بمناسبة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي عرفتها فرنسا ، خصنا الباحث والمؤرخ الفرنسي بنجمان سطورا، المتخصص في منطقة المغربي العربي والجزائر، بلقاء حول تصوره لهذه المشاركة لابناء المغاربيين ونتائجها . وصدر لبنجمان سطورا آخر كتاب حول تاريخ الجزائر من «منشورات لا ديكوفيرت»، ومن اهم كتبه حول الربيع العربي الذي صدر السنة الماضية « 89 العربي»، وهو كتاب حوار مع الصحفي ايدوي بلينيل. ويعالج الكتاب الربيع العربي وتداعياته على بلدان المنطقة. هذه الاحداث والثورات التي تجاوزت المتتبعين للمنطقة العربية بالغرب. كيف تقيم الانتخابات الرئاسية التي عرفتها فرنسا، والتي طغى عليها خطاب جد يميني ومعادي للهجرة والاسلام، بل إن وزير الداخلية السابق والمقرب من ساركوزي صرح بأن «كل الحضارات ليس لها نفس المستوى»، وهو ما أيده الرئيس السابق، وهو تصريح كان يقصد الحضارة الإسلامية. في نفس الوقت، بعد الانتخابات، كل المؤسسات المنتخبة بفرنسا اليوم اصبحت بيد اليسار. بل ان الانتخابات التشريعية عرفت نجاح ثلاثة منتخبين من اليمين المتطرف وسقوط كل الصقور المقربين من ساركوزي والمقربين من اليمين الشعبي، كيف يمكننا أن نفسر كل هذا؟ علينا ان نكون حذرين إزاء نتائج الانتخابات الفرنسية، خاصة النسبة الكبيرة لعدم المشاركين في هذا الاستحقاق، ذلك أن عدم المشاركة في التصويت حطم كل الارقام. لكننا لا نعرف أي شيء عن أسبابه، وماذا يخفي وراءه، ولا أي توجه ايديولوجي يختفي وراء كل ذلك. علينا ان نكون حذرين من هذا العدد الكبير من الفرنسيين الذين لم يشاركوا. والوجه الثاني لهذه الانتخابات، هو ان الانتخابات التشريعية بفرنسا تسير دائما في اتجاه الانتخابات الرئاسية، فهي تدور حول الشخص، وهو تقليد منذ الجمهورية الخامسة، حيث يعطي الناس الاغلبية لرئيس الجمهورية. هذا تقليد فرنسي. لكن الانتخابات التشريعية والبلدية تمكن أيضا من إعطاء حكم على ما يقع على المستوى المحلي، مثلا المرشحين الذين تم انزالهم في بعض الدوائر تعرضوا للهزيمة. وهي انتخابات تعكس واقع القوى المحلية، حيث يتم رفض الشخصيات التي يتم إنزالها من طرف الأحزاب. من الملاحظ أن 4 من أبناء المهاجرين المغاربيين وصولوا إلى الجمعية الفرنسية، أي البرلمان، وهو امر لا يعكس التنوع الذي يعرفه المجتمع الفرنسي إذ أن عددهم يبقى محدودا، هل هو تأثير حرب الجزائر التي مازالت تزعج المجتمع الفرنسي كما ذكرت في احد كتبك، أم يمكننا تفسير ذلك بمعطى اخر؟ من المؤكذ أن القضية الكولنيالية لعبت ومازالت تلعب دورها في هذا المجال، لكن المرشحين الاربعة الذين فازوا في هذه الانتخابات هم من اليسار، ولا يوجد احد باليمين، والأربعة الفائزون لهم مسار نضالي بالحزب الاشتراكي الفرنسي. وهم من قدماء المناضلين رغم أنهم شباب، فكل واحد منهم له أكثر من عشر سنوات من العمل الحزبي، وانتخابهم يعكس عمل طويل الأمد بالحزب الاشتراكي الفرنسي. ولم يتم انتخابهم لتمثيل الاقليات او لتمثيل التنوع، بل باعتبارهم مناضلين داخل الحزب الاشتراكي. علينا أن لا ننسى هذا البعد، وهذا الاندماج عبر العمل السياسي، وهو نفس مسار أبناء الايطاليين والبولونيين والإسبان. لكن الوضع بالنسبة للمغاربيين عرف بعض التأخر. وهذا الاندماج عبر المؤسسات السياسية كان يجب ان يتم في عقد التسعينات. وهو أمر تأخر ولم يحدث الا في 2012، لكنه رغم ذلك حدث. وحدث ذلك مع اليسار الفرنسي، وهو تقليد بفرنسا، حيث يندمج المهاجرون اجتماعيا وسياسيا بفضل هذا اليسار، ولم يحدث ذلك مع اليمين، وعندما يحدث فإن الأمر يكون فوقيا وليس نابعا من القاعدة. توحي إلى ما قام به نيكولا ساركوزي سنة 2007 عندما انتخب رئيسا ؟ طبعا عندما عين ساركوزي رشيدة داتي ورحمة اياد، وهو أمر لا يعكس تجذرا في العمل السياسي، وهذا هو الفرق بين اليمين واليسار. بمعنى أن اليسار ما قام به هو نتيجة عمل بعيد المدى في القواعد، لكن هذا النوع من العمل لا يقوم به اليمين. وهذا هو الاختلاف بين هذين العائليتين، لكن هل ذلك يكفي أم لا ؟ هذا أمر آخر. ولا بد ايضا من رؤية رقم آخر، وهو عدد المنتخبين المحليين من اليسار، وهو عدد كبير جدا، ويوجد المئات من المنتمين إلى الهجرة المغاربية. والتمثيلية اليوم بالبرلمان هي جد مهمة حيث يوجد أربعة منتخبين من أصل مغاربي. وهذا أمر جد مهم ونقلة نوعية. هل ستعرف فرنسا، بعد 5 سنوات من خطاب معادي للهجرة وتضخم في القوانيين القاصية في مجال الهجرة، خمس سنوات من الهدوء والخطاب المسؤول في هذا المجال؟ علينا ان نتمنى ذلك، العلاقة مع الأقليات داخل المجتمع تكون دائما علاقة صراع في المجتمعات وليست علاقة انسجام. ومسار الاندماج داخل المجتمع هو دائما مسار صراع، سواء داخل المجتمع وأيضا على المستوى السياسي والنقابي، وما نتمناه اليوم هو ان نسمع خطابا مسؤولا، خطابا لا يفرق، أو خطابا يتهم جهة ما. والاندماج داخل مجتمعات الاستقبال يتم من خلال مسار الصراع. بالنسبة للهجرة المغاربية والإفريقية، فإن هذا التباعد يمكن أن يفسر بالعامل الكولونيالي في جزء كبير من هذه الظاهرة. ورغم ان هذا التأخر يتطلب جيل أو جيلين، فهو مسار سوف يحدث نظرا لعامل العدد والتجذر داخل المجتمع الفرنسي. خاصة ان هؤلاء الفرنسيين من أصل مغاربي يعيشون مثل الفرنسيين منذ جيلين أو ثلاثة أجيال، ولا أحد منهم يفكر في العودة الى البلد الاصلي، وأنا لا أعرف منهم من قاموا بهذا المسار. وحتى الذين يغادرون التراب الفرنسي، فإنهم يتوجهون نحو بريطانيا أو الولاياتالمتحدةالامريكية. هناك بعض الحالات تعود نحو المغرب أو الجزائر، لكنها لا تمس عددا كبيرا. هذا رأيي ولا اتوفر على احصاءات ولم ألاحظ موجة كبيرة للعودة نحو البلدان المغاربية وهم فرنسيون رغم انهم مرتبطين بثقاتهم وثقافة آبائهم وبلدهم الاصلي، ذلك أن الوفاء لهذه الذاكرة لا تعني العودة للعيش هناك. في الحوار الذي اجريته معك حول كتابك « 89 العربي» كنت متفائلا حول الربيع العربي الذي فاجأ أكثر من متتبع، هل مازلت متفائلا كما في بداية هذا الربيع أم ان الامور تغيرت؟ أنا لست بالمتفائل أو المتشائم. فقط قلت كانت هزة أساسية بالنسبة للعالم العربي من أجل ديموقراطية أكثر بالمنطقة، والتاريخ يتم عبر الهزات، وهو ما عبرت عنه في كتابي« 89 العربي». من المستفيد من هذه التحولات التي عرفها العالم العربي؟ هناك من يعتبر ان الحركات الاسلامية استفادت من ثمار هذه التحولات دون أن تكون المبادر أو المحرك لهذا الربيع؟ المجتمعات العربية تتكون من كل ذلك. هناك صراعات وتجاذبات وحركات دينية. هناك حركات المجتمع المدني وغيرها من المكونات. وهذا يخلق مجتمعات لا يمكنها أن تسير من خلال الإجماع فقط. هي مجتمعات تضم فاعلين يتصارعون من أجل السلطة، على المستوى الاجتماعي والثقافي، وهناك أيضا أقليات. ويحلم من يعتقد أن المجتمعات تسير بطريقة متناغمة وبإجماع وبالقومية. أنا لم اعتقد قط في ذلك، وبالنسبة لي هذا مجرد خطابات فوقية تغطي على الواقع، لهذا لابد من فهم هذا الواقع الذي يحتوي على صراعات سياسية،ثقافية واجتماعية. فيمكن للمجتمعات الديمقراطية أن تعرف تراجعا أو تقدما، ذلك أن الحياة الديموقراطية هي التعدد. نعم الديموقراطية ليست هي الإجماع، بل هي التعدد.