تكره اللغة السوداوية والأسلوب المتشائم ولغة اليأس والتيئيس، تكره البيت القائل: تعب كلها الحياة، فما أعجب إلا من راغب في ازدياد ... لا... هي إنسانة جد متفائلة، والعينان تعبران بالابتسامة عن هذا التفاؤل.. وهذا الطموح... وهذا الحب اللامشروط لهذه الحياة رغم الكآبة في السماء والأسى لدى الآخرين.. قد يكون الغيب حلوا، إنما الحاضر أحلى.. هذه فلسفتها في حياتها اليومية... إنسانة بشوشة في طيبوبتها، وطيبة ببشاشتها، قوية في هدوئها، وهادئة في قوتها.. هكذا هي كما نعرفها، إسمها منى فتو، اسم أنجبته مدينة الرباط من عمق تاريخها وحيوية بهجتها ولطافة سكانها... اجتماعية بطبعها.. وما أسهل تأقلمها في المجال إذا أرادت بمحض إرادتها، دون أن تخضع لأي أمر أو قرار... تحب الحرية بمسؤوليتها ومروءتها.. وتقول لا للقمع والتسلط وإعطاء الدروس الأخلاقية بالمجان.. فنانة أنيقة، صريحة، صادقة.. تقول ما في سريرتها صراحة وجهارا، ولا تخشى في ذلك لومة لائم... بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والأسود، بالجدية وشيء من الشغب، تصطحب ظلها لمواجهة المجهول.. لمجابهة المثبطات، لعناق الآمال، ودائما تحمل في كفها وردة أو زهرة، فهي تكره الفراغ... إن الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه... وحين يكون الشعور هامدا والإحساس ثابتا، يكون الوعي متحركا... وعي بأن الحياة خير وشر.. مد وجزر.. مجد وانحطاط... ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح... تكون الطريق المؤدية إلى النتائج المتوخاة... وتقول منى فتو: لا تهمني الحفر ولا أعيرها أي انتباه... فنانة ذات إحساس مرهف، تعشق اللقاءات، حيث الليالي ضاحكات والنقاشات تمنح معنى الحياة.. منذ بداية البدايات، كشفت عن موهبة تمتلك قدرة العطاء، وظلت دائما ودوما متمسكة بتفردها وتميزها.. حين تنضج عناقيد الغضب في حقل الروح والوجدان، تبحث عن عزلة مع كتاب هروبا من مدينة تعج بالفوضى والمتسولات بالأطفال... تهرب من أولئك الذين يسرقون الخبز من أنامل الصغار وتتجنب دموع اليتامى لتتفادي بكاء الأرامل... لكن الواقع هنا والآن.. مضطرة أختك لا بطلة، لتمد يد المساعدة هنا وهناك، فالإنسان له ضمير.. والفنان له إحساس، وعلى الإنسان الفنان أن يصارع الأمواج والإعصار... فهذا واجبه.. وهذه مهمته.. وإلا فليرحل عن هذا العالم الذي هو في حاجة إلى المواقف النبيلة والمبادئ الحقيقية وشيء من التضحية.. هكذا نرى صديقتنا منى ترى الأشياء... وهكذا نتصورها تتصور العالم الذي نحن فيه.. فليخجل من أنفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون.. نترك لكم التين ودعوا لنا الزيتون شافاكم الله؟! بين التين والزيتون وطول السنين، لم أسمع منى فتو تشتكي من هذا المخرج أو ذلك المنتج أو هما سيان.. العفة هي سيدة الميدان.. وقفت فوق الخشبة وقالت كلماتها بالروح والجسد والوجدان، وصفق الجمهور وعلى الدنيا السلام.. منى تكره لغة الاحتجاج والبكاء وتنساق مع تيار الصبر والسلوان.. هكذا هي.. مزهرية محرومة من الحديث عن الورد... السينما بالنسبة إليها متعة ومحنة، والمسرح فن إمتاع الذات وسط الجماعة، والفرق بين المسرح والسينما هو الفرق بين الوالد والوالدة... أسوأ ذكريات صاحبتنا مرتبط بالأحسن، وأبشع ما في العالم ليس هو ثقب الذكريات، بل موت الملايين من الأطفال عبر بقاع الأرض بالأمراض والجوع.. منى فتو ليست متمردة، بل هي أقوى وأجمل من التمرد.. حسب تقديرها، فالفيلم الجيد هو الذي يبقى بعد زوال «مجد» الفيلم الرديء، وإذا كانت السينما هي الحياة، فالفيلم الجيد هو حاء الحياة... أما الجائزة فلن تكون إلا طامة عظمى على من ينخدع بها. منى تعشق الحدائق والبساتين وزرقة البحر تحت النجوم... لا تطيق حرارة الشمس، بل ترتاح حين تكون الشتاء خيطا من السماء.. اقتحمت عالم التمثيل بدعم كبير من الموهبة، وعاشت الخيبات ولم تعرف الفشل.. فالخيبات، كما تعلمون، ليست بالضرورة فشلا؟! حين يعلوها الشك، تتساءل ماذا لو تركتُ المجال؟ ثم تصحو من رماد القرار... ها أنا باقية إلى أن يرفضني صاحب القرار... إنه الجمهور، ولا أحد سواه... اطمئني يا صديقتي، فالجمهور يكن لك الحب الصافي الصريح! حين تهجر العصافير أعشاشها تجد الفنانة متعة وراحة في سماع موسيقى الشعر، والشعر في الموسيقى... آه، كم تحب النكت.. وكم تتفنن في حكيها!.. «سلوى» في «حب في الدارالبيضاء» نقلت بقوة صادقة الحالة النفسية أمام قساوة الأب... زكية في «نساء... ونساء» كانت المحركة الأساسية والمحورية للسرد السينمائي... دون أن ننسى وجودها القوي والمتميز في دور «صفية» في «جوهرة بنت لحبس» ومَنَّى في شريط «عطش» دون أن ننسى دورها الطلائعي في «البحث عن زوج امرأتي» وكيف عبرت تعبيرا عميقا عن صورة التمزق الداخلي.. وفيلم «طريق لعيالات» وأشرطة أخرى سينمائية وتلفزيونية. وكيف لي أن أنسى بأن الاحتفاء بك في دورة من دورات مهرجان خريبكة.. ما هو إلا حق مستحق.. فأنت تستحقين ألف التفاتة وألف تحية وألف احترام وألف تقدير..