بيتربيرغن، الصحفي في قناة «سي.إن.إن», متخصص في قضايا الأمن القومي، كان أول من استجوب أسامة بن لادن سنة 1997، يحكي في كتاب «مطاردة رجل»: من 11 شتنبر إلى أبوت أباد»مراحل متابعة آثار بن لادن بعد تفجيرات 11 شتنبر 2001. والتي انتهت يوم 2 ماي 2011 بالهجوم على مخبأ في أبوت أباد ومقتل زعيم القاعدة. كتاب جاء كرواية بوليسية. ننقل منه بعض المقاطع التي تحكي كيف اتخذ باراك أوباما قرار شن العملية النهائية... يوم الخميس 28 أبريل، عرض مايك ليتر، المدير الوطني لمكافحة الإرهاب العناصر الإخبارية التي جمعها »الفريق الأحمر« (Red team) على أنظار الرئيس وفريقه الحربي. قال لهم بتلخيص شديد، »الفريق الأحمر لم يجد أو لم يصل إلى أية خلاصة غير مسبوقة بالمقارنة مع الفريق السابق«. بالنسبة للذين كانوا يؤيدون الهجوم أمثال نائبي كاتب الدولة في الدفاع مشيل فلورنوا ومايك فيكرز. لم تغير المعلومات التي اكتشفها الفريق الأحمر، وجهة نظرهم. يقول فيكرز «»قبل هذا التقرير مختلف المتدخلين كانوا يقدرون ما بين 60% و80% فرص تواجد بن لادن في إقامة أبوت أباد، وهكذا كان إثنان من الفريق الأحمر ايجابيان بنسبة 60% وآخر يعتقد أن هذه الحظوظ لا تتعدى 40% مع التأكيد على أن هذه النسبة تعبر عن فرضية تبقى مع ذلك أفضل من فرضيات السناريوهات البديلة المطروحة للدراسة«. وجه ليتر كلامه للرئيس أوباما قائلا: حتى إن وضعتم أنفسكم في هامش 40%، فإن ذلك يعطينا نسبة 38% من الحظوظ أفضل مما كنا نتوفر عليه خلال العشر سنوات الأخيرة«« ورغم ذلك فإن نسبة 40% من الحظوظ كانت بمثابة فشل. ويتذكر جون برينان أحد مساعدي الرئيس لشؤون الأمن الداخلي «»كنا نعتقد أن هناك أملا أكبر في أن يكون بالفعل موجودا هناك. وفهم الرئيس جيدا أن البعض قد يظهر بعض الفتور«« وحسب مساعد الرئيس، بن رودس« «»داخل القاعة، كان الإحباط. عندما تقترب من الحسم تأمل أن تزداد قناعاتك المؤكدة وهنا، كانت تتراجع. على العموم هذا الرقم غذى المخاوف مما قد يتحول إلى فشل. هل ذلك يساوي إمكانية ركوب مثل هذا الخطر «؟». طوني بلييكن مدير مكافحة الإرهاب يشاطر هذا التفكير قائلا: «»الفريق الأحمر مس قناعاتنا، قبل تدخله كانت نسبة التحديد الإيجابي للهدف مرتفعة. وبعد ذلك نزلنا من نسبة 30-70 في المائة إلى حوالي 50-50«. بالنسبة لمدير المخابرات الوطنية جيمس كلابر ««لا يهم إن كانت درجة الثقة 80% أو 40%. كلما اشتغلنا على القضية عن قرب، كلما كان المحللون المتواجدون في الخط الأمامي، أي الذين سيكلفون بالعمل في الميدان، أكثر ثقة. وكلما ابتعدنا عن القضية، كلما تراجعت هذه الثقة. بطبيعة الحال السيناريو المثالي هو أن يكون لك شخص داخل الإقامة - خادمة أو طباخة نكون قد نجحنا في تجنيدها. شخص يمكن أن يقول لنا: نعم، إنه هو إنه موجود هنا، لكن لم نكن نتوفر على هذا المعطى. هذا كل ما في الأمر«« بالنسبة للذين كانوا يعارضون هذا الهجوم، كان تحليل الفريق الأحمر يعزز شكوكهم. يعترف روبير غيتس كاتب الدولة في الدفاع قائلا «»عمل هذا الفريق كان يبدو لي مقنعا» بعبارة أخرى «ربما بن لادن لم يكن يعيش هناك، أخذ ليون بانيتا مدير وكالة المخابرات المركزية موقفا واضحا «»نتوفر هنا على أفضل شبكة أدلة منذ تورا بورا، وهو ما يلزمنا بالتحرك، أعتقد أننا نتوفر على أفضل المعلومات الممكنة. حان الوقت لاتخاد قرار، ليس لمعرفة ما إذا كان علينا أن نتدخل أم لا، ولكن حول طبيعة هذا التدخل، نتوفر على ما يكفي من المعلومات لكي ينتظر منا الشعب الأمريكي أن ننتقل إلى الفعل» في ختام هذه المناقشة الطويلة، أوباما لخص المشكل قائلا: «طيب، أيها الرجال، عموما هنا حظوظ بنسبة 50% أن يكون هناك». ليتر كان مكلفا أيضا بمهمة قياس نوع رد الفعل الذي قد يخلقه هجوم على أبوت أباد داخل الولاياتالمتحدة وفي الخارج. على المستوى الدولي، يقول أمام محاوريه، الأسوأ سيكون هو شن هجوم على سفارة الولاياتالمتحدة في باكستان من طرف متظاهرين مثلما وقع سنة 1979 عندما اجتاحت الحشود الغاضبة مبنى السفارة في اسلام اباد وهو احد اهم المباني في العالم، واحرقته، ليتر وفريقه انكبوا كذلك على دراسة، وتحليل التهديدات المحتملة الصادرة عن إرهابيين محليين الذين قد يحاولون مهاجمة منشآت عسكرية امريكية او مباني حكومية، عندما سيعلمون بخبر وفاة بن لادن. اوباما اعطى الفرصة لكل واحد من الحاضرين للتعبير عن رأيه.و عند نهاية الاجتماع، وبأسلوبه الممنهج. أعطى لكل واحد الكلمة وساءل جميع المشاركين في الاجتماع» ماهو موقفك ؟» محاوروه وكلهم من كبار المسؤولين استعملوا جميعهم تقريبا الصيغة التالية في بداية جوابهم» السيد الرئيس إنه قرار صعب جدا» وهو ما أثار الضحكات داخل قاعة العمليات، وهي اللحظة الوحيدة للاسترخاء التي تخللت هذا الاجتاع المكثف الذي استغرق ساعتين. نائب الرئيس جوبايدن الذي انتخب أول مرة في مجلس الشيوخ بينما لم يكن عمر اوباما يتجاوز 11 سنة والذي سبق ان كان رئيسا للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ كان يغشى انعكاسات الهجوم على المستوى المحلي واوصى قائلا» لابد لنا من تأكيدات بأن بن لادن هناك ومخاطر إلحاق الضرر بعلاقاتنا مع باكستان مهمة إلى درجة انه يتوجب علينا ان نعرف اكثر قبل التحرك. نحن ملزمون بتقديم جواب مباشر للرئيس. ولذلك السيد الرئيس نصيحتي هي كالتالي: لا تذهبوا إلى هناك«« اما روبيرغيتس فقد ظل مترددا» »خيار الهجوم ينطوي على مستوى من الخطر يقلقني, سأكون مرتاحا اكثر مع خيار من نوع ضربة جراحية» وكما كان الامر في عدة مرات خلال اجتماعات سابقة مع اوباما، اثار مجددا الاحداث المرتبطة بعمليات سابقة مع اوباما، اثار مجددا الاحداث المرتبطة بعمليات ايغل كلاو (محاولة تحرير الرهائن الامريكية المحتجزين في ايران سنة 1985) وعملية بلاك هاوك داون (العملية الامريكية في الصومال سنة 1993) وذكر كاتب الدولة في الدفاع انه كان متواجدا بالبيت الابيض ليلة فشل عملية ايغل كلاو. غيتس وبايدن اكدا أن شن هجوم على ابوت اباد سيؤدي لامحالة الى قطع دائم للعلاقات بين الولاياتالمتحدةوباكستان وسيعني نهاية ممرين بري وجوي عبر التراب الباكستاني، وهما ممران حيويان لتموين وامداد 100ألف جندي امريكي عاملين في افغانستان، وهذا سيعني ايضا نهاية الترخيص الممنوح من طرف الباكستانيين وان كان على مضض، باستعمال ترابهم لشن هجمات بالطائرات دون طيار، وهي الهجمات التي اظهرت فعالية كبيرة ضد زعماء القاعدة في المناطق القبلية لباكستان, بايدين وغيتس كانا اثنين مع ثالث من كبار المسؤولين في الادارة الامريكية الذين عبروا عن معارضتهم للهجوم. لم يسبق للاميرال مايك مولن اهم مستشار عسكري للرئيس، ورئيس اركان الجيوش المشتركة ان أعد تقديما للرئيس الامريكي بمثل هذه الدقة مستعملا عشرات الصور المصحوبة بمعلومات وعرض على الرئيس آخر تصور لسير الهجوم, وأشار له انه حضر تمرينا شبه حقيقي وأكد له أن العملية «في متناول وقدرات فريق بيل ماكرافن» هذا الدفاع المستميت من جانب الاميرال لفائدة الهجوم لم يكن من طباعه. لأنه بخصوص قضايا الامن القومي الاكثر أهمية عادة ما كان هو وغيتس على وجهة نظر متطابقة. لكن هذه المرة كان كاتب الدولة في الدفاع ورئيس الاركان المشتركة للجيش يدافعان عن خطين مختلفين. من جانبه كان الجنرال كارتورايت يفضل نشر دخيرة صغيرة تطلقها طائرات بدون طيار. وكانت اصغر قنبلة يستعملها عادة سلاح الجو الامريكي تزن 250 كلغ وبالمقارنة كان الجنرال يدافع عن نوع من الاسلحة ذات عيارات محدودة وتسمى الدخيرة التاكتيكية الصغيرة. وشركة رايتيون كانت تتوفر على قنبلة من هذا النوع تزن 6,5 كلغ وطولها 60 سنتمترا، تطلق وتقاد بنظام جي بي. اس لكن هذه القنبلة الصغيرة تثير بعض المشاكل. لم يسبق إطلاق مثل هذا السلاح في وضعية قتال. وماذا لو لم تنفجر؟ وماذا لو اخطأت هدفها. وماذا لو لم تصل إلى الهدف المحدد وقتلت شخصا آخر.؟ كل واحد من هذه السيناريوهات كان يؤدي الى إعادة التذكير بالهجمات بصواريخ التي أمر بها الرئيس بيل كلينتون في غشت 1998 للقضاء على بن لادن بعد الهجمات ضد السفارتين الأمريكيتين في افريقيا. هذه الصواريخ أخطأت الهدف وساهمت بذلك في تحويل زعيم القاعدة إلى شخص عالمي مشهور. هيلاري كلينتون قدمت فيما بعد عرضاً مطولا استعرضت فيه المكاسب والأضرار السياسية والقانونية لخيار الهجوم. وظلت في نوع من الغموض إلى أن حددت رأيها: »النتيجة غير متوقعة ولكن سأقول: لنذهب، لننفذ هذا الهجوم«. واليوم تتحدث هيلاري عن هذا الاجتماع كالتالي: »لو التزمت بعرض مطول، فلأن الرئيس يتخذ قراراته بعد تفكير رصين وتحليلي ويستمع إلى أكثر من تحليل بعيدا عن العاطفة أو التأثير» كنت أريد أن أعرض عليه بشكل منهجي الجوانب الإيجابية والسلبية لمختلف الخيارات، كما كنت أتصورها. وفي الختام، أقول له، إنه في تصوري حان الوقت لاتخاذ قرار كيفما كانت المخاطر«« وعندما جاء دور ليتر في الكلام، قال للرئيس» »السيد الرئيس في البداية، سأختار الانتظار وجمع معلومات أكثر، لكن الرجال في الميدان يقولون لي بأنهم لا يستطيعون جمع المزيد دون أن يبالغوا في المخاطرة» وحول هذه النقطة، لا أستطيع أن أشك في كلامهم«. وأبدى تأييده لاستعمال ذخيرة تطلقها طائرات بدون طيار، لأنه كان يعتبر أن المخاطر السياسية لمثل هذا الهجوم أخف بكثير من مخاطر القيام بهجوم. ليون بانيتا, مدير وكالة المخابرات المركزية عبر عن تأييده لتنفيذ الهجوم والانتقال إلى الفعل في أقرب وقت ممكن. »السيد الرئيس، بما أنني مارست ولاية انتخابية، كنت دائماً ألجأ إلى اختبار بسيط: لو كان الأمريكي المتوسط على علم بمناقشتنا، كيف سيكون رد فعله؟ في رأيي، إذا أخبرته بأننا نتوفر على أفضل المعلومات منذ تورا بورا، وأننا نتوفر على فرصة الوصول إلى أخطر إرهابي في العالم، الرجل الذي هاجمنا يوم 11 شتنبر. سيقول لنا: «عليكم أن تذهبوا». جون برينان أبرز مستشاري الرئيس في مجال مكافحة الإرهاب عبر بقوة عن تأييده للهجوم. وسبق أن أكد للرئيس، رأساً لرأس، أن مسؤولي وكالة المخابرات المركزية الذين اشتغلوا على المعلومات الواردة من أبوت أباد »كانوا يتابعون بن لادن منذ 15 سنة. كان ذلك مهمة حياتهم، وكانوا يحسون في أعماقهم أنه موجود في تلك الإقامة«. دنيس ماكدونوغ نائب مستشار الأمن القومي ورئيسه توم دونيلون كانا يساندان فكرة الهجوم. كما أن بين رودس ميشيل فلورنوا، وطوني بلينكن ومايك فيكرز وروبير كارديلو ونيك راسموسن، كلهم ساندوا هذا الخيار مثل مدير الاستخبارات الوطنية جيم كلابر الذي اعتبر أن «»هذا هو الخيار الذي ينطوي على أكثر المخاطر، ولكن برأيي, الأهم هو أن نتوفر على عيون وآذان وأدمغة في الميدان«« كان أوباما ينصت باهتمام لآراء مستشاريه لكنه احتفظ برأيه لنفسه. شارف الاجتماع على النهاية حوالي الساعة السابعة مساء، وأخذ الرئيس الكلمة» »لست مستعداً للحسم، الليل يساعد على الاستشارة، سأبلغكم أوامري غداً صباحاً«« أوباما كان يعلم أن عبء هذا القرار سيحمله على أكتافه طيلة حياته. كان يعتقد أن «»الأصعب، هو أن نرسل رجالا يواجهون الخطر. إذا ما حصل شيء، هل باستطاعتنا أن نخرجهم من هناك؟ إنهم يركبون مخاطر جسيمة« (...) ورغم هذه المخاطر، قرر أوباما استبعاد خيار الهجوم بطائرة دون طيار. »إذا ما دخلنا أراضي بلد له سيادة، سيكون من المهم امتلاك الدليل أن الأمر يتعلق فعلا ببن لادن، بدل أن نقتصر على إطلاق صاروخ على مجمع سكن»«. (...). كان كذلك يعي جيداً حجم الرهانات الجيو سياسية، ولا يمكنه أن يمتنع عن طرح السؤال: وماذا لو أن هذا المتجول الغامض كان أميراً من دبي يريد أن يظل متستراً؟ (...) بعض قرارات أوباما، ولو أنه يفكر فيها بإمعان، لا تعدو أن تكون ضربات حظ. وأمام الرهان، كان مستعداً لعدم أخذ آراء نائبه وكاتبه في الدفاع بعين الاعتبار، والمغامرة مرة أخرى بكل ثقله «»حتى وإن كنت أعتقد أن هناك 50% من الحظوظ بأن أسامة بن لادن فعلا هناك، كنت أعتقد أن الأمر يستحق (...) والأمر كان فعلا يستحق، لأننا قدمنا الكثير من الدماء وخصصنا الكثير من المال لمحاربة القاعدة منذ 2001، بل وحتى قبل ذلك، من خلال تفجير سفارتنا في كينيا. وبالتالي، في قرارة نفسي، كنت أستحضر في ذهني كل هؤلاء الرجال الشباب الذين زرتهم، والذين مازالوا يقاتلون في أفغانستان، وعائلات ضحايا الإرهاب الذين التقيتهم، قلت في نفسي، إنه إذا كانت لدينا فرصة ليس فقط لهزم، بل لإضعاف القدرات القتالية للقاعدة، فإنها تستحق كل تلك المخاطر السياسية والمخاطر التي سيواجهها رجالنا«« يوم الجمعة 29 أبريل في الساعة الثامنة و 20 دقيقة في قاعة الاستقبال الدبلوماسية بالبيت الأبيض، جمع الرئيس مستشاريه وقال: »هل من جديد؟ هل غيرتم رأيكم بخصوص هذا الهجوم؟« رد عليه المستشارون بأن ذلك أفضل شيء يمكن القيام به، ونصحوه بإلحاح بالسير قدماً. رد عليهم قائلا: »فكرت، سنذهب. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنعنا من ذلك، سيكون هو إذا اعتبر بيل ماكراًفن ورجاله أن حالة الجو والظروف أو الميدان تزيد من المخاطر بالنسبة لقواتنا«« وأعطى تعليماته لدونيلان بنقل الأوامر التي ستؤدي إلى تنفيذ العملية. هذا الأخير اعتبر أنه »اشتغلت لفترة طويلة في واشنطن، وأوباما هو ثالث رئيس اشتغل تحت إمرته. وأجد دائماً أن هذه اللحظات مؤثرة، عندما نطلب من شخص واحد، رئيس الجهاز التنفيذي، أن يتخذ لوحده هذا النوع من القرارات بمثل هذه الصعوبة، وباسم 300 مليون أمريكي». بتصرف عن «لوموند»