موضوع شائك، ويحتاج إلى مهارة خاصة من أجل الخروج من المطبات التي يطرحها بأقل خسارة ممكنة. ودليلنا على ذلك أنه ليس أرضا غير مطروقة، إذ كلما أثاره باحث أو تطرق إليه طالب كلما أدرك أنه يمشي في حقل ألغام هائج تصنعه توترات الصراع بين «العقل» والتعلق الشامل بالمقدس الديني. ذلك أن أي «شبهة حياد ديني» عادة ما يترجمها الغلاة إلى مسّ وانتهاك للانتماء الديني، وهو ما يطرح إشكالات أخرى ترتبط ب»التكفير» و»الارتداد» و»إهدار الدم» و»المحاكمات».. دأب الفقهاء على «تنعيم» (من النعومة) طفولة نبي الإسلام، وإخلائها من «الشوائب الجاهلية»، فكانت سيرته كأنها «جلمود صخر حطه السيل من عل»، فلا تأثيرات سلبية على نشأته ما دامت «عناية الله» تلاحقه، وما دامت الساحة مهيأة لتلقيه في كامل لياقته الأخلاقية/ الإسلامية. مما يترك لنا الانطباع- حتى مع وجود الأحناف الإبراهميين- أن الإسلام سابق عن الوحي، وأن النبي (ص) ترعرع في بيئة إسلامية لا علاقة لها ب»أخلاقيات مجتمع ما قبل الإسلام». لذلك، من المهم أن نعود إلى «الفضاء الثقافي» الذي استقبل النبي (ص)، وحسبنا أن ننقل ما جاء في كتاب «السيرة: نبي الإسلام بلسان صحابته»: «حينما أدرك عبد الله، أصغر أبناء عبد المطلب، سن البلوغ، عزم والده على تزويجه من آمنة بنت وهب ابن عبد مناف. فتوجها معا إلى وهب ليطلبا منه يد ابنته. وفي الطريق، مرا على امرأة من بني أسد. فقالت له حين نظرت إلى وجهه: - أين تذهب يا عبد الله؟ فقال؟ - مع أبي. قالت: - لك مثل الإبل التي نحرت عنك ، وقَعْ علي الآن. قال: - أنا مع أبي ، ولا أستطيع خلافه، ولا فراقه. فخرج به عبدالمطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف، وطلب منه يد ابنته آمنه لابنه عبد الله. فزوجه إياها، ثم دخل بها عبد الله في ليلته فوقع عليها فحبلت منه بمحمد. في يوم الغد، وبينما كان عائدا إلى قومه، صادف عبد الله، مرة أخرى، المرأة التي كانت قد عرضت عليه نفسها بالأمس. لكنها أدارت له ظهرها، ولم تقل شيئا، فقال لها: - ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس؟ قالت له: - فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس لي بك اليوم حاجة. وبعد فترة قصيرة، خرج عبد الله إلى الشام للتجارة. وعند عودته، نزل عند أخواله بني النجار في يثرب. وهناك سقط مريضا فهلك قبل أن تضع زوجته، تاركا لابنه قليلا من المال. فلما وضعت آمنة طقلها ، أرسلت إلى جده عبد المطلب: - قد ولد لك غلام ، فأته فانظر إليه. فأتاه فنظر إليه وحمله بين ذراعيه. ثم جاء به فدخل الكعبة وقام يدعو الله، ويشكر له ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها، ثم التمس له الرضعاء كما جرت عادة عليه القوم حين يولد لهم غلام. ثم ذبح جديا وسمى المولود الجديد محمدا. فاندهش القوم لذلك، وسألوه: - لماذا سميته محمدا؟ لماذا لم تعطه اسما من أسماء أجدادك؟ فرد عليهم عبد المطلب: - أريده أن يكون محمودا في السماء، ومحمودا من ناس الأرض. وقد خرجت حليمة- مرضعة النبي- من بلدها مع نسوة من قومها [ بني سعد بن بكر] حتى قدمن مكة يلتمسن الرضعاء ، وذلك في سنة شهباء ، لم تبق لقومها شيئا. كانت حليمة على أتان لي قمراء مع زوجها ، وابن لها صغير ترضعه، معهم شارف [ناقة عجفاء] لهم ما تبض بقطرة حليب. ولم يكونوا ينامون ليلهم من الصبي الذي معهم، من بكائه من الجوع ، فما في ثديها ما يغنيه ، وما في الشارف ما يغذيه، ولكنهم كانوا يرجون الغيث والفرج. فلما دخلوا مكة ما من امرأة إلا وقد عرض عليها محمد بن عبد الله فتأباه ، إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك أنهن إنما كن يأملن المعروف من أبي الصبي. فما بقيت امرأة من المرضعات قدمت مكة إلا أخذت رضيعا سوى حليمة، فلما أجمعوا على الانطلاق ، قالت لزوجها: - والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم أخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلأخذنه. فقال لها الزوج: - لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.