لا زلت أتذكر بكل الحزن والألم ذلك اليوم الذي نعت فيه الأمة العربية والإسلامية أحد رموز النضال الوطني السياسي في فلسطينالمحتلة وفي عموم العالم بعد رحلة عمر حافلة بكل الآمال والآلام، الأمل في تحقيق حلم الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف وتحرير الإنسان الفلسطيني من براثين الاحتلال الصهيوني ، والألم الذي يعتصر كل عربي وكل إنسان حر لما يتعرض له هذا الشعب الأبي من ويلات على يد عصابات الاحتلال الإسرائيلي، لا أحد منا كان يظن أن تنتهي حياة " مانديلا العرب" بالشكل الذي انتهت إليه، أكيد أن الموت هو القدر المحتوم الذي لا مفر ولا هروب منه حتى ولو كنا في بروج مشيدة، من رام اللهالمحتلة بعد حصار دام لثلاث سنوات إلى عمان ثم منها إلى باريس، محطات ثلاث كانت فيها حياة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات محور تفاعلات متواترة انتهت بوفاة مفاجأة أجمع الكل على أنها لم تكن طبيعية لتنطلق معها التحليلات والقراءات والاتهامات لأطراف عديدة بأن عرفات مات مسموما لتطوى معها صفحة من صفحات النضال الوطني الفلسطيني باستشهاد زعيمه أبو عمار وتتحول إلى مجرد ذكرى سنوية تنتهي بزيارة لقبره ووضع ما تيسر من الورود ونثرها إلى جثمانه لتختفي معها فرضية الاغتيال بشكل كلي ،حزن وعزاء في كل بيت عربي وفلسطيني،فرح وابتهاج في الجانب الإسرائيلي والأكيد في كل هذا وذاك أن الرئيس الفلسطيني أصبح جزء من الماضي ومن التاريخ الفلسطيني المنسي ، فعرفات الذي ظل صامدا لعقود من الزمن وتعرض لكل أشكال النفي والحصار والانتقادات وتجاوز كل الضغوطات التي كانت تمارس عليه عربية كانت أم دولية في محاولة لتقديم المزيد من التنازلات كان لزاما التخلص منه وبأي شكل من الأشكال من دون أن تهتز صورة إسرائيل في نظر العالم وبخاصة الدول الداعمة لها فهو ليس الرنتيسي ولا الشيخ ياسين وغيرهما من عشرات الآلاف من شهداء الحق الفلسطيني اللذين يسهل استهدافهم وترخص دمائهم دون أن تتعالى أصوات الشجب والإدانة لهذا التصرف الهمجي البربري الذي يعتبره مناصرو الأطروحة الصهيونية حق مشرع في الدفاع عن امن ووجود دولة إسرائيل، فكان الاغتيال الذي لم يعد فرضية بالمرة وتحول إلى يقين قاطع، في إحدى المستشفيات الفرنسية في تمام الساعة الثالثة والنصف من صباح يوم 11 نوفمبر 2004 أسلم الروح إلى باريها بعد رحلة عمر حافلة من النضال الوطني وصراع مع عدو لا يحسن سوى لغة القتل والغدر . والآن وبعد كل هذه السنوات من هذا الاستهداف الوحشي الهمجي تتضح الصورة وينكشف المستور بعد صدور تقرير طبي قطع الشك باليقين توصل إلى أن الرئيس الفلسطيني تم اغتياله باستعمال مادة البولونيوم بعد أن اكتشف علماء سويسريون مستويات عالية من هذه المادة القاتلة على ملابسة ومقتنياته، التقرير الذي تبنته ونشرته قناة الجزيرة القطرية يأتي في ظرفية دقيقة وحساسة للغاية تمر منها القضية الفلسطينية التي أدخلت الثلاجة بتزامن مع الربيع العربي الذي عاشته بعض الأقطار العربية،ينظاف إليها الاتهامات التي وجهها فيما سبق رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحير وأمين سر حركة فتح فاروق القدومي إلى السلطة الفلسطينية . الآن وبعد كل هذه السيناريوهات التي أضحت اليوم حقيقة أثتبتها العلم الحديث تبقى المسؤولية كبيرة في التعاطي الايجابي مع هذا المعطى الجديد ومن الحيف أن نظلم عرفات حيا ونظلمه ميتا وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس تقع مسؤولية كبيرة في معرفة حقيقة مقتل أبو عمار ونفض الغبار عن هذه القضية التي دولت بشكل أثار استغراب واستياء العديد من المتتبعين والمهتمين بالشأن الفلسطيني فعملية الاغتيال جريمة بكل المقاييس تستدعي من الجميع وفي مقدمتهم أبناء الشعب الفلسطيني العمل على رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية وفي أروقة الأممالمتحدة بعيدا عن صيغة المجهول والدخول في دوامة البحث عن قاتل الرئيس ونحن نعرفه جيدا بل ونعايشه فإسرائيل هي المسؤولة عن عملية الاغتيال ولا مبرر لأحد مهما كان في تبرئتها أو نفي التهمة عنها . فحق عرفات علينا اليوم قيادات وشعوب عربية هو كشف المتورطين في عملية الاغتيال ولن نقبل بأقل منها لأنها ستكون مقدمة لفضح كل المتواطئين مع الكيان الصهيوني اللذين خانوا الشعب وباعوا القضية ويحاولون اليوم طمس الحقيقة. * عين بني مطهر