قال جلالة الملك إن انخراط المغرب في هذا المسلسل لا يعادله إلا عزمه على التصدي، بكل حزم لأي محاولة للنيل من مصالحه العليا أو للإخلال بالمعايير الجوهرية للمفاوضات، مضيفا أن المغرب منكب، في أفق التوصل إلى حل سياسي دائم في إطار الأممالمتحدة، وانطلاقا من الشرعية التاريخية للمغرب ورجاحة موقفه القانوني، على تحقيق الجهوية المتقدمة في الصحراء المغربية ومواصلة إنجاز أوراش التنمية الاجتماعية والاقتصادية في هذه المنطقة الأثيرة لدينا، ولدى قلوب المغاربة أجمعين. على صعيد آخر، أفاد جلالة الملك أن التحولات الكبرى التي تشهدها منطقة المغرب العربي تتيح فرصة تاريخية للانتقال بالاتحاد المغاربي من الجمود الى حركية تضمن تنمية مستدامة ومتكاملة، مذكرا بأنه سبق أن دعا الى انبثاق نظام مغاربي جديد لتجاوز حالة التفرقة القائمة بالمنطقة والتصدي لضعف المبادلات، بقصد بناء فضاء مغاربي قوي ومنفتح . وأكد الخطاب الملكي أن المغرب سيواصل مساعيه في أفق تقوية علاقاته الثنائية مع كافة الشركاء المغاربيين، بمن فيهم جارتنا الشقيقة الجزائر. وذلك استجابة للتطلعات الملحة والمشروعة لشعوب المنطقة، لاسيما ما يتعلق بحرية تنقل الأشخاص والسلع ورؤوس الأموال والخدمات". من جهة أخرى، دعا جلالة الملك الحكومة إلى الاجتهاد في إيجاد بدائل للتمويل من شأنها إعطاء دفعة قوية لمختلف الاستراتيجيات القطاعية في المجال الاقتصادي، واعتماد آليات لليقظة والمتابعة والتقويم تساعد على تحقيق التناسق في ما بينها، وقياس نجاعتها وحسن توظيف الاعتمادات المرصودة لها". وقال جلالته: إن الركود الاقتصادي الذي يعيشه العالم منذ 2008، وما نتج عنه من تغيرات على صعيد العلاقات الدولية، في إطار العولمة، وكذا التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المحيط الاقليمي، يحثنا على مواصلة الإصلاحات ويعزز اقتناعنا بصواب الخيارات السوسيو- اقتصادية التي أخذنا بها منذ أمد بعيد". وشدد خطاب العرش على ضرورة تطوير الآليات التعاقدية المتعلقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، بهدف تحقيق الاستفادة المثلى من الاستثمارات المتاحة، مذكرا بأن الهيأة المغربية للاستثمار تتوخى تعزيز الاستثمار في مختلف المجالات المنتجة وتحفيز الشراكات مع المؤسسات الدولية. وأضاف"غايتنا تمكين بلادنا من فرص التمويل التي تتيحها الصناديق السيادية الخارجية، وبصفة خاصة صناديق دول الخليج الشقيقة، التي نشيد بإسهامها الفعال في دعم المشاريع التنموية ببلادنا". كما دعا إلى " مضاعفة العناية" بمخطط المغرب الأخضر، الذي يعد عاملا أساسيا للتنمية الفلاحية، وإلى تكثيف أنشطته بقصد توسيع وتنويع المنتوج المغربي والرفع من مردوديته، فضلا عن دعوته إلى تقوية قدرات الفلاحين الصغار، في إطار برامج تضامنية، تساهم في تحسين الظروف المعيشية لساكنة العالم القروي، لاسيما في الظرفية المناخية الصعبة التي عرفها المغرب خلال السنة الأخيرة. دعا جلالة الملك محمد السادس الحكومة الى التجاوب مع المتطلبات الاجتماعية للمواطنين ، بهدف تحصين القدرات التنموية للمغرب والحفاظ على مصداقيته على الصعيد الدولي . وأكد حرص جلالته « على جعل العنصر البشري ، وخاصة شبابنا الواعد ، في صلب كل المبادرات التنموية وغايتها الاساسية. وهو ما نعمل على تجسيده في مختلف مشاريع وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية». وبعد ما ذكر بما حققته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من نتائج إيجابية في النهوض بالفئات المعوزة وقرار تقوية أنشطتها وتوسيع مجالاتها ، دعا جلالة الملك الحكومة إلى توفير شروط تفعيل البرنامج التأهيلي الخامس لهذه المبادرة ، الكفيل بسد الخصاص بالمناطق الاكثر هشاشة التي تفتقر إلى التجهيزات الأساسية الضرورية. وأكد جلالة الملك، من جهة أخرى، حرص جلالته القوي على تحقيق الإنصاف ومساعدة الأشخاص الأكثر حرمانا، داعيا الحكومة إلى بذل كل الجهود لإنجاح نظام المساعدة الطبية (راميد) لفائدتهم، من خلال استهداف دقيق للفئات المعنية والتكفل بالخدمات المحددة بطرق مناسبة. واعتبر جلالته أنه «لجعل هذا النظام يحافظ على هدفه الإنساني، يتعين الحرص على ألا يقع استغلاله من طرف أي توجهات سياسوية، من شأنها تحريفه عن مساره النبيل، مع ما يترتب على ذلك من إخلال في هذا المجال أو فيما سواه من المجالات الاجتماعية». وأكد جلالة الملك أنه سيظل مهتما بانشغالات المواطنين بجميع فئاتهم ، حريصا على الوقوف الميداني على ظروف عيشهم والتجاوب مع انتظاراتهم ومصغيا لمشاعر أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج « مولين اهتماما خاصا لكافة أفرادها ، مشيدين بتعلقهم القوي ببلدهم ووفائهم لهويتهم وبدورهم البناء في تنمية وطنهم الأم » . ودعا جلالة الملك الحكومة الى الشروع في إصلاح الإدارة العمومية ، لتمكينها من مواكبة متطلبات الرؤية الترابية الجديدة. وقال جلالته «نهيب بالحكومة الشروع في إصلاح الإدارة العمومية، لتمكينها من مواكبة متطلبات هذه الرؤية الترابية الجديدة. وهو ما يطرح مسألة اللاتمركز ، الذي ما فتئنا ندعو إليه منذ أزيد من عشر سنوات». وحث جلالة الملك الحكومة على اعتماد ميثاق للاتمركز، بما يمكن الإدارة من إعادة انتشار مرافقها، ومساعدتها على التجاوب الأمثل مع حاجيات المصالح اللامتمركزة، وجعلها تستشعر المسؤولية الحقيقية، في وضع المشاريع وحسن تسييرها. كما دعا الى الانكباب على الورش الكبير للإصلاحات اللازمة، لتفعيل التنظيم الترابي الجديد، في إطار حكامة جيدة، تضع التنمية البشرية في صلب اهتمامها. وقال جلالة الملك إنه « لا سبيل الى رفع التحديات التي تواجه هذه الحكامة إلا بتحقيق تنمية بشرية عادلة ومنصفة، كفيلة بالتصدي للعجز الحاصل في المجال القروي، والخصاص الذي يعيق النمو في الوسط الحضري». وشدد جلالته في هذا الصدد، على ضرورة إيلاء عناية خاصة لتفعيل المؤسسات المنصوص عليها في الدستور الجديد ، ذات الصلة بالحكامة الجيدة ، ومحاربة الرشوة، وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة. وفي هذا الصدد دعا جلالة الملك إلى تدبير ورش الجهوية المتقدمة التي كرسها الدستور ب«كامل التأني والتبصر» حتى يساهم بفعالية في إحداث تغيير جوهري وتدريجي ، في تنظيم هياكل الدولة ، وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية. واعتبر جلالته أن كسب رهانات هذا المسار، يتطلب فسح المجال لتجديد النخب، والمشاركة الواسعة والمكثفة للنساء والشباب، وفتح الآفاق أمام المواطنات والمواطنين المؤهلين ، المتحلين بروح المسؤولية والنزاهة. إضافة إلى ذلك جدد جلالة الملك محمد السادس التزامه بتسهيل سبل إتاحة الفرص، لتوفير ظروف اقتصادية جديدة وملائمة كفيلة بخلق ثروات مشتركة بين المغرب واسبانيا، تجسيدا لعمق التضامن الفعلي بين البلدين» مضيف أنه أصدر توجيهاته السامية للحكومة لتفعيل هذا الشأن، بما يقتضيه الأمر من اهتمام وسرعة في التنفيذ. وأشاد الخطاب الملكي بعمق الروابط التاريخية، وبالآفاق الواسعة التي تجمع المغرب وإسبانيا، لاسيما في سياق العلاقات المتطورة مع جميع دول الاتحاد الأوروبي. وقال: "وفضلا عن العلاقات بدول الجوار، فإن المملكة تواصل مجهوداتها لتعزيز وتنويع شراكاتها الواعدة مع باقي مناطق المعمور. وذلك بالتركيز على التنمية البشرية? في إطار تعاون ملموس جنوب - جنوب، مع شركائنا في مختلف البلدان النامية". كما أكد جلالة الملك أن المغرب سيظل منخرطا في المشاريع الفعالة للتعاون مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء، بهدف دعم برامج التنمية البشرية المحلية في القطاعات ذات الأولوية. وأضاف في هذا السياق أن المغرب سيواصل بذل مساعيه الحثيثة، في إطار المنظمات الدولية، مجددا التزامه بالدفاع عن التعاون متعدد الأطراف، وفقا للأهداف النبيلة لميثاق منظمة الأممالمتحدة. وفي إطار العناية التي يوليها المغرب لاستقرار منطقة الساحل والصحراء، دعا جلالة الملك المجتمع الدولي إلى أن يولي هذه المنطقة اهتماما عاجلا لمواجهة المخاطر العديدة، التي تشكل تهديدا للوحدة الترابية والوطنية للدول.