بالرغم من كونها أقلية داخل المعارضة المسلحة المنقسمة، فإن التيارات الاسلامية السنية تحاول استغلال تشدد الصراع من أجل تحقيق مكاسب، والوقت يلعب لصالحها... «هل ستنتهي معركتكم مع سقوط بشار الأسد؟» سؤال طرح على ثلاثة مقاتلين متوجهين إلى الجبهة. «»نعم«, يرد خالد وأمين وهما سوريان. أما معاوية وهو أردني فيؤكد: »بالتأكيد لا! مازال هناك أنظمة كافرة حولنا... والمحطة المقبلة هي وطني (الأردن) ستليها لبنان ثم العربية السعودية والكويت وقطر.. عندما ستسود الشريعة في كل مكان، لن نكون بحاجة لحدود..« ينطلق الثلاثة على متن شاحنة. لكن السوريين يلتحقان بكتيبة تابعة للجيش السوري الحر، بينما يلتحق رفيقهم الأردني بلواء الأمة، الكتيبة الاسلامية التي يرأسها الليبي مهدي الحراتي بطل تحرير طرابلس في صيف 2011. وإذا كانت الشبكات الجهادية تبقى هامشة على الرقعة الثورية في بلاد الشام، فإن نفوذها يتزايد، وأصبحت تدفع بعناصرها إلى العلن يوما بعد آخر. سيكون من غير الواقعي تضخيم حجم الظاهرة، لكن سيكون كذلك من العبث إنكار حجم تواجدها. وكلما استمر التقتيل الذي بدأ منذ 17 شهراً، كلما اتسع نفوذ أنصار »الحرب المقدسة« الذين تقدر المخابرات الغربية عددهم بحوالي ألف رجل، لاسيما وأن ضراوة المعارك وحجم التقتيل والإحباط الذي يحسه المقاتلون من كون »الإخوة« العرب وكذلك »الأصدقاء« الأمريكيون والأوربيون خانوهم أو تخلوا عنهم، كلها عوامل تصب في خانتهم. أبو صديق، وهو أحد قادة كتيبة حمزة ابن عبد المطلب، العاملة في حلب، يقول بغضب قل لي لماذا ضربت فرنسا في ليبيا ولا تقوم بأي شيء هنا؟ هل هناك مخطط لتدمير سوريا؟ هل هي مؤامرة؟ نحن لا نقاتل فقط ضد بشار، بل أيضاً ضد إيران وروسيا والعالم أجمع. على الأرض ومع توالي الأسابيع والأشهر، بدأت طبيعة الصراع تتغير، الصراع قائم بين استبداد طائفي وشعب متعطش لكسر أغلاله. يقول الشيخ أبو صديق »الصراع قائم بين المسلمين السنة في مواجهة جميع الكفار وعلى رأسهم العلويون« (نسبة إلى الطائفة العلوية الشيعية التي تستحوذ نخبها وعلى رأسها عائلة الأسد على دواليب السلطة منذ أكثر من 40 سنة). وصول الجهاديين المدربين عبر سهولة اجتياز الحدود التركية والعراقية، يغذي فلول المعارضين من خلال عمليات انتحارية نوعية مثل العملية الانتحارية المزدوجة بالسيارات المفخخة، التي نفذت في دمشق في ماي (55 قتيلا) عمليات بالمتفجرات، اغتيالات وتصفيات جسدية واختطافات محددة... ونظراً لأعدادهم القليلة، فإن قدماء الجهاد القادمين من آفاق مختلفة يفضلون العمليات المثيرة والنوعية أكثر من مواجهة مدفعية النظام القاتلة. يقول أحد ضباط الجيش السوري الحر »»لا أحب لا أسلوبهم ولا تطرفهم«، ولكن في الوضع الذي وصلنا إليه، كيف يمكن السكوت على الأمر؟«« والملاحظ أن الآلة الدعائية لنظام الأسد التي تقدم كل معارض على أنه مجرم تابع للقاعدة، واستغلت مناوراتها السابقة مثل عملية تحرير مجموعة من السلفيين، ويعتقد أن آلة النظام وجهت بروز »جبهة النصرة« وهي من الفصائل الجهادية القليلة التي تعلن انتماءها إلى تنظيم القاعدة، كما أن بعض المعلومات تشير إلى تجدد نشاط بعض المتطوعين السوريين الذين حاربوا، بمباركة السلطات السورية، في العراق ضد الاحتلال الأمريكي. العقيد مصطفى عبد الوهاب المنشق ينفي بشكل قاطع وجود »مجاهدين أجانب في سوريا«. لكن قائد إحدى كتائب الجيش السوري الحر يقسم أنه لم ير منهم سوى أعداداً قليلة منهم (حوالي 15 فردا) السنة الماضية في ضواحي حلب. من جانبه، يؤكد أبو محمد، قائد الكتيبة التي استولت يوم 20 يوليوز الماضي على المركز الجمركي باب الهوا على الحدود السورية التركية، أنه »لا يوجد في صفوف كتيبة سوى السوريون وربما من حين لآخر أحد الزوار الأجانب... قبل ذلك، كان بعض المراسلين الصحفيين قد التقوا بأحد مساعديه ومعهم العديد من المقاتلين العرب. وبعد ذلك التقى عدد من الصحفيين في نفس المكان ثلاثة مصريين... ومن الواضح أن قادة الجيش السوري الحر يكذبون. أبو سعيد العمري مؤسس «خليق الحق» يعترف أن بعض أبناء المنفيين الذين ولدوا في الخليج أو في فرنسا يوجدون ضمن مقاتليه وكلهم «»مواطنون سوريون»,« لكنهم لم تطأ أقدامهم من قبل الأراضي السورية. لكن في مقر قيادته يحاور أحد مساعديه مع مجموعة من الرجال، ويؤكد شاهد قائلا »أنهم ليبيون، ولهجته تؤكد ذلك« وهنا عدة روايات وشهادات تتحدث عن وجود شيشانيين ولبنانيين وجزائريين وتونسيين أو باكستانيين. لكن تعدد المجموعات وتناسلها والغموض الذي يلف ولاءاتها يحجب الأهم: فالخط الفاصل ليس بين المحليين والأجانب, بل بين الثوريين والقوميين، السنيين المتدينين والمحافظين في أغلبهم وبين فرنسا الجهاد الشامل، ففي صفوف المسلحين يبدو الليبرالي العلماني عنصرا غريبا ونادرا. وبطبيعة الحال يتعين على الأقل أمام الأجنبي، تلطيف الخطاب و تمجيد الديمقراطية »بشرط أن تكون عادلة« والانتخابات »بشرط أن تكون نزيهة »ولو أن محاولة دحض« نظام خلقه الإنسان وليس الإله« يطفى في الكثير من الأحيان. ومفهوم «»الدولة الإسلامية«« يحظى بشبه إجماع ويفرض الجهاد نفسه كواجب مقدس والشريعة كمصدر أساسي للقانون والتشريع. وفي التصور والشعار يحتل احترام الأقليات المسيحية والدرزية مكانا مهما. وبخصوص الأشياء الأخرى »عندما سيحل الموعد، سيتم الحكم على كل واحد على ضوء جرائمه وليس ديانته. كما يؤكد حاكم مركز باب الهوا. ولكن إذا استمر العلويون في عنادهم ومساندتهم للطاغية، سينالون ما يستحقون» وفي أحسن الأحوال يمكن للأبرياء منهم أن «يأملوا »العودة إلى جبالهم»» وفي سجل التهديدات لا أحد ينافس إيران الشيعية, العراب القوي لنظام الأسد, فهم «»أخطر من اسرائيل»« يقول أبو صديق,» »فالصهاينة لا يساعدون بشار على قتل إخواننا«« وكما تؤكد ذلك الأسماء التي تعطى للكتائب، فإنها تحيل كلها على القرآن. البطل؟ النبي ولا أحد غيره. والنموذج؟ الشيخ الليبي عمر المختار، إيقونة الكفاح ضد المستعمر الإيطالي, النصر؟ معركة بدر سنة 624، عندما حقق محمد واتباعه نصرا كبيرا على من أجبروهم على الهجرة وهم أقلية. الجرح، سحق تمرد حماة سنة 1982، عندما انتفض الإخوان المسلمون، وقاد حافظ الأسد المجزرة. »قد تمت إبادتهم، يقول قائد الكتيبة، لكن ذكراهم ماتزال تعيش بيننا، أنها ذكرى تعود إلى الواجهة. فنحن أبناء واحفاد هؤلاء الشهداء«. في محافظات الشمال، يثير الجيش السوري الحر حذرا شديدا من جانب الإسلاميين المحليين الذين عملوا في صفوفه.. ينتقدون غياب الإنسجام في صفوفه وصراعات قياداته المتواجدة في تركيا »فهم لا يتساوون أكثر من الأسد، فهم يعيشون بحبوحة في فنادق اسطمبول بينما قناصة وطائرات بشار الأسد تحصد رجالنا في حي صلاح الدين بحلب ولا تعولوا عليهم لتزويدكم بأدنى رصاصة، فهو يبحثون أولا على الظهور على شاشة الجزيرة« «انتقاد يتقاسمه الكثير من مقاتلي الجيش السوري الحر. ومع ذلك على الساحة يقود هؤلاء وأولئك عمليات مشتركة ولو بتنسيق بسيط كما حدث يوم 14 غشت خلال عملية تدبير دبابات الجيش النظامي التي حاولت استعادة مركز باب الهوا. التحالف المبني بين الجانبين ولو بشكل هش ضد العدو المشترك »هل سيصمد عندما يسقط النظام؟. يعترف أحد السلفيين »بخصوص ما بعد الأسد، اتجاهاتنا مختلفة, «»الأمر لم يحسم بعد، يعترف أحد قادة الجيش السوري الحر، ربما ستقع اصطدامات«« حديث يثير مواقف متناقضة, لكن العديد من أطر الثورة يتمنون أن ينخرط الجهاديون في الصفوف »ويضعون الأسلحة أو يندمجون في الجيش الجديد... وعندما تأتي لحظة صناديق الاقتراع سنقيس حجم نفوذهم. لكن الجهاديين يرون أن النهاية ليست غدا، ربما بعد سنة على الأقل. هل هو تخوف أم أمل، هم يعرفون أن الوقت يلعب لصالح قضيتهم.