يجمع الكل على أن الفن رسالة تواصلية ذات حمولة فلسفية تربوية أخلاقية، وإبداعية جمالية، بل وترمي الى ترسيخ ثقافة تعليمية مواطنة تقعد للسمو والرقي. وعلى النقيض تطالعنا أعمال درامية ذات صبغة نمطية وإيقاعات مبتذلة ولهجة مقززة.. وكلها صور فظيعة يؤطرها التهريج والهرج والصراخ في غياب تام لنص محبوك وتيمة هادفة وازنة.. بعض هذه «الأعمال» تخطف فرحة الصيام بمشاهد الركاكة اللغوية والميوعة الفرجوية لتضيع بين تقليد «لعروبي» أو «الشلح».. شتان بين جيل الصفوة، الصديقي، لعلج، الدغمي .. وبين ما نحن عليه الآن من قبيل ما حملته سلسلة «ولد القايد» .. سلسلة جعلت من عمدة فرقة الوفاء المراكشية عبد الجبار لوزير صوتاً فنياً مبحوحاً رغم جعجعة طاحونته، ليضرب قاعدة «إلى امشا الزين يبقاو حروفو»، لا كما كان الحال وليكرس صورة «الدلاقشي» بلغة أهل القلعة الحمراء الذي يتوسل عبر كلمات مسجوعة ومتقطعة أن يدفع إلى المتفرج سلعة بائرة بوار الزيت في بلد البترول. إن السلسلة الرمدانية بإبدال الضاد دالاً، تقدم شيخ الممثلين والعارف بكواليس عروضهم برزته الهمدانية المشعة وقد جعل منها بنكاً متنقلا فوق رأسه، وهي فكرة قديمة ومهترئة جداً وتبدو خارج السياق، لأنها وبكل بساطة تذكرنا بحكايات الطفولة التي ترويها «العجائز للصبيان» أو بمعطف المرحوم الممثل «عبد القادر لطفي» عندنا بالمغرب أو سرير «عادل إمام» بدروب الزقازيق، وكلها تصلح للتنكيت والتسلية «الحامضة» ليس إلا في وقت خطا الفن خطواته العملاقة عند الجيران وفي ما وراء البحار. الحديث عن القايد نفسه أي «مصطفى الداسوكين» مدعاة للاشتمئزاز وإحالة صارخة على التسيب الفني الاعلامي، فلازمة الرجل «بكل تواضع» مع كسر الضاد وأيننا نحن من لغة الضاد - تعود وراء بهذا بالمشاهد المغتصب في حقه بالاستمتاع بعروض صندوق التلفزة المغربية والتي يؤدي ثمن تفاهاتها الثقافية والفنية شاء أم كره عند متم كل شهر كمستلزمات عيش ضرورية. لم يعد مقبولا كما في السابق، أن يطل علينا هذا الرجل الممثل / الداسوكين بنفس قسمات وجهه، وبكائه وحركاته ورقصته، بل تحزيمته المعهودة ب (الفسيتة) والتي لم يجن من ورائها شيئا يذكر . عمر طويلا وغاب كثيرا ولا نذكر له إلا ما كان مرتبطا باللون الخليجي وفضائحه مع بناتنا حيث تألق صحبة رفيق دربه السابق «مصطفى الزعري» في ديو ألهب عشاق «الكاسيط المسموع» وقتئذ. لم يعد مقبولا كذلك أن يستمر «ولد القايد» عبد الخالق فهيد في تكرار نفسه شكلا ومضمونا وفي قالب ممل للغاية كل موسم وعبر كل المناسبات فينزع بذلك عن الفن قدسية رسالته التهذيبية وسلامة ذوقه وعذوبة حواراته ومشاهده التراجيكوميدية. ثلاثي أحدث زلزالا مفاهيميا وطرح أكثر من علامة استفهام وتعجب حول واقع الدراما المغربية وتخلف ركبها وعدم رجحان كفتها يوم يقوم الناس لساعة الحساب وهو كما يقولون «صابون» أي مشعل ستتسلمه الأجيال الباقية؟ وأية ذكرى سيتركها هؤلاء وراء ظهورهم؟ وهل سينقطع دابرهم حتى من «عمل ينتفع به» للحديث بقية مادامت أيام رمضان لم تتجاوز أسبوعها الأول، فهل تبقى دار لقمان على حالها أم سيبعث الله من يجدد أمر الدراما في تلفزاتنا ويقطع مع البدع والمبتدعين ويحل محلهم الإبداع والمبدعين.