اختارت القناة الفرنسية «فرانس 24» أن تقلب الصورة المعتادة لمقاربة قضايا الهجرة على الأراضي الفرنسية، فقررت في إحدى ريبورتاجاتها السبت الماضي أن تفتح ملف الهجرة العكسية من الشمال إلى الجنوب متخذة من ثلاث فتيات، أودري، أورور، وشارلوت والشاب كيفين نموذجا لما أصبح يعيشه الشباب الفرنسي اليوم الذي أصبح هو الأخر يحلم بفردوس عربي، هو المغرب. فقد شكلت الأزمة الاقتصادية وتفاقم البطالة وغياب أية آفاق مستقبلية وكذا البحث عن أحسن السبل لتخفيض تكاليف الحياة اليومية سببا بالنسبة لعدد من الشباب الفرنسيين لاختيار وجهات لا تبعد مسافة عن فرنسا بأكثر من ثلاث ساعات، ومن بينها المغرب الذي اختاره شباب فرنسيون بالنظر للدينامكية الاقتصادية التي أصبح يعيش عليها منذ سنوات من أجل خوض تجربة التدريب الأول أو فرصة العمل الأولى بعد التخرج، هذه الفرصة التي أصبحت شبه مستحيلة بالنظر لما تعيشه المقاولة الفرنسية من مصاعب وتفاقم بطالة الشباب. وإذا كانت أسباب الهجرة من الجنوب إلى الشمال بحثا عن الفردوس الأوربي تختلف في شكلها عن كل هجرة شباب من أوربا نحو دول الجنوب، فإن هجرة الشباب الفرنسيين إلى المغرب التي تحول المغرب جنة بالنسبة إليهم الفرنسيين، وقبله كندا واستراليا، كما صورها الروبورتاج فلها في العمق الأسباب ذاتها. فبالنسبة لكل من أودري، أورور، كيفين وشارلوت، الذين اختاروا هذا البلد الفرنكوفوني، فاستقرارهم بالمغرب منحهم فرصة خلق مقاولتهم الصحفية الخاصة (أودري، أورور)، الحصول على فرصة عمل كمعاون بعد فرصة تدريب في التهيئة المجالية (كيفين) ثم الحصول على فرصة عمل ثانية في عالم الهندسة (شارلوت)، وأيضا اكتشاف المغرب هذا البلد الإسلامي والغني بتقاليده. يعيش بالمغرب أزيد من 55 ألف فرنسي يشتغلون في جميع القطاعات و يتمركزون في جل المدن المغربية، فرنسيون اختاروا المغرب لأسباب متعددة، منها الاستقرار بين ناسه لطيبوبتهم أو لجمال المغرب بل فقط رغبة في إنهاء ما تبقى من أيام العمر بين تحت شمس الحمراء وبين نخيلها كما يفضل عدد من المتقاعدين الفرنسيين، ومنهم من يريد فقط أن يجعل منه جسرا للانطلاق نجو أفاق أخرى. قليلون من تحكمت في استقرارهم الأزمة الاقتصادية أو البطالة بل كانوا دائما يحلون بالمغرب مستثمرين في قطاعات متعددة رواد ومسيرون وليسوا عمالا أو موظفين غير أن الأمر أصبح اليوم مختلفا. فقد أصبح بين المغاربة فرنسيون يكتشفون معنى الهجرة، ومعنى الإجراءات الإدارية من أجل تسوية الوضعية القانونية واستخراج بطاقة الإقامة، ومعنى الغربة والاغتراب ومعنى مغادرة البلد من أجل لقمة العيش، ومعاني أخرى كالتعايش لا ينتبهون إليها وهم يصادفون المهاجرين في بلدهم.