مؤسسة وسيط المملكة تنجح في وضع حد لاحتجاج طلبة كليات الطب والصيدلة    سانت لوسيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد لفائدة الصحراء المغربية بقيادة جلالة الملك (وزير الشؤون الخارجية)    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    بعد إضراب دام لأسبوع.. المحامون يلتقون وهبي غدا السبت    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    زياش: عندما لا يتعلق الأمر بالأطفال يفرون    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكاليات تعاطي النخب المغربية مع التقلبات السياسية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 07 - 2012

في ظل هذه المعطيات، وبالمنطق الخاص للنخب المغاربية السياسية والحاكمة في التعامل مع المستجدات والتحولات، لم يكن ليتوقع منها على مستوى تفعيل مؤسسة الاتحاد المغاربي، إلا أن تمارس حلحلات شكلية لا تمس الجوهر ولا تقدم محسوساً إيجابياً، للدفع بهذه المؤسسة إلى ما يبنيها ويركز وجودها، لذلك نجد على مستوى الظاهر والشكلي والسطحي من مظاهر الاتحاد، ضروباً من شبه الهروب إلى الأمام، بما يعني المشاركة في إقامة لوائح الاتحاد ومقتضياته، دون أن ينعكس شئ من ذلك على أرض الواقع العملي، وكأن الأمر لا يتعدى تملقاً شفوياً وإدارياً فارغاً للنوايا ورغبات الجماهير، أو ذراً للرماد في عيونها المعتمة أصلا في مجملها بعوامل التخلف والجهالة، ويبدو هذا التعامل من طرف النخب السياسية والحاكمة مع مشروع بأهمية مؤسسة الاتحاد المغاربي منطقياً، بالنظر إلى تعاملها مع التحولات الكونية من حولها، والتي لم تحرك منها ساكناً إلا بالقدر الذي يركز نفوذها ويمد من سلطتها وشموليتها، ومن ثم يكون من الطبيعي بذات المنطق ألا يتغير شئ في اتجاه حقيقي لبناء الاتحاد المغاربي، إلا على سبيل المناورة أو المناوشة من قبل هذا الجانب أو ذاك، حسب هذه المناسبة أو تلك.
ترى أيعتبر ذلك تخلياً عن الدور المطلوب والمفترض في النخب السياسية والثقافية بخصوص قيام هذه المؤسسة الحيوية؟ أم هو من الأصل عدم إدراك لمدى أهميتها مبدئياً؟
لا يبدو هذا واضحاً ولا ذاك؛ صحيح هناك تذبذب أو تناقض في مواقف هذه النخب بما يثير الكثير من الالتباس، لكن ذلك لا يعني على وجه التأكيد عدم الاقتناع بأهمية المؤسسة الاتحادية، على الأقل لبداهة الأمر؛ كما لا يبدو الحكم بالتخلي عن الدور محقاً أو مقنعاً واضحاً تمام الوضوح، لما نراه بين الفينة والأخرى أو كلما حلت مناسبة، من هذا الطرف أو ذاك، من إشارات دالة باتجاه المؤسسة الاتحادية؛ وبهذا الخصوص فإن هذه الإشارات حتى ولو كانت مجرد هروب إلى الأمام أو محض دغدغة لمشاعر وأماني الشعوب، فإنها تبقى دالة على وعي النخبة السياسية بدورها، أو بالدور الواجب عليها على الأصح؛ ونذكر هنا ببعض أواخر تلك الإشارات القوية، والمتمثلة في اليوم الدراسي الذي نظمه «المعهد الدبلوماسي و العلاقات الدولية « بتاريخ 15 دجنبر 2003 بالعاصمة الجزائرية، حول موضوع «مستقبل المغرب العربي»، و الذي كان لي شرف الاشتراك في أشغاله بجانب مختصين و خبراء و مثقفين، من الأقطار المغاربية الخمسة، كما حضره وتناول الكلمة فيه، وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية (إذ ذاك) السيد عبد العزيز بلخادم الذي كان في الآن نفسه مبعوث الدولة الجزائرية إلى القيادات المغاربية، لتبليغ الدعوات الرسمية لانعقاد القمة، وهو مؤشر ذو دلالة من عدة جهات، من بينها أن هذا اليوم الدراسي يعقد (إذ ذاك) قبيل اجتماع لجان وخبراء الدول الأعضاء في الاتحاد بالعاصمة نفسها، مشفوعاً باجتماع وزراء الخارجية، في انتظار انعقاد القمة المغاربية التي كانت مقررة ومرتقبة إذ ذاك، بتاريخ 22 دجنبر 2003، دون أن تتم.
ولا يمكن أن ننسى أيضاً الأداء المستمر، وغير المتوقف إلى اليوم، لمؤسسة الأمانة العامة للاتحاد وما يرتبط بها من عمل لجان اقتصادية واجتماعية وثقافية؛ كما نشير في هذا الصدد إلى جوائز الاتحاد التي تنظمها الأمانة العامة، والتي تخصصها كل سنة لإنتاج ثقافي أو علمي في مجال معين، ومنها جائزة الاتحاد المخصصة للإبداع والابتكار إلى حدود 2012، مما يعني الاستمرار في مهام الأمانة العامة، ويعني بالذات عدم الاعتراض أو العرقلة الجدية لأدائها من أي طرف من الأطراف.
وما دام الأمر يمس الإبداع والابتكار، وبالتالي يرتبط بالفكر والثقافة، كما بالعلم والاختراع؛ فيمكن التذكير بالدور المبكر لنخب المثقفين بالمغرب العربي، في إدراك أهمية قيام الاتحاد بدءاً من تأسيس «اتحاد كتاب المغرب العربي» بالرباط، في بداية الستنينيات من القرن الماضي إلى «ملتقى القصاصين المغاربة» المنعقد بتونس في أواخر تلك العشرية نفسها، وما انبثق عنه من إنشاء «رابطة القصاصين المغاربة» وكذا «جائزة المغرب العربي للرواية والقصة»؛ إلى «مؤتمر أدباء وكتاب المغرب العربي» المنعقد بطرابلس في الفترة نفسها (قبيل فاتح شتنبر 1969)، وهذه كلها محطات تتضافر وتتكامل في أبعادها السياسية والثقافية، مع ما توجته رسمياً قمة ومعاهدة مراكش 1989، وكذا الملتقى المنظم حول «مستقبل المغرب العربي» المنعقد بالجزائر 2003 تمهيداً لقمة مغاربية إذ ذاك (لم تنعقد)؛ ولا شئ بين ذلك أو بعده يشير إلى رفض أو عرقلة معبر عنها، في وجه المؤسسة الاتحادية، بقدر ما يؤشر ذلك على استمرارية في إرساء مفهوم ومبدإ الاتحاد المغاربي، أو تعهده بنوع من الرعاية على الأقل من حين لآخر.
وعند هذا الحد يمكن التساؤل هذه المرة بكثير من ألم الخيبة والمرارة، بعد كل هذه المعطيات عن المسؤول عن هذا التجمد والتجميد، أو هذه الإماتة السريرية لهذه المؤسسة؟ وحتى لا ندخل في باب الرجم بالتهم، نحوّر السؤال إلى صيغة على النحو التالي: من المستفيد من هذا الوضع الجامد المتجمد للاتحاد؟
من الواضح أن الحكم باستفادة إيجابية من الوضع الراهن، لصالح أي طرف من الأطراف المشكلة للاتحاد، لا يخلو من شطط؛ بل إن الحكم باستفادة جدية مباشرة أو غير مباشرة لأي طرف خارجي أحنبي من الوضع الراهن للاتحاد، لا يخلو أيضاً من مجازفة كبيرة، ومن تجاهل أكبر لمعطيات محسوسة تدل على رغبة القوى الخارجية نفسها، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، في إنجاز التكتل المغاربي، لما يحققه ذلك من مصالح مشتركة لكل الأطراف.
ربما يبقى التساؤل عن الخاسر في الوضع الحالي إذا لم يكن هناك مستفيد؛ وربما يكون التساؤل أجدر بأن يأخذ صيغة كالتالي: من الخاسر الأكبر في الوضع الحالي من بين دول الاتحاد، ما دامت الخسارة في ذاتها (عدم الربح على الأقل)، محققة للجميع؟
وحتى لا نغامر بالجواب عن هذا السؤال، وبما أن الأمر يبدو لنا محصوراً في النخب السياسية والثقافية، فإننا نلاحظ ما يلي:
بقدر ما تبدو النخب السياسية متملكة للزمام في الحياة العامة، وبالتالي فيما يتعلق بالخصوص براهن ومستقبل الاتحاد المغاربي، فإن النخب الثقافية في معظم إن لم نقل في كل تحركاتها في نطاق مشروع الاتحاد، تبدو تابعة أو ظلية بالنسبة للقرار السياسي، ومن ثم تبدو غير مبادرة، بل وعديمة الجرأة باتجاه ما يخدم أفقها في بناء هذا الاتحاد، مما يجعل خطواتها من بداياتها وإلى بعض الإشارات المترنحة اليوم، والمتمثلة في لقاءات متقطعة ومحدودة، حتى ما اتخذ منها شعار الاتحاد، من قبيل محاولة إيجاد صيغة ما لإحياء اتحاد كتاب المغرب العربي، تبقى بتراء وبدون دلالة حقيقية.
ومما لا شك فيه أن قرابة نصف قرن من مشروع بناء الاتحاد دون تحقيق شئ من ذلك على أرض الواقع، مع ما تحققه تكتلات أخرى من داخل المنطقة المتوسطية وخارجها، من فعالية محلية إقليمية وشراكة دولية، من شأنه أن يثمر في المواطن العادي القلق والقنوط من جدوى أو جدية موضوع «الاتحاد المغاربي»، علاوة على مواقف اليأس واللامبالاة، كما من شأنه أن يثمر مثيل ذلك في الأجيال الصاعدة، ونخب الحاضر والمستقبل.
لذلك نتساءل عن هنا والآن، ماذا ينبغي أن يُصنع بصدد هذا المشروع؟
إن الحديث عن التقلبات السياسية والتحولات في عمومها من محلية ودولية، يمكن أن يعود بنا إلى رصد المشهد المغاربي الحالي، في ضوء معطيات «الربيع العربي» والمترتب عنها؛ فبلدان الاتحاد تتصدر قاطرة التغيير، بل إنها تبدو صانعته بحق وتفرد واقتدار، وقد انطلقت شرارته بل شعلته القوية المبهرة من تونس، لتتعدى الحدود لا إلى مجرد دول المنطقة والمشرق العربي فحسب، بل لتمثل نموذجاً يحتذى في صنع التغيير من طرف حركات شعبية وشبابية في كل من أوربا وأمريكا؛ ويأتي التفرد في حركة التغيير «الربيعية العربية»، من عدة أوجه:
فهي من جهة أولى، انتزعت توقع التغيير من القوى العسكرية الانقلابية المألوفة، ومن الأطياف الأصولية الإسلامية، أو حتى التنظيمات الحزبية السياسية التقليدية.
ومن جهة ثانية، تتميز بما تقيمه ولأول مرة على أرض الواقع، من تجذير لقوى التغيير في انبثاقها من الطبقات الشعبية وطليعتها الشبابية، وغير المؤطرة عبر مؤسسات الدولة وهيئات المجتمع التقليدية.
وبذلك فإنها جددت في مجال الجيوسياسية التحولية، بإيلائها الدور إلى الهامشي عوض المركزي المألوف، فالشارع أو الهامشي والقروي وشبه القروي، حل محل المركزية المؤسسية، وكذا المدينية (النخبة الحضرية الخالصة) في إحداث التغيير الجذري على مستويين:
أ في التوجه أولا، من حيث منهجية الحراك
ب وفي الهدف ثانياً من حيث استهداف قمة هرم السلطة، بشعار إسقاط النظام.
(*) عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية السابق
جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء
وهكذا أصبحت الحواضر المغاربية محرد ساحات للحراك، وليس لقيادة التغيير بالضرورة، كما أن إرادة التغيير أوجدت أخيراً حاملها الأجدر، وهو القوى الشعبية الشبابية غير المؤطرة مسبقاً في غالبيتها العظمى.
صحيح أن هذا الحراك «الربيعي» يفتقد التأطير، وهذا ليس بالضرورة مؤشر ضعف، وإن كان بالإمكان ركوبه أو استغلاله من قبل قوى أخرى مختلفة، بل إن من شأنه أن يظل شعلة متقدة على طريق مراقبة التوجه نحو الأهداف، بغض النظر عن طبيعة الآليات التنفيذية للمرحلة، وبالتالي فإنه يظل عصياً عن الهيمنة والضغط وبمنأى عن لعبة التحكم؛ ويمكن بهذا الخصوص أن نجمل ملاحظة كالآتي:
من خلال الحركات والتغييرات التي حققها أو ينشدها «الربيع العربي» مع اختلاف درجاتها ومستوياتها، بدءاً مما تحقق في تونس من جهة، وليبيا من جهة أخرى، من حيث تغيير النظام، أو في المغرب من تسريع قوي يكاد يبلغ درجة طي المراحل، على طريق التغيير والإصلاح، أو في الجزائر التي تبقى الأكثر من غيرها في الاحتفاظ بجوهر النظام وسماته الأساسية، مع السير باتجاه متطلبات التغيير؛ تبدو الصورة في كل هذه الأحداث التي هزت المنطقة المغاربية بعنف وشدة، وفي خضم الحراك الشبابي بمختلف مطالبه من إسقاط الفساد والاستبداد، إلى تغيير النظام، وما بين ذلك مما تم التعبير عنه من مطالب أو أمكن رفعُه من شعارات، مع ما تردد من هتافات؛ لم يلاحظ في أي بلد من البلاد المغاربية الحديث عن المؤسسة الاتحادية.
صحيح أن ذلك يمكن تفسيره بالأسبقيات، وبمستويات المطالب والتطلعات، بحيث يصعب تصدير مطلب الاتحاد المغاربي في خضم حراك ينشد تغيير الأنظمة وإسقاط الفساد، بما قد يتضمنه ذلك من أن تجميد وتغييب المؤسسة الاتحاية نفسه، يدخل ضمن الفساد والاستبداد المراد إسقاطه، وأن المناداة ببنائه تأتي لاحقاً لما يجري في الحال.
يبدو أن مفهوم النخب قد أصبح الآن قابلا للمراجعة والمحاسبة أكثر من أي وقت مضى، ذلك أن التغيير لم يعد مقدوراً على النخب السياسية (الاحترافية) إذا صح التعبير، ولا على نظيرتها العسكرية، ولا حتى الثقافية بخصائصها المألوفة المتسمة بالمعرفة والعلم والقدرة التحليلية والتظيرية، فالفترة الحالية هي التي يمكنها أن تحمل بجدارة سمة دمقرطة المعرفة، بخصائص عصرها، وبوسائلها المتميزة في القابلية للذيوع والانتشار بل والتشارك بين أكبر عدد ممكن، لا بين سكان البلد الواحد فحسب، وإنما بين الأغيار على امتداد المعمور وسعته وساحاته، إنها نخب جديدة غير أصيلة ولا مخضرمة، تبني نفسها بنفسها كل لحظة، وتوسع من قدراتها بلا حدود، دون أن يعني ذلك أية قطيعة لها مع مجتمعها، بل إن ذلك إن كان يعني شيئاً في هذا الاتجاه بالنسبة لهذه النخبة، فهو انغمارها الحقيقي والعميق في واقعها ومجتمعها، على نحو لم تعرفه و تمارسه النخب الأخرى التقليدية، وبخاصة في مرحلة دولة الاستقلال إلى اليوم.
من هنا يحق طرح السؤال مرة أخرى: وماذا الآن؟ ما موقف النخب المغاربية في وضعها الراهن؟
مما لا شك فيه أن السؤال يعني نخب «الربيع العربي المغاربي» وذات الارتباط بها، ويمكن أن يعني النخب التقليدية أيضاً، بمعنى اعتبار أنها يجب أن تسير في اتجاه النخب الجديدة المتجددة، حتى لا يفرض عليها الشارع مرة أخرى مطالبه بإخراج الاتحاد المغاربي إلى الوجود في غيبتها أو غيبوبتها.
وبهذا الخصوص لا يمكن إغفال الإشارات الدالة التي انبعثت من تونس في وضعها «الربيعي» الجديد، كما انبعثت من دول أخرى بالمنطقة المغاربية، بيد أن من المبكر جداً، توقع إنجازات فعلية وعملية على الطريق، ما دامت الأوضاع لم تحقق استقرارها بعد، رغم وضوح التوجهات والأهداف؛ وبهذا الخصوص ومع كافة التحفظات الممكنة، يتعذر التنكر لمكاسب من شأن قيام الاتحاد المغاربي أن يحققها على مستويات محلية وإقليمية، يمكن الإشارة إليها كسيناريو تفاؤلي محفز على النحو التالي:
لنتصور كمثال على المكاسب المباشرة، أن المغرب يستفيد مباشرة من الجوار البترولي للجزائر، كما تستفيد تونس مثيل ذلك من ليبيا، أي بأقصر وأسهل الطرق وأقل النفقات؛ وبالمقابل فإن الجزائر يمكنها استغلال كافة موانئ المغرب على امتداد المتوسط المحيط الأطلسي، هذا علاوة على سوق اليد العاملة وإمكانات الاستثمار على امتداد الرقعة المغاربية في كافة المجالات وعلى رأسها السكة الحديدية، من نواقشوط غرباً إلى طرابلس شرقاً، مع اعتبار ما يمثله كل ذلك من قوة إقليمية على كل المستويات، ومقابل كافة التكتلات الإقيليمية والدولية.
مما لاشك فيه أن النخب المغاربية على اختلافها وتنوعها، لا تقل حنكة ولا تمرساً بالقضايا والمشاكل على مختلف الأصعدة، ولن تكون أقل من ذلك إزاء موضوع الاتحاد المغاربي؛ لذلك، يمكن في ضوء مختلف التغيرات والتحولات وعبر النخب الجديدة والمخضرمة، ومع تدرج المنطقة نحو التحرر والاستقرار، أن تطرح مقاربات جديدة لمعالجة الشأن المغاربي ومؤسسته الاتحادية من منظور أسئلة الربح والخسارة من قبيل ما سبق الإشارة إليه، وهو ما من شأنه أن يكشف الخفي المجهول، أو المستور غير المعبر عنه في هذا الشأن. أتراه يكون قضية الصحراء فعلا؟ ما الخفي في هذا الملف؟
مبدئياً لدينا ما يدعو إلى الميل أن قضية الصحراء لو لم توجد على نحو ما هي عليه، لوجدت على نحو آخر؛ وإذا لم تقم خلافاً بين المغرب والجزائر، فمن الممكن أن تنشب بين بين أية دولة وأخرى من دول المنطقة؛ لكن هذا يبقى من قبيل التخمين، لذلك وفي ضوء ما هو واقع بين دولتين شقيقتين جارتين ممثلتين لأقوى ثقل في ميزان الاتحاد، يكفي أن نتذكر أن الاتحاد الأوربي قام بين دول عاشت جوار الحروب بكل الصور، في مختلف مراحل تاريخها؛ وفيما بين ألمانيا وفرنسا على الخصوص، علاوة على المتوارث بينهما من نزاع المناطق الحدودية، لدرجة أنهما تقابلتا في حربين عالميتين نشبتا في النصف الأول من القرن الماضي، واستمرت كل منهما ما بين 5 و 7 سنوات، وبكلفة الملايين من القتلى بفاصل عقدين ما بين حرب أولى وثانية، ومع ذلك كانت الدولتان الجارتان المتحاربتان السباقتين والفاعلتين في التعاون الثنائي بينهما، وفي التأسيس الجامع ل «السوق الأوربية المشتركة» وثمرته المباشرة «الاتحاد الأوربي» اليوم؛ وتوجد أمثلة عديدة لمثل ذلك من قبيل نموذج «الإمارات العربية المتحدة» اليوم، سليلة ما كان معروفاً ب»الإمارات العربية المتصالحة» وهي تسمية تاريخية متجاوزة، تتضمن تفادي وصفها ب «المتخاصمة»؛ فهل يكون الأمر في منطقتنا وبين الدولتين الجارتين، أخطر مما بين بقية دول العالم المتجاورة وغير المتجاورة، في تجاوزها للعقد التاريخية والإحن الشخصية الفردية والجمعية، وفي اعتمادها حساب الربح والمكسب والانفتاح على المستقبل، وفي تصفيتها الحساب مع ذهنية «البسوس» و»داحس والغبراء»؟
مهما يكن، فمواجهة الواقع من حيث هو، ومن حيث منظور الربح والخسارة تجلعنا نميل إلى التعبير عما يلي بخصوص هذا الموضوع:
المغرب كدولة (بغض النظر عن كل القراءات) لا يمكنه بحال من الأحوال قبول كيان دولة في جنوبه، مهما كان الثمن، والموقف تفرضه (بغض النظر عن كل القراءات) نظرة عابرة فاحرى متفحصة، على الوضع الجغرافي للمنطقة في ظل ذلك.
الجزائر كدولة استرتيجية، وبعد عقود من السنين في الدفاع عن حق « تقرير المصير» واحتضان حركة البولساريو (بغض النظر عن كل القراءات)، لا يمكنها أن تنتهي إلى لا شئ، أو كما يقال في المشرق العربي «الخروج من المولد بلا حمص».
حركة البوليساريو بدورها (بغض النظر عن كل القراءات) لا يمكن أن تخرج خالية الوفاض، بعد كل هذا التاريخ في ما بين حرب وهدنة.
ترى، ألا يمكن في ضوء مثل هذا النموذج من التوصيف وما يدخل في قبيله، أن تنفد النخب المغاربية الجديدة، بما فيها المنتمية لجبهة البوليساريو، وفي ضوء التحولات الراهنة والمحتملة في المستقبل، إلى تعبئة جدية وجادة لاستمارة من نمط أسئلة الربح والخسارة؟
12


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.