في المغرب جمعيات تتمتع بامتيازات كبيرة تمكنها من دعم مالي مهم، بفضل تمتعها بصفة المنفعة العامة. لكن العديد منها لا تحترم القانون ولا تقدم حساباتها السنوية للدولة وتظل رغم ذلك في منأى عن منطق المحاسبة. فاعلون مدنيون يقرون بهذا الوضع ولكنهم ينتفضون ضد المسطرة القانونية لمنح هذه الصفة ويعتبرون أنها معقدة، مطالبين بتبسيطها وعدم إخضاعها لمنطق الحسابات السياسية للدولة. 194 هو عدد الجمعيات التي تتمتع بصفة المنفعة العامة بالمغرب والمسجلة لدى الأمانة العامة للحكومة. صفة تمنح لها مجموعة من الامتيازات من بينها طلب الدعم المالي من الدولة بصفة مباشرة دون اللجوء مثلا إلى السلطات المحلية، ويسهل عليها الحصول على الدعم من القطاعات الوزارية في إطار البرامج الحكومية. لهذه الجمعيات أيضا الحق في طلب دعم الشركات الخاصة، بالإضافة إلى الاستفادة من قانون الإحسان العمومي، أي جمع التبرعات الذي يتيحه القانون للجمعيات المعترف لها بالمنفعة العامة، إذ رخصت الأمانة العامة للحكومة خلال هذه السنة لحوالي 19 طلبا لالتماس الإحسان العمومي. يمكن للجمعيات المتمتعة بصفة المنفعة العامة، أن تقوم مرة كل سنة دون إذن مسبق، بالتماس الإحساس العمومي أو أية وسيلة أخرى مرخص بها تدر مداخيل. غير أنه يجب عليها التصريح بذلك لدى الأمين العام للحكومة خمسة عشر يوما على الأقل قبل تاريخ التظاهرة المزمع القيام بها، ويجب أن يتضمن التصريح المذكور تاريخ ومكان التظاهرة وكذا المداخيل التقديرية والغرض المخصص له، لكن يجوز للأمين العام للحكومة أيضا أن يعترض بقرار معلل على التماس الإحسان العمومي أو على تنظيم كل ما يمكن أن يدر مدخولا ماليا إذا ارتأى أنهما مخالفان للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. في مقابل كل هذه الامتيازات، فإن جمعيات المنفعة العامة ملزمة برفع «تقرير سنوي إلى الأمانة العامة للحكومة يتضمن أوجه استعمال الموارد التي حصلت عليها خلال كل سنة»، يقول قانون الحريات العامة المنظم لعمل الجمعيات. التقرير المالي يجب أن يكون مصادقا عليه من لدن خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين، ويشهد بصحة الحسابات التي يتضمنها، مع مراعاة مقتضيات القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية. لكن ليست كل الجمعيات ذات المنفعة العامة تصرح بحساباتها لدى الأمانة العامة للحكومة، ما يطرح التساؤل حول مدى إعمال القانون في بعض الحالات. جمعيات لا تقدم حساباتها «لا أعتقد أن جميع الجمعيات تصرح بحساباتها بشكل سنوي، وعدد قليل فقط منها تقوم بالتصريح بمداخليها ومصاريفها. لهذا ستسعى الحكومة في القريب إلى ترشيد دعم هذه الجمعيات في جو من الشفافية والنزاهة»، يقول مصدر حكومي في تصريح ل«الاتحاد الاشتراكي». يقر نفس المصدر بأن تمويل الجمعيات في السابق لم يكن يخضع لآلية واضحة، ولم يكن هناك التزام بالقانون بشأن تقديم حساباتها إلى الأمانة العامة للحكومة. هذا المصدر الحكومي يؤكد أن بعض الجمعيات ذات المنفعة العامة لا تقدم حساباتها إلى الجهات المسؤولة، إذن لماذا تلتزم الأمانة العامة للحكومة الصمت تجاه هذا النوع من الممارسات؟ خصوصا أن وزارة إدريس الضحاك تتوفر على مديرية تهتم بالسهر على تطبيق النصوص التشريعية المتعلقة بتأسيس الجمعيات، ودراسة طلبات الاعتراف بصفة المنفعة العامة. وحتى القانون يقول بصريح العبارة، إنه «في حالة مخالفة الجمعيات لالتزاماتها القانونية أو الواردة في قانونها الأساسي، يمكن أن يسحب منها الاعتراف بصفة المنفعة العامة بعد إنذارها لتسوية وضعيتها المحاسبة داخل أجل ثلاثة أشهر». كما يشدد القانون نفسه على «الجمعيات المتمتعة بصفة المنفعة العامة أن تمسك وفق الشروط المحددة بنص تنظيمي محاسبة تعكس صورة صادقة عن ذمتها ووضعيتها المالية ونتائجها وأن تحفظ القوائم التركيبية والوثائق المثبتة للتقييدات المحاسبية والدفاتر لمدة خمس سنوات». بالنسبة إلى منير بنصالح، عضو المجلس الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فإن «القانون يجب أن يطبق على الجميع ولا يجب أن نتساهل في هذا الإطار، بدل إطلاق تصريحات في البرلمان حول تلقي الجمعيات أموال من الخارج دون الأخذ بعين الاعتبار كم من متطوع يعمل بهذه الجمعيات»، مضيفا في الوقت نفسه ل«الاتحاد الاشتراكي»: «للإشارة فقط، فإن المنظمات غير الحكومية في الولاياتالمتحدةالأمريكية تساهم ب14 في المائة من الناتج الداخلي الخام، لأن الدولة تسمح للشركات بدعم الجمعيات مقابل تخفيض نسبة الضرائب المفروضة على المؤسسات الإقتصادية». وجهة نظر يتقاسمها وإياه عبد الإله بنعبد السلام، نائب رئيس «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، الذي يقول في تصريح للجريدة: «يجب أن نكون حريصين على تطبيق القانون في جميع الأحوال، وكما أننا نطالب بتطبيق القانون على الجميع، فإننا نقدم كل حساباتنا السنوية في الجمعية للأمانة العامة للحكومة وفق ما ينص عليها القانون»، مضيفا: «لا يجب استثناء أي جمعية من المحاسبة وعدم تطبيق القانون عليها لكونها مثلا مقربة من السلطة لأننا نعتبر أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون»، ويثير بنعبد السلام الانتباه أيضا إلى أن «هناك جمعيات لا تخضع للمراقبة». وبالفعل، فقد سبق للوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الحبيب الشوباني أن صرح بأن« 97 في المائة من جمعيات المجتمع المدني لا تقدم أية حصيلة عن تدبيرها المالي»، هذا مع العلم أن الدولة توفر حوالي 9 ملايير درهم كدعم لجمعيات المجتمع المدني، موزعة على العديد من القطاعات الوزارية. هنا يصرح مصدر رسمي بأن «الحكومة ستقوم بإخضاع تمويلات ومصاريف الجمعيات للمراقبة إعمالا لمبدأ الشفافية»، مستدركا أن «هذا الأمر لا يدخل أبدا في إطار نوع من الوصاية على عملها أو طرف اشتغالها». مطالب بتعديل قانون المنفعة العامة صحيح أن الجمعيات ذات المنفعة العامة تتمتع بمجموعة من الامتيازات الخاصة التي لا تتوفر لغيرها من الجمعيات المدنية، لكن مسطرة الحصول على هذه الصفة تتطلب المرور عبر مسطرة قانونية معقدة وغير مبسطة، وفق العديد من الفاعلين الجمعويين. هذه المسطرة يبسطها القانون على الشكل التالي: «كل جمعية يمكن أن يعترف لها بصفة المنفعة العامة بمقتضى مرسوم بعد أن تقدم طلبا في الموضوع وتجري السلطة الإدارية بحثا في شأن غايتها ووسائل عملها. يجب أن يتم الرد عليه بالإيجاب أو الرفض، معللا في مدة لا تتعدى ستة أشهر تبتدئ من تاريخ وضعه لدى السلطة الإدارية المحلية». لهذا يقول نور الدين قربال، مستشار الوزير المكلف مع البرلمان والمجتمع المدني: «الجمعيات التي تتمتع بصفة المنفعة العامة تحصل على تمويلات وتتمتع بامتيازات، لهذا وجب إعادة النظر في الطريقة التي تمنح بها صفة المنفعة العامة». هنا يعلن قربال أن الحكومة بصدد تهييء وتعديل القوانين المرتبطة بالجمعيات، مثل إحداث قانون للتطوع في الجمعيات وآخر منظم للمؤسسات فضلا عن قانون للتشغيل داخل الجمعيات، «دون استثناء أيضا قانون الترخيص للجمعيات الذي أرى أنه يجب أن يمنح للقضاء، فضلا عن تعديل المسطرة القانونية لمنح صفة المنفعة العامة». تعديلات لا يمكن أن تتم حسب مستشار وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، إلا في إطار «مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين بمن فيهم الأمانة العامة للحكومة واستيقاء آراء الفاعلين في المجتمع المدني والقطاعات الحكومية»، مضيفا: «سنعلن عن حوار وطني عما قريب يهم مختلف هؤلاء الفاعلين من أجل الخروج بتوصيات قابلة للتطبيق، قبل إعداد قوانين جديدة وتعديل أخرى من أجل إشراك الجميع». اشكال تصريحات نور الدين قربال تأتي تجاوبا مع العديد من الفاعلين المدنيين، الذين يطالبون بتبسيط مسطرة الحصول على صفة المنفعة العامة، ويجمعون أيضا على انتقاد الطريقة المتبعة منذ سنوات في منح هذه الصفة للجمعيات. يقول منير بنصالح: «هناك إشكال مسطري عندما تتوجه كجمعية للحصول على صفة المنفعة العامة تحتاج إلى 10 أشهر على الأقل وبالتالي تحرم مجموعة من الجمعيات من هذا الحق». يقترح نفس المتحدث اعتماد «مسطرة مبسطة يمكن التصويت عليها داخل البرلمان حتى نتخلص من هاجس «الجمعيات المشاغبة» و«الجمعيات المهادنة» و«الاعتبارات السياسية». في هذا الإطار يتقاطع المتحدث الأخير مع عبد الإله بنعبد السلام، الذي يطالب «بإنصاف بعض الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان في شموليتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمدنية بمنحها صفة المنفعة العامة»، مضيفا: «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تأسست سنة 1979 ولم تحصل على صفة المنفعة العامة إلا سنة 1998، وهذا يبين لنا أن الدولة كانت تسعى إلى حرمان جمعيات من صفة المنفعة العامة رغم مردوديتها وعملها الكبير في حين تمنحها لجمعيات أخرى مع ولادتها».