موضوع شائك، ويحتاج إلى مهارة خاصة من أجل الخروج من المطبات التي يطرحها بأقل خسارة ممكنة. ودليلنا على ذلك أنه ليس أرضا غير مطروقة، إذ كلما أثاره باحث أو تطرق إليه طالب كلما أدرك أنه يمشي في حقل ألغام هائج تصنعه توترات الصراع بين «العقل» والتعلق الشامل بالمقدس الديني. ذلك أن أي «شبهة حياد ديني» عادة ما يترجمها الغلاة إلى مسّ وانتهاك للانتماء الديني، وهو ما يطرح إشكالات أخرى ترتبط ب»التكفير» و»الارتداد» و»إهدار الدم» و»المحاكمات».. يكتسي الرجوع إلى ثقافة الفعل الجنسي قبل نزول الوحي أهميّة فائقة، إذ نكاد نجزم بأنّها تنتمي إلى «التاريخ المظلوم» الذي أهمله الطهرانيون، وجعلوه قابعًا في سجن «التحريم»، ونجحوا في تطويقه بما لا ينبغي العبث به أو الارتياب في وقوعه، أي أحاطوه بالوقائع المقدسة التي ينبغي الولوج إليها بقدم إيمانية، لا تنشغل البتة بالسؤال. وبالتالي، فإنهم استطاعوا أن يضعوا لهذا التاريخ مسارات أخرى، وأعادوا إنتاجه في ضوء «ثقافة التحريم». فمن الذي سينتبه مثلا إلى أن عبد الله بن عبد المطلب- وهو أب النبي محمد (ص)- كان شاهدا على حادثة إغواء جنسي، وأنه كان عنصرا فاعلا فيها بما أنه كان موضوع للإغواء من قبل امرأة أسدية توسلت إليه أن «يقع عليها الآن»- أي أن يضاجعها، مقابل عدد كبير من الإبل، لكنه أبى، وعلل ذلك بقوله: « أنا مع أبي، ولا أستطيع مخالفته، ولا فراقه». ثم التقاها في اليوم الموالي في طريق عودته إلى قومه، فأعرضت عنه وأدارت له ظهرها، ولم تسأله أن «يقع عليها»، مما دفع به إلى الدهشة والاستغراب، وإلا لما كان اهتم بأن يبادرها بالسؤال: «مالك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي أمس؟». إن مثل هذه الحوادث التي يسجلها التاريخ، ولا يعترض عليها الفقهاء أو متناولي «الدراسات المحمدية»، تتيح لنا أن نضع الفعل الجنسي كموضوع في المكان الذي يليق بطبيعة النبي البشرية، دون إفاضة في محاولة تثبيت «الخارق» أو دحض عوالق اللامعقول. لنقل، تأكيدا، أن محمدا (ص) لم يكن شخصا عاديّا، ولا أحد يمكنه أن يدّعي خلاف ذلك، بمن فيهم «المستشرقون» أو هؤلاء الدين يؤطرون سرير النبي بأحكامهم المسبقة ويصطادون في المياه العكرة. لقد كان محمّد شخصا استثنائيًّا بكلّ المقاييس، لكن هل ينفي ذلك أنه رجل»أعرابي» جاء من عمق ثقافي ناتج عن تلاقح بين قيم الصحراء وقيم بيزنطة وفارس واليمن والشام؟ إن ما تقدمه لنا حكاية عبد الله بن عبد المطلب مع «الأسدية» يكشف بالملموس أن الفعل الجنسي في تلك المرحلة (حوالي 40 سنة قبل الوحي) يكشف بعض الحرية في ما تعيشه النّساء في علاقاتهنّ بالرّجال. كما يكشف أن المرأة الحرة كانت تفعل بجسدها ما تشاء، وأنها تراود من تشاء عن نفسها، وأن هذا السلوك يمثل، في نهاية المطاف، واقعا بنيويّا مألوفا. فلم يكن هذا الضرب من النكاح معيبا، مثله في ذلك مثل أنواع النكاح الأخرى (كالمضامدة أو الرهط)، عكس ما يمكن أن نقوله مثلا عن بغايا بيوت الرايات اللواتي ليست أجسادهن ملكا لهن، بل بضاعة لمن يستهلكها من الأسياد. ومن جملة ما تقوم بها النساء الحرائر في تلك الأوقات، كشكل من أشكال «التعبد الوثني» الطواف حول الكعبة وهن عاريات. إذ يُروى أن عبد الله بن جدعان- وكان من أثرياء قريش وأجوادهم- اشترط على زوجته ضباعة، لتنال الطلاق، أن تطوف عارية حول الكعبة. وكانت الزوجة «من أجمل نساء العرب، وأعظمهن خلقة، وكانت إذا جلست أخذت من الأرض شيئاً كثيراً، وكانت تغطي جسدها بشعرها».