بعد انتظارات طويلة وتطلعات كبيرة عبرت عنها قطاعات واسعة من المجتمع المدني وفاعليه الاجتماعيين والتنمويين، أصدرت وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية ما أسمته إستراتيجية القطب الاجتماعي، التي يبدو أنها اعتبرتها خطتها المعول عليها للنهوض بالتنمية الاجتماعية في حكومة الربيع العربي. توزعت الإستراتيجية على أربعة محاور استراتيجية وأربعة أخرى داعمة، حيث من هنا يأتي اسمها الإعلامي المراد إعطاؤها لها المتمثل في 4X4. إن التصفح الأولي للوثيقة المذكورة، تجعل الباحث الأكاديمي والمهتم بالمجال التنموي يتيه كلما تدرج في قراءتها، وذلك على جميع المستويات ذات الصلة سواء بالمنهجية وبالمفاهيم أم بالمرجعية والمضمون. يلاحظ على المستوى المنهجي أن الإستراتيجية المعلنة وقعت في مطبات كثيرة من التصور إلى الإعداد إلى الإعلان عنها، وهي مطبات كلها تضرب بعرض الحائط من الناحية المنهجية على الأقل، جميع المقاربات التشاركية والمندمجة والنسقية والترابية وغيرها، المقاربات التي تحولت إلى أركان أساسية للعمل الاجتماعي والتنموي منذ مدة ليست بالقصيرة، والتي حاولت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تبنيها والعمل بها. فالمؤكد أن بناء هذه الاستراتيجية لم يأت وفق أي حوار وطني ولا أية أوراش مغلقة أم مفتوحة معلن عنها، ولا أية دراسات أكاديمية لخبراء في التنمية الاجتماعية التشاركية مسبوقة بإعلانات لطلبات العروض، ولا غيرها. بل كل ما علمه هؤلاء الفاعلون هو مفاجأتهم بالإعلان الفوقي للإستراتجية الصادرة من غرفة عمليات الأستاذة بسيمة الحقاوي. وبهذا فإن هذا ا لاختلال المنهجي سوف تكون له عواقب وآثار سلبية على ما سيأتي من بعد، لأن المنهجية تشكل حجر الزاوية في أي عمل كان، ومن صحت منهجيته صح سائر عمله، ومن فسدت منهجيته فسد سائر عمله. هذا فيما يتعلق بمقاربات التأسيس، أما في ما يتعلق بمجال التطبيق، فالملاحظ أنه تم حصر نطاق العمل في العودة إلى تبني مفهوم القطب الاجتماعي، الذي سبق وأن تم تأسيسه وتوقيف العمل به لحظة الإعلان عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فهل تعتبر هذه العودة إعلانا عن فشل احتواء المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للقطب الاجتماعي، وبالتالي تكون المحاولة هنا إعادة إحيائه من جديد؟، أم أنها ستدخل الإستراتيجية ككل في نفق تنافسي سلبي مع مجال العمل بالمبادرة، وذلك في غياب أي توضيح يفرز نطاق عملها عن هذه الأخيرة؟. هذا، بالإضافة إلى ما يثيره هذا الاستئثار بمفهوم القطب الاجتماعي من طرف الاستراتيجية المذكورة، من مخاوف إقصائية لعدد من القطاعات وفاعليها الداخلة في صميم العمل الاجتماعي، والتي إما تفضل العمل خارج الاستراتيجة، أو أن هذه الأخيرة لن تقدر على تغطيتها. أما على المستوى التقني المنهجي، فالملاحظ أن الاستراتيجية افتقدت لبعض أبجديات التخطيط الاستراتيجي، كما أنها مشوبة باختلالات وبإعاقات علمية غير مقبولة. ويمكن في حالة التأكد من أن الوثيقة قد اقتصرت فقط على الهيكلة والمراحل التي تضمنتها، بأن منهجية التخطيط الاستراتيجي معتلة بكاملها وبالتالي فما أتت به من مخططات للعمل لن يأتي بنتائج مطابقة لواقع التشخيص. وذلك من خلال بسط الملاحظات التالية: - من خلال الوثيقة، يتضح أن خبراء هذه الوزارة، اقتصروا فقط على تحديد نقط القوة والضعف، واعتمادها لوحدها لاستخراج ما سموه بالمحاور الاستراتيجية، في حين أن التخطيط الاستراتيجي ينبني علميا على أربع آليات وليس اثنتين، بحيث يتم التشخيص على المستوى الداخلي الذي يشمل نقط القوة ونقط الضعف، وعلى المستوى الخارجي يتم تشخيص الفرص والتهديدات، حيث أن هذه الأخيرة هي التي يتم تحويلها إلى محاور إستراتيجية، مدعمة بتحويل القوة والضعف كإجراءات مصاحبة وهو ما يعرف بتحليل SWOT. وليس ما قام به هؤلاء الخبراء كما بدا لهم، أن حولوا المستوى الداخلي إلى محاور استراتيجية. - الملاحظ كذلك، أنه يبدو أن خبراء الوزارة لا يميزون بين نقطة القوة والاختصاص، ونسرد مثالا واحدا فقط هنا، وإلا فالأمثلة كثيرة، فنقطة القوة التي سموها ب «تنسيق السياسات العمومية في مجال المساواة بين الجنسين عن طريق خطط وتقارير وطنية والتعبئة الاجتماعية»، لا تعدو إلا أن تكون من صميم اختصاص هذه الوزارة، لأن تعريف القوة في التخطيط الاستراتيجي هو ذلك الأمر الذي تنفرد بالتوفر عليه داخل مجال التخصص دون الغير الذي يتقاسم نفس التخصص. هذا، بالإضافة إلى ما تثيره هذه الصياغة السابقة لنقطة القوة من تداخل بينها وبين الوسيلة، فتضمنها لعبارة «عن طريق خطط وتقارير وطنية والتعبئة الاجتماعية» يفيد الوسيلة، وكما هو معلوم بأن الوسيلة لا تدرج ضمن نقط القوة، وإنما تدرج ضمن مخطط العمل. إضافة إلى ما سبق، نرى أنه لا يمكن اعتبار «التوفر على شراكات مع الجمعيات» من نقط القوة، لأن ذلك من التحصيل الحاصل، ولا يمكن تصور وزارة تعمل في الحقل التنموي بمعزل عن باقي مكونات هذا الحقل، وبالتالي فإن العمل مع الجمعيات لا يعد امتيازا للوزارة، بل هو من اختصاصاتها الأولية، وبهذا، كان من الأجدر إضافة عناصر القوة في هذه الشراكات وليس الشراكات في حد ذاتها. - إن مخطط العمل بالاستراتيجية هذا، عرف كذلك اعتوارات عديدة تتمثل أساسا في غياب الاعتماد على ما ظلت وكالة التنمية الاجتماعية تلزم به حاملي المشاريع من جمعيات المجتمع المدني، المتمثل في الإطار المنطقي «Le cadre logique»، الذي يبدأ من استخراج المحاور الاستراتجية بعد إجراء التشخيص التشاركي، التي تتمخض عنها أهداف إستراتيجية، ثم أهداف خاصة التي تعطي بدورها نتائج منتظرة، التي تفضي بدورها إلى وسائل للعمل المبنية على أنشطة ملموسة وقابلة للقياس عن طريق المؤشرات المنجزة تشاركيا بدورها1، وبعد ذلك تتم ميزنة هذه الأنشطة لنحصل علميا على الميزانية العامة، الشيء الذي انعدم العمل به ضمن الاستراتيجية المذكورة، وهذا ما قد يثير حفيظة حاملي المشاريع فيما بعد، الذي ستطالبهم الوزارة باعتماد الإطار المنطقي لمشاريعهم بينما هي افتقدت هذا الإطار في بناء استراتيجيتها. خبير في التنمية المحلية التشاركية