قبل سنتين بدأ المغرب يشهد هجرة عكسية يقوم بها عدد من الفرنسيين والإسبان نحو المغرب هربا من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب القارة العجوز منذ سنوات. المغاربة الذين احترفوا الهجرة إلى أوربا وأرجاء أخرى من العالم بدؤوا يلاحظون أن الأوربيين، وخاصة الإسبان، يهاجرون إليهم بحثا عن شغل أو تمضية ما تبقى من العمر في المغرب أو لأسباب أخرى يعجز المغاربة أحيانا عن فهمها. هذه الهجرة الجديدة أثارت اندهاش العديد من المغاربة. كما أعادت إلى الأذهان ماضي الهجرة إلى المغرب حين كان الفرنسيون والإسبان يهاجرون بكثافة نحو المغرب بحثا عن عمل وعن حياة مستقرة. هل تحول المغرب من مجرد بلد يصدر المهاجرين إلى بلد يستقبلهم؟ سؤال بدأ يفرض نفسه منذ سنوات قليلة. والسبب كما يرى الملاحظون تزايد أعداد المهاجرين الأفارقة المتحدرين من جنوب الصحراء، الذين بدؤوا يستقرون بالمغرب بعد أن كان بالنسبة إليهم بلد عبور فقط. هذا التحول يفسره أحد خبراء المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا بدخول المغرب منذ بداية سنة 2000 مرحلة جديدة في نموه نقلته من بلد يصدر الهجرة إلى بلد يستقبلها. مثل هذه الظاهرة عاشتها دول أخرى مثل أوربا الجنوبية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، يقول أخصائيون في مجال الهجرة. وتكشف الأرقام الرسمية المتوفرة ارتفاع أعداد المهاجرين الأجانب إلى المغرب في السنوات الأخيرة مقارنة بما كانت عليه في بداية السبعينيات. إذ بعد أن انخفضت نسبتهم بشكل جلي سنة 1973 بعد صدور قانون المغربة، الذي كان يفرض أن تكون نسبة 51 في المائة على الأقل من أي شركة في ملكية المغاربة، بدأت أعدادهم تنتعش تدريجيا في الثمانينيات والتسعينيات، فصار عددهم 000 50 أجنبي سنة 1994، قبل أن ينتقل العدد إلى 435 51 أجنبيا، حسب الإحصاء الوطني لسنة 2004. وإن أصبح هذا الرقم متجاوزا كثيرا حاليا بحكم أعداد المهاجرين الأفارقة المتدفقين على المغرب منذ سنة 2005، وأيضا استقرار جنسيات أخرى، مثل الصينيين والأتراك والكوريين، بالمغرب. إضافة إلى ارتفاع أعداد الأوربيين، خاصة منهم الفرنسيين، الذين بلغ عددهم 000 41 فرنسي سنة 2010، حسب أرقام سفارة فرنسا بالمغرب. نسبة منهم من المتقاعدين، الذين بدأ المغرب يستهويهم لتمضية ما تبقى من حياتهم فيه، بسبب استقراره السياسي واعتدال مناخه وتدني كلفة المعيشة فيه وقربه من أوروبا. هجرة عكسية اختيار المغرب كوجهة للهجرة تقوى أكثر بالنسبة إلى عدد من الأوربيين إثر الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تجتازها أوربا مند مدة. إذ شهدت السنتان الأخيرتان هجرة عكسية قام بها عدد من الفرنسيين والإسبان نحو المغرب هربا من الأزمة. صحيفة «إلموندو» ذكرت مؤخرا أن الإسبان صاروا يهاجرون إلى المغرب عكس ما كان يحدث في السابق، مشيرة إلى أن ما يحدث يعد «هجرة عكسية» سببها الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد. وأضافت الجريدة أن المغاربة هم من كانوا يهاجرون إلى الدول الأوربية، خاصة فرنساوإسبانيا.لكن عقب الأزمة حدث العكس. فيما ذكرت «إلباييس»، استنادا إلى أرقام المعهد الوطني للإحصاء بإسبانيا، أن قرابة 1113 إسبانيا استقروا بالمغرب بصفة نهائية خلال الفترة ما بين يناير وشتنبر 2011، بحثا عن مورد عيش بديل عن وظائفهم التي فقدوها بسبب إفلاس العديد من الشركات الإسبانية وارتفاع معدل البطالة إلى مستوى قياسي. هذه الأرقام علق عليها مصدر من الوكالة الوطنية للتشغيل والكفاءات قائلا إن «عدد العمال الإسبان المصرح بهم رسميا لا يتعدى 50 شخصا»، وهو ما يعني، حسب المصدر ذاته، أن «الأعداد الباقية تشتغل بشكل غير قانوني». أغلب هؤلاء المهاجرين الإسبان استقروا، حسب «رويترز»، في تطوان ومارتيل وطنجة وشفشاون والعرائش والقصر الكبير بسبب انتشار اللغة الإسبانية في مدن الشمال، وأيضا بسبب القرب الجغرافي من إسبانيا. فيما استقر آخرون، بلغ عددهم حوالي 2000 إسباني، بمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين خلال السنة الماضية، حسب مصادر إعلامية. أضافت أن العديد منهم يقطنون في تجمعات سكنية عشوائية وفي أحياء هامشية. ويشتغل المهاجرون الإسبان في قطاعات السياحة والخدمات والبناء، ويتقاضون أجورا ضعيفة أو متوسطة مقارنة بما كانوا يتقاضونه سابقا. لكنها تكفيهم للعيش في المدن الشمالية، تشير «رويترز»، مضيفة أن هؤلاء المهاجرين الإسبان يثيرون استغراب العديد من المغاربة بحكم أنهم لم يعتادوا على رؤية إسبانيين يهاجرون إلى المغرب بحثا عن رغيف خبز بعدما كان المغاربة هم من يفعل ذلك في الديار الإسبانية. الصبليوني بورقعة الدهشة المغربية ستتعمق أكثر بعد أن بدأت الصحف والمواقع الالكترونية تنشر بين الوقت والآخر أخبارا مرتبطة بهذه الهجرة العكسية، لم يعتد المغاربة على سماعها، مثل اعتقال السلطات المغربية إسبانيا حاول الهجرة سرا إلى المغرب، أو تهافت الإسبان على الأسواق والمتاجر المغربية بمدن الشمال من أجل التبضع، أو التجاء إسبانيين وأوربيين إلى مد أيديهم للمارة في شوارع العيون ومارتيل والدار البيضاء من أجل شراء سجائر أو طعام.بعضهم، يضيف أحد المواقع، كان يعلق لافتات كتب عليها بالإسبانية «من فضلكم أحتاج إلى المساعدة من أجل الأكل. شكرا جزيلا». مثل هذه الأخبار كانت تثير ردود فعل متباينة. كما ذكّرت بعض المغاربة بالماضي الإسباني في المغرب حين كان المهاجرون الإسبان يتسولون أو يشتغلون في مهن وضيعة، وكان المغاربة ينادونهم ب«الصبليوني بورقعة» بسبب ترقيعهم ملابسهم. وسائل الإعلام الإسبانية هي الأخرى لم تخف دهشتها من هذه الهجرة العكسية، خصوصا نحو المغرب، الذي يشكل مهاجروه نحو 1.6 في المائة من سكان إسبانيا قبل أن تعصف الأزمة الاقتصادية بالبلد وتجبر العديد من سكانه على اللجوء إلى دول أوربية أو أمريكية لاتينية أو حتى أفريقية كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب، رغم أن بعض الصحف الإسبانية اعتبرت ذلك «سابقة في تاريخ إسبانيا الحديثة»، متناسية أن إسبانيا كانت بلدا يصدر المهاجرين قبل أن تتحول في بداية تسعينيات القرن الماضي إلى بلد يستقبلهم.