اجتاح الباعة المتجولون الحاضرة الإدريسية وأحكموا سيطرتهم المطلقة على الأماكن الحساسة وعلى شوارعها وساحاتها الرئيسية، في سيناريو فوضى لم يشهد له مثيل من قبل. أطنان من السلع المغربية والمستوردة وكل ماله علاقة بالتبضع، مطروحة في مختلف الممرات والشوارع المعبدة وفي مساحات كبيرة من الملك العمومي المحتل ليس بقوة الضرائب بكل أحياء السعادة وبن دباب وزواغة وبنسودة بشكل لافت للانتباه، وما تخلفه من ازدحام في عملية المرور بالنسبة للسيارات، حيث صار لزاما على الراجلين المشي والسير وسط الطريق رغم المخاطر. الكلام الساقط هو لغة المكان الأكثر استعمالا بين الباعة، والوسيلة المفضلة للتواصل دون اكثرات بأحد، ومشادة كلامية من حين لآخر نتيجة الازدحام المفرط، يؤكد محمد مواطن يقطن بحي السعادة، الذي وصف الوصول إلى مقر سكناه مساء بالأمل المفقود رغم قرب المسافة جراء الاجتياح الكبير للباعة المتجولين. وأصبح مدار بن دباب الذي تم تزيينه، مؤخرا، بنافورة على غرار باقي المدارات، مجزءا بفعل أن الحطة يتراوح ثمنها بين 20 و60 درهما للفراشة في سابقة مثيرة تستحوذ فيها على فضاءات عمومية والمتاجرة فيها، وتحول المتنفس الوحيد إلى سويقة لمنتوجات «الخوردة»، اختلط فيها الحابل بالنابل ولم يبق من الساحة سوى الاسم الذي ظل يتردد على ألسنة ساكنة المدينة. ولم تفلت من مد الباعة المتجولين المدارس والبنوك والمقاهي... وسط فوضى عارمة وأجواء مشحونة مما يؤثر بشكل كبير على ساكنة المدينة وزوارها، وحتى فضاءاتها الخضراء ومساجدها التي أصبحت أبوابها ومداخلها محاصرة وباتت تعيش على إيقاعات مختلفة بانتشار باعة الفواكه والخضر والملابس المستعملة ومستحضرات التجميل مجهولة المصدر، في تشويه كبير لجمالية المكان وتأثيرا على خصوصيته وطقوسه الدينية، أمام صمت السلطات المحلية لمنع هذه الظاهرة الغريبة التي أدخلت المدينة زمن السواقة. ولعل هذا المشهد الذي يقلق المواطنين هو نتيجة الارتجال والحلول الترقيعية التي اعتمدتها السلطات في محاولة لإسكات أصوات تسترزق بكل الأشكال غير المنظمة؛ وذلك ربما تفاديا لأي انزلاق قد تقع فيه إذا ما صعدت مواقف الردع ضد هذه الفئة العريضة التي لايتقن العديد منها سوى لغة الجهل، وأي محاولة رادعة ضدها قد تفضي إلى ثورة غضب يصعب وقف نزيفها!... ومن تداعيات سياسة غض الطرف عن الحالة الفوضوية التي آلت إليها مدينة فاس، انتشار الأسواق العشوائية والفوضى العارمة، واتساع رقعة الباعة المتجولين الذين تناسلوا في ظرف قياسي بشكل مهول، بات حديث الرأي العام الذي لايخفي امتعاضه من هذه السياسة «العوجاء»، حيث يرى أن اغتصاب الملك العام هو مساس بحرية المواطن، حيث أن حرية الفرد تنتهي عند حدود حرية الآخر. فهل بسياسة الفوضى والسيبة التي تعم كافة المدن المغربية تريد الحكومة النهوض بمسلسل الإصلاح والتنمية؟ وهل بمظاهر الفوضى تعول الدولة المغربية على إنعاش الحركة السياحية وجلب الاستثمارات الأجنبية؟ وهل بنشر الأسواق العشوائية تريد توفير فرص الشغل والقضاء على معضلة البطالة؟!...