نهاية المهادنة كان «السي الهادي» منظرا للحزب الوحيد و وصيا على تطور وبناء الدولة في السبعينات كما اعتبر، من طرف كثير من المعارضين، ضامنا لانفتاح النظام المنبثق عن السابع من نونبر. نشرت اسبوعية جون افريك مقالا يظهر الوزير الاول كالعقل المدبر للاصلاحات وهو يعلن ذلك صراحة بقوله:» »التغيير، انا الذي صنعته«« الشيء الذي كان ذريعة لابعاده. لكن الاقصاء كان وراءه كمال الطايف، الرجل المفرط في اخلاصه لابن علي. فبعد ان رفض الهادي بكوش قضاء بعض مصالحه، كان الطرد مصيره. بعد ذلك والى حدود 1999 (سنة صدور الكتاب ) عين حامد كوري الزعيم السابق للحزب، وزيرا اول لهذا النظام الاستبدادي. لقد كان مدينا في كل شيء لكمال الطايف، في سنة 1988، تدخل هذا الأخير لفائدة حامد كروي وهو اذاك يشغل منصب وزير العدل، لاطلاق صراح ابنه الذي اعتقل فور عودته من الجزائر، بتهمة التعاطف مع الاسلاميين. هكذا اطبق نظام عشائري بجناحيه ليخنق الوسط الحداثي الذي شهدته السنوات الأولى. عانت الطبقة السياسية التونسية صدمة عنيفة في الوقت ا لذي كانت تعرف فيه الجارة الجزائر ربيعا ديمقراطيا، فخطوات الاصلاحيين بقيادة الوزير الاول مولود حمروش، نجحت خلال بضعة شهور في محو ثلاثين سنة من الهيمنة المطلقة لجبهة التحرير الوطني الجزائرية: ظهور عدة جرائد مستقلة، خروج احزاب سياسية الى الوجود بما فيها جبهة الانقاذ الاسلامية التي بدأت على ما يبدو، في قبول قواعد اللعبة الديمقراطية. «لقد خسرت حزبا بعدما شكلته«« بهذا يعترف احمد مستيري زعيم حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، الذي استقال من مهامه داخل الحزب. أما خلفه، الاستاذ محمد هودة، فقد كان كلامه عنيفا ضد «ديمقراطية التقتير» .وقد صرح امام الملأ »»ليس لرجل واحد ولا لحزب واحد ان يحدد ايقاع الانتقال الديمقراطي»« في ابريل 1990 نادت المعارضة التونسية بمقاطعة الانتخابات البلدية. ومرة اخرى، حصد الحزب الدستوري اغلب عدد المقاعد. خلال نفس الفترة، انتهى التعايش بين الاسلاميين والنظام. وبعد الانتخابات، نشرت حركة النهضة بلاغا تستنكر فيه الخروقات الشيء الذي ادى الى استدعاء راشد الغنوشي الى مقر وزارة الداخلية حيث جاء الرد: «ان بلاغكم غير مسؤول والرئيس غائب ولن يسمح بانزلاقات اخرى» في 12 ماي 1989، غادر زعيم الاسلاميين تونس في جولة لعدد من الدول الاسلامية. تحولت هذه الزيارة، التي دامت بضعة اسابيع، الى منفى. ويحكي الغنوشي في هذا الصدد: «لقد انتهى الأمر لم أكن ا صدق. لقد تم تزوير الانتخابات والبوليس يحشر انفه في كل شيء». بسبب سوء التقدير. عاد مناضلو النهضة إلى أساليبهم الشيطانية وبدأوا في الجنوح إلى العنف واستعراض العضلات داخل الحرم الجامعي. كل هذا يجري تحت عيون مفتشية لمعارضين يرون ابن علي في وضعية صعبة. حتى على المستوى الدولي، انتهت حالة المهادنة وما عادت دواوين القنصليات الغربية تعرف إلى أين يتجه رئيس الدولة. في تلك الأثناء، كان زعماء النهضة يلتقون في باريز، وبشكل سري، أعضاء من ديوان رولان دوما R.Dumas الذي كان ساعتها وزيراً للخارجية وحيث كان الهادي بكوش، هذا الحانق والعدواني، يستدعي علانية من طرف أصدقائه داخل الحزب الاشتراكي: بيير موروا وليونيل جوسبان. في الجزائر، فازت جبهة الإنقاذ الاسلامية بالانتخابات البلدية ليونيو 1990 ويظهر أنها تنخرط في اللعبة السياسية. استقبل راشد الغنوشي في العاصمة الجزائر، من طرف محفوظ نحناح زعيم الحركة الاسلامية حماس، لقد كان قريباً جداً من الإخوان المسلمين ومتعاوناً مع النظام الجزائري بعدما غادر سجون بومدين. وقد أعلن هذا الراهب المتملق للصحافة الغربية قائلا:» »لو عاد الرسول، لسافر عبر طائرة الكونكورد ولبس كسوة من الصوف والحرير». لقد تركت صورة الرجل ... القلب والحداثي أثرها على زعيم النهضة الذي استُقبل من طرف مجموع الطبقة السياسية الجزائرية وعلى رأسها الرئيس الشاذلي بنجديد. كل هذا كان من شأنه أن يغيظ ابن علي خصوصاً عندما نقلت التلفزة الجزائرية، تسع سنوات بعد ذلك، خطاباً طويلا للغنوشي مهنئاً، من خلاله، رئيس الدولة الجديد عبد العزيز بوتفليقة. بعد ثلاث سنوات من التعايش السلمي، أصبحت استراتيجية الوحدة الوطنية على شفا هاوية. فازدواجية خطاب رئيس الدولة الذي انكشف بفعل الادارة السلطوية للانتخابات، أصبح يهدد الصرح الذي انبثق من السابع من نونبر. لقد بدا ابن علي متردداً وحائراً، عندما استقبل زعيمي النقابتين الطلابيتين الاسلامية والتقدمية. إن الأمر يتعلق بتلطيف الأجواء. أمر تكمن أهميته، بالنسبة لرجل الاستعلامات أن يبقى في علاقة مباشرة مع سير الأوضاع. كان النظام التونسي يحاول إعادة صياغة بعض الاجراءات مع الحراك الاسلامي ليطلق العنان للخداع. ففي يناير 1990، رخص وزير الداخلية لحركة النهضة بإصدار «جريدة »الفجر«« التي اعتبرت آنذاك بدون قيمة.