«بابا عمرو، إنه دولة داخل الدولة»، الرجل الذي يتحدث (ب) هو جندي، رشيق القوام بوجه رقيق وعينين لامعتين، سواء بإيمانه أو بصيامه الذي يلتزم به منذ أن التحق بالجيش السوري الحر في دجنبر 2011، هو ليس جندياً هارباً من الخدمة مثل أغلب رفاقه، بل هو مدني من حلب صدم بالجرائم التي يرتكبها النظام وقرر حمل السلاح، تأكيده أعلنه سابقا عن تاريخ 4 فبراير، اليوم الذي بدأ فيه »جيش الأسد« (كما يسميه المعارضون) قصفه المكثف للحي مخلفاً مئات القتلى، وحتى ذلك الوقت كان حي بابا عمرو يعتبر «حياً محرراً». إنه من نوع الأحياء الشعبية على طرف المدينة الذي لا تطأه أقدام البورجوازيين في الأوقات العادية، حي مكون من بنايات إسمنتية من 4 و 5 طوابق، مغلفة في بعض الأحيان بأحجار مصقولة وغير مكتملة في غالب الأحيان، ملتصقة بعضها ببعض على طول أزقة ضيقة تمر منها سيارتان بصعوبة، يسكنها عمال ونساء محجبات. في أطراف الأزقة يعرض الباعة المتجولون أطباق الفول. الأطفال يضعون على الرأس قبعات باللون الأسود والأبيض والأخضر صنعتها أيادي أمهاتهم، أو باللون الأزرق والبرتقالي، ألوان الثورة أو ألوان فريق المدينة، "نادي الكرامة" أمام مسجد الجيلاني، تتكدس محامل النعوش الفارغة جاهزة للاستعمال، وراءها قبور محفورة جاهزة لاستقبال الموتى... الجو بارد، والسماء ملبدة بالغيوم غارقة في ضباب تتكشف أمامه واجهات العمارات والمآذن. وتخترقه أصوات طلقات النار وانفجارات القذائف ونداءات آذان الصلاة. الجيش السوري الحر يتحكم في مساحة الحي. هنا، نحن أمام خط جبهة حقيقي يتخلل بنايات مدمرة تحمل آثار الرصاص المتفجر والقذائف، غارقة في الوحل وبقايا أثاث وأسرة محطمة وتلفزات محروقة، إلى الغرب أمام البساتين وفي الملعب. منذ أسبوع، نرافق وحدة أنا والمصور، وحدة من الجيش السوري الحر في حي حكورة، حيث غادر جميع المدنيين باستثناء اثنين أو ثلاثة، الأزقة التي تطل على المنطقة العازلة محمية بأكياس الرمال ومتاريس عادية في مواجهة الدبابات. الثوار أحدثوا ثقوبا في جدران البنايات والحدائق حتى يتمكنوا من التحرك بسهولة. ومركز قيادة حسن، قائد الوحدة يطل على زقاق عريض نسبيا، وفي الغالب نتناول الشاي على الرصيف جماعة مجتمعين حول موقف نار، رغم مخاطر سقوط قذيفة. ذات صباح استيقظنا على وقع سقوط قذائف بوثيرة أكبر من المعتاد. جنود يتحركون في المبنى، يوقظون من لازال نائما، يجرون الرشاشات وأحزمة الدخيرة والقذائف من الغرفة التي تستعمل كمخزن للسلاح. تبعناهم جريا نحو مركز القيادة, ثم نحو زقاق محاط بعمارات, حيث صعدنا إلى أحد الطوابق، في غرفة مدمرة يطلق مقاتل وابلا من الطلقات عبر ثقب احدثته قذيفة, مقاتل آخر في غرفة مجاورة يطلق وابلا من الطلقات، رائحة النار تملأ المكان. يسرع المقاتلون، بدأ قناص يطلق النار علي من بناية قيد البناء في الجهة المقابلة مخلفا أربعة جرحى، رد مقاتلو الجيش السوري الحر في محاولة لطرد القناص، دام تبادل النار حوالي 4 ساعات كنا ننتقل خلالها من بناية إلى أخرى لملاحظة ما يجري. مواقع الجيش النظامي ليست بعيدة (حوالي 200 إلى 400 متر) نرى بوضوح أكياس الرمل، عندما كنا على السطح نسمع الرصاص يلعلع أو يخترق الجدران. بين وقت وآخر يسمع انفجار قذيفة، الجيش السوري الحر لا يحاول أخد مواقع العدو، بل يحاول فقط إجبار القناصة على الإنسحاب ووقف استهداف المدنيين. حي بابا عمرو، لم يحرر دفعة واحدة. في نونبر الماضي، كان هناك حاجز مراقبة لقوات الأمن عند تقاطع طرقي محوري، وكان قناصته يطلقون النار في كل الأزقة المحيطة، مقسمين عمليا الحي الى أجزاء، يقول أحد مساعدي قائد الوحدة "نجحنا في محاصرتهم، قطعنا عنهم المؤن، تم عندما حضر مراقبو الجامعة العربية (بداية يناير)، استعملناهم من أجل التفاوض حول انسحابهم دون إراقة دماء. مازال هناك حاجز أمني في آخر الشارع ولكنه ليس حصينا بما يكفي ولا يطلق أفراده النار على المدنيين خوفا من ردنا«. بالنسبة لمقاهي الجيش السوري الحر، حماية المدنيين هي جوهر مهمتهم، مبدئيا الجيش كان يجب أن يظل محايدا, يؤكد العقيد عبد الرزاق أطلس, أحد قادة كتيبة الفاروق، الذي يفخر بكونه أول ضابط سوري يعلن انفصاله عن الجيش في يونيه 2011 «الجيش موجود لحماية الشعب والوطن، لكنه يفعل العكس». (ب) المتطوع من حلب والذي ينشد في المساء على رفاقه روائع من الشعر العربي، يقول »نحن نقاتل من أجل ديننا، من أجل نسائنا، من أجل أرضنا وأخيرا من أجل حماية أنفسنا، أما هم فإنهم يقاتلون من أجل انقاذ حياتهم فقط«. تقريبا جميع مقاتلي الجيش السوري الحر أجبروا قبل انفصالهم عن الجيش على المشاركة في عمليات قمع وقليلون منهم مستعدون للاعتراف بعمليات قتل في حق المدنيين, الجميع يقول بأنه أطلق النار في الهواء«، لكن امتعاضهم مما اجبروا على فعله وإحساسهم بالذنب واضح من خلال إلحاح كل واحد منهم على إظهار بطاقة انتمائه للجيش، شهادة جندي سابق التقيناه بعد أيام في وسط المدينة تسري على الجميع «جلبونا إلى الشوارع من أجل مواجهة عصابات مسلحة, لم رأ عصابة مسلحة قال لنا الضباط: الدخيرة لا قيمة لها، اطلقوا النار ما استطعتم». المنشقون يتحدثون عن جيش نظامي يعيش حالة تفكك في العديد من المناسبات, يتلقى ضباط الجيش السوري الحر معلومات مفصلة ودقيقة من ضباط مازالوا في الخدمة, يتلقون كذلك المال أو الأسلحة والدخيرة، يشرح العقيد اطلس كيف حاول في ماي رفقة ضباط آخرين تمرد كتيبتين وفيلق "»كلهم كانوا مستعدين، لكن آخرين لم يكونوا على استعداد للذهاب حتى النهاية مخافة التعرض لقصف الطيران"«، وهنا يكمن مغزى منطقة حظر جوي الذي يتردد في كل مظاهرة - وهو طلب يفاجئ الغرب، لأنه خلافا للقذافي، بشار الأسد لم يستعمل بعد طائراته ضد المدنيين- ويؤكد العقيد أطلس »إذا ما حصلنا على منطقة حظر الطيران فإن نصف الجيش سيتمرد وسيكون النظام قد انتهى«. أبو عمار يضيف "»إنه جيش من اللصوص، كل من يستطيع الأداء لا يدخل الجيش، الفقراء وحدهم يلتحقون بالجيش, إنه جيش فاشل لا يشتغل, لا يعمل سوى من أجل نفوذ العلويين "هذه الفئة المنشقة عن الشيعة هي التي تنحدر منها قبيلة الأسد وأغلب قادة قوات الأمن، هناك القليل من العلويين ضمن الجيش السوري الحر، ولكن هناك البعض منهم، التقينا واحدا منهم، فاضل, في أحد حواجز حي بابا عمرو، يؤكد قائلا" » عندما رأيت الجيش يطلق النار على المدنيين قلت في نفسي أن لست معهم أنا مع الشعب«" لم أفكر أنا علوي إذن أنا مع العلويين« لا، إذا كانوا يقدمون بأفعال الشر, أحاول أفعل الخير"« ومع ذلك فأغلبية مقاتلي الجيش السوري الحر سنيون, وذلك واضح من رموزهم وأسماء كتائبهم (خالد بن الوليد، و قوافل الشهداء وهو ما ينتقده كثيرون بقوة »لماذا يختارون مثل هذه الأسماء؟ يتساءل (م) وهو سني كذلك، ناشط، لاجىء في بيروت »"هي ثورتنا وليست ثورة النبي, لنا شهداؤنا، بإمكانهم أخذ أسمائهم«" في نهاية »أسننة« (نسبة الى السنَّة) هذه الثورة, هناك إغراء الجهاد، وبدون شك، هذا أكبر خطر قد يتهدد الجيش السوري الحر، لأن ذلك سيصب في مصلحة بشار الأسد. لكن هذا التبرير لا يحبط ضباط الجيش السوري الحر. في حمص على الأقل، يوضح العقيد عبد الرزاق أطلس قائلا: »إذا استمر الأمر، سنتحول حقيقة مثل القاعدة. إذا ما تخلى العالم عنا لصالح دعم الأسد، سنكون مضطرين لإعلان الجهاد، لاستقدام مقاتلين من العالم الاسلامي وتدويل الصراع«، ويؤكد العقيد أطلس بأن هذه ليست نظرته الشخصية، وقد تدارست اللجنة العسكرية لحمص هذا الأمر وكلهم متفقون. وقد أكد ضباط آخرون هذا الأمر. ويجب الاعتراف بأن هذه الفكرة ليست نتيجة لتطرف ديني، ولكنها ثمرة حساب استراتيجي مهما كان سخيفاً. بالنسبة للعقيد أطلس، إعلان الجهاد قد يؤدي إلى فوضى، كما حصل في العراق، بل ربما يؤدي إلى حرب إقليمية، وهذا الخطر سيجبر الغرب على التدخل في النهاية. هذا الضابط السوري الشاب ربما لا يعرف جيداً العالم الخارجي ومنطقه وإكراهاته، ولكنه يعبر عن مشاعر الجماهير المنتفضة ضد النظام, »الشعب يريد تدخل الحلف الأطلسي«، لم يكن الأمر كذلك، قبل شهر، لكن اليأس ربما غير المعطيات. روبورتاج جوناتان ليتل عن «لوموند» بتصرف