من يستمع إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي يخيل إليه أن الجامعة المغربية تغص بأبناء الألبة والأبهات، و أن هولاء الطلبة المرفهين يملأون المدرجات، ولا يتركون مكانا فيها للفقراء. ومن يتابع التحليل مع السيد الداودي، يكاد يعتقد بأن الجامعة المغربية احتلها الأثرياء، وأن على الدولة أن تتدخل لكي تنقذ أبناءها الفقراء. إذا كان الوزير يؤمن فعلا بذلك، فعلينا وعلى التعليم العالي السلام. ذلك أن الحقيقة التي يعرفها اليوم جل المغاربة هي أن الذين يتحدث عنهم لايطرقون أبواب الجامعات المغربية، وأن الأغلبية الساحقة، إن لم نقل كلهم، لا يعلمون بأن هناك جامعات في ظهر المهراز أو في السويسي أو في ظهر المحلة .. الأثرياء الذين يريد السيد الوزير أن يبرر بهم إلغاء مجانية التعليم، لا جود لهم في الجامعة بالشكل الذي يعتقد. السيد الوزير رجل تعليم، وتعليم عالي .. من «فوق». يمكن أن يقنع الهجوم على أثرياء مفترضين في الجامعة، من لم يمر بتجربة الجامعة المغربية، بأن الوزير على حق، ويريد فقراء أن يدرسوا في الكليات المغربية ويستحقون، لوحدهم دعم الدولة للمجتمع العلمي. ويؤمن بأنه لولا الفقراء لضاع العلم. ولكن الحقيقة هو أن قرارا مثل الذي تقدم به السيد وزير التعليم العالي يتطلب على الأقل، وأدنى ما يتطلبه، هو تقديم معطيات رقمية، حول عدد الأثرياء الذين يستفيدون من جامعاتنا.. هل يمثلون 1 % أو 50 % أم 10 % أم يمثلون صفرا لاف وصفر ميا وصفرا وصفرين، كما يقول التلاميذ في التنكيت على فراغ الحجة. يبدو أن السيد الوزير لم يكن من الطلبة الذين يقفون وسط الساحة وبيدهم 48 ريال مغربي «يقرقبونها» بحثا عمن يبيع ورقة الغذاء أو العشاء .. إضافية. وعلى حد علمنا المتواضع، لم يتقدم أي طالب بمرسديس إلى الساحة، وهو يحمل تذكرة الغذاء ليبيعها إلى طالب. والسؤال الحقيقي : هل فعلا يفكر الأغنياء في الاستفادة من دعم درهم و40 سنتيما غذاء الدولة لطلبتها؟ هل يفكرون أصلا في الجامعة المغربية العمومية؟ ألا يلاحظ معنا السيد الوزير بأن الطبقة الميسورة، ومنها الطبقة التي تعتبر وسطى هي بذاتها تفكر في اللجوء إلى التعليم الخاص؟ ألم يلاحظ أن التعليم العمومي عاد في أغلبه محوا للأمية، بالرغم من المجهودات التي يبذلها أبناء الفقراء وأبناء الأقل فقرا من أجل أن يعطوا للمؤسسة العمومية شرفها وشرف الإنتماء إلى العصر؟ هل صادف ذات يوم، وهو يدرس أو يزور الجامعات كوزير، رجلا ثريا ينقل ابنه الى الجامعة ويستفيد من درهم و40 سنتيما بطاطا في مطعم الحي؟ هذا الدليل تنقصه الحجة ومصاب بغير قليل من عطب الواقع. وإلغاد المجانية لا يمكن تبريره بمثل هذه الأشياء. ولا أعتقد بأن الوزير الذي تحدث إلى الزميلة«ليكونوميست» كان جديا عندما قال بأن الصحيفة «يقراها اللي لاباس عليهم». ومن ثم سيعرفون عن طريق اليومية، بأن المجانية انتهت.. ماذا لو كان تحدث إلى فرانس 2 أحسن؟