيام بأي تدخل استباقي، وعند شروعهم في تسييج ما تبقى من الأرض تعرضوا لهجوم عنيف من طرف أشخاص غرباء، كما عاينوا أشغال البناء جارية على قدم وساق، حيث تم الزحف على ثلتي المساحة في أقل من شهر، أمام مرمى ومسمع من السلطات العمومية التي بدت وكأنها تمنح التغطية للمعتدين. وعند الاطلاع على وثائق الملف الذي حصلت الجريدة على نسخة منه، نجد أن هناك شخصا يدعى مصطفى بن محمد الدحمان الحامل لبطاقة التعريف الوطنية رقم 67507 ك / 01، يتوفر على عقود شراء عدلية لمجموعة من القطع الأرضية، موقعة في تواريخ مختلفة ما بين 2004 و2011، والغريب أن العقود كلها موثقة من طرف العدلين محمد الذهبي الزكاري وعبد اللطيف الغلبزوري، مما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول العلاقة المفترضة بين الأطراف، وحول موافقة العدلين كتابة العقود ضدا على القانون الذي يجرم التجزيئ السري. وفي اتصال للجريدة بأحد أفراد الجالية اليهودية، المكلف من طرف ورثة مويال ميناحيم بمتابعة ملف القضية، عبر لنا عن صدمته لما يقع، وعدم استيعابه لموقف السلطات العمومية التي تتخفى وراء انتظار حكم القضاء، والحال أنها أرض محفظة، كما أن البناء يتم بطريقة عشوائية، أي من دون ترخيص، ومن ومسؤوليات السلطات العمومية التدخل لهدم ما تم بناؤه، وختم تصريحه بكون ما يجري يعتبر عملية سطو منظم لملكية خاصة أمام صمت مريب للسلطات العمومية. ما يحدث بطنجة، يؤشر على تحول خطير في أساليب اشتغال مافيا البناء العشوائي، ويطرح الكثير من التساؤلات حول التواطؤ المفترض لأعوان ورجال السلطة الذين يختبئون وراء استصدار الأحكام القضائية لتبرير عدم تدخلهم، وهم بذلك يمنحون الوقت الكافي لهاته الشبكات قصد تنفيذ مخططات السطو على ممتلكات الغير وفرض الأمر الواقع، وعليه بات من المستعجل اتخاذ إجراءات عاجلة لرد الأمور إلى نصابها، كما يستوجب معه الأمر فتح تحقيق تحت إشراف مباشر من المركز لتحديد المسؤوليات وترتيب الإجراءات القانونية اللازمة في حق جميع المتورطين، حتى لا يأخذ هذا الملف أبعاد جدا خطيرة يصعب التكهن بتداعياتها.