تشييع جنازة الراحل محمد الخلفي إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء بالبيضاء    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم " أصدقاء فرانكو" أو خيبة " ريكولاريس "

عرفت رحاب سينما "أبينيدا " بتطوان يوم السبت 28ستنبر من السنة الجارية عرض فيلم قصير من إخراج مصطفى الشعبي . إنتاج شركة أسماء فيلم . قصته تدور حول الجنود المغاربة الذين جندهم فرانكو للقتال في صفوفه ضد خصومه السياسيين. لقد أدى أدوار هذا الفيلم ثلة من الممثلين هم على الشكل التالي :
جمال العبابسي في دور البطولة ،محمد شاربة، محمد كميلي ، حسن الشويخ ، فريد أمغار ، كريم أبرنوص ، محمد الدحمان ، مصطفى المودن ، علي الزباخ.
يحكي الفيلم وبلغة سينمائية أنيقة مسار ثلاثة جنود مغاربة قيض الحاكم المدني بتطوان إطلاق سراحهم من السجن مقابل قبول انخراطهم في صفوف جيش فرانكو وهي الفئة العسكرية التي كانت تسمى ب"ريكولاريس ". من السجن إذن إلى جبهة القتال في اسبانيا خلال الحرب الأهلية التي تواجه فيها معسكرين ، المعسكر الأحمر الذي كان يضم الاشتراكيين والفصائل اليسارية التي وصلت إلى الحكم بطريقة ديمقراطية والذي يمثل خيار الجمهورية الديمقراطية، في مواجهة معسكر اليمين المحافظ المتحالف مع الكنيسة والذي سيتزعمه فرانكو انطلاقا من التراب المغربي وبالضبط من مدينة تطوان .
تقول المصادر التاريخية أن عدد الجنود المغاربة الذين جندهم فرانكو في هذه الحرب الأهلية بلغ 150 ألف مقاتل أغلبهم من الأطفال وهذه معضلة أخرى .نعود الآن إلى سياق فيلم مصطفى الشعبي .
يمكن النظر إلى هذا الشريط القصير باعتباره دلالة قوية على ميلاد مخرج حقيقي من بين وعورة المراس والهامش الإبداعي الذي لايكف عن مفاجأة المهتمين بالظاهرة الإبداعية ككل. إنه حدث فني أثار إعجاب الحاضرين الذي ملؤوا القاعة لكي يكتشفوا مهارة مخرج وأداء متميز لممثلين شاركوا إلى جانب الممثل المقتدر جمال العبابسي الذي ملأ الشاشة بظله الموغل في الجمالية والصورة المعبرة عن ذات تتقن إنتاج الشخصية من داخل عمقها الإنساني .
الفكرة التي أخرجها الشريط إلى حيز الحياة هي مأساة فئة من أبناء هذا الوطن الذين اقتيدوا بشتى الأساليب لكي يقفوا إلى جانب خيار سياسي سيضمن للكنيسة ترسيخ وجودها في اسبانيا.إنها ظاهرة فريدة من نوعها في تاريخ أوروبا أن يشارك المسلمون في حرب تتزعمها الكنيسة المسيحية،حيث تدل المعطيات التاريخية على أن المغاربة قاتلوا بشجاعة نادرة جعلت اليمين ينتصر على الجمهوريين ويضمن بذلك توجيه اسبانيا لكي تكون حليفة للنازية والحركات المضادة للخيار الديمقراطي .
الفيلم هو مبادرة شجاعة حاولت تسجيل نقطة البدء ، سينمائيا ، للنبش في هذا الحدث التاريخي الذي قلما تناولته السينما بالمعالجة الفنية سواء من الجهة الاسبانية أو الجهة المغربية باستثناء بعض الأفلام التسجيلية التي يغلب عليها طابع التأريخ والتوثيق أكثر من هاجس الإبداع والمقاربة الجمالية .
حينما نتابع أداء الممثل جمال لعبابسي وهو يؤدي إلى جانب ممثلين آخرين بطولة هذا الفيلم نقف على قدرة جسد الممثل المقتدر على حمل الفكرة وتشخيص الحدث. لقد ظل البطل الذي تصوره الكاميرا باعتماد أسلوب الفلاش باك ، ينتقل من لحظة الشباب والحرب لكي يعيده المخرج إلى لحظة المهانة والتهميش والطرد من الذاكرة الحربية الاسبانية وذاكرة البطولة المغربية . يقف الشريط على الخصوصية الثقافية لهؤلاء المجندين الذين سرعان ما سيجدون أنفسهم في الغربة التي تضاعفها حرب لا يعرفون فيها عدوهم هذا الذي قيل لهم أنه قبيح ومخيف وينبغي تدميره قبل أن يبتلع اسبانيا وبعدها المغرب المسلم .
ينكشف الإنسان في مواجهة الفراغ ولا يجد من سند لحماية نفسه من الانهيار سوى المناداة على أصوله الأولى. هكذا كان يتحدث كل واحد من الممثلين وهم يؤدون أدوار مغاربة جيء بهم إلى هذه الحرب القذرة من كل جهات الشمال المغربي ونسبة قليلة من الجنوب. هناك ابن الريف الذي قاد أهله حربا تحريرية نوعية ضد الاسبان يتحول إلى مجرد جندي بسيط في صفوف ريكولاريس ، لا يتردد المخرج عن الكشف عن ماهيته الجريحة عندما جعله يحاور نفسه بلغة أمه أي الأمازيغية، لكي يقول للمشاهد إنني هنا أقاتل إلى جانب أناس كنت بالأمس أقاتلهم بدون استثناء . هنا يقف ممثل آخر لكي
يتحدث مع صديقه الريفي بلهجة جبلية شمالية لا تختلف ملامحها عن ملامح لغة ريفي ينتميان معا لتربة واحدة وجذر تاريخي ينغرس في البطولة ومواجهة الموت بثبات عظيم حير مختلف المتخصصين في الحروب .
لقد قدم المخرج لوحة فنية متكاملة حين سمح للصور بأن تكتب لوحدها قصة الفيلم. اهتمام المخرج كان منصبا على تشغيل جسد وملامح الممثلين لكي يخطوا بها المشاعر والآلام التي تقطع أحشاء هؤلاء الذين ذهبوا إلى هناك في غفلة منا وطواهم النسيان ودخلوا في دائرة الممنوع تذكره.
الفيلم هو في الحقيقة إعلان عن ميلاد مشروع سينمائي بمدينة تطوان يحمل معه أصحابه رؤيا فنية حداثية تغرف من معين الأدوات السينوغرافية والحكي المحبوك بتقنية الصورة المتعددة الأبعاد والصوت الصافي الذي يلتقط أدنى حركة تقع في المشهد وكأن المشاهد يتابع حركة حقيقية داخل وسط لا ضجيج فيه .
ينطلق الفيلم من حيث انطلقت القصة الحقيقية في زمان حدوثها الأول ، معتقلون مغاربة مقيدون يتم عرضهم على الحاكم المدني بمدينة تطوان الذي سيخيرهم بين البقاء في السجن لإنهاء العقوبة المحكوم عليهم بها لأنهم من الشباب الذي كان يتظاهر ويصيح ضد الاحتلال أو الحصول على الحرية التي هي بدورها تصبح مشروطة بقبول الانخراط في
صفوف " ريكولاريس "للقتال إلى جانب فرانكو ضد أبناء وطنه .
لا يشعر المشاهد بالفجوات الزمانية التي تغطيها كاميرا المخرج بديمومة حدسية خاطفة غير مرئية. المخرج حريص على أن يبقى ممارسا لهواية مداعبة هذا الزمن السينمائي الذي تطرحه الأفلام التي تشتغل على التاريخ وتحتفل بالذاكرة . يمارس المخرج رهان السيطرة على هذا المنفلت عبر استعمال تقنيات بسيطة تجعله طيعا منقادا لإرادة تكييفه مع الحالة السيكولوجية للشخصيات التي تنتج دراما الحدث.
الفيلم ، فنيا ، يشتغل بين زمنيين ، زمن الحرب أي الحدث الأول الذي سيصنع المسار التراجيدي لتطور حكاية الجنود المغاربة ، وزمن الحياة بين الأهل بعد انقضاء زمن الحرب وضياع الأصدقاء الذين سيسقطون هناك بعيدا عن الوطن وفي حمأة اغتراب كئيب لا يمكن تضميده سوى بالحكي المسترسل لهذه الذاكرة التي تأبى النسيان .
جمال العبابسي هو ذلك الجسد الذي سيحمله المخرج عبء إنجاز حركة الزمن بين هذين المحورين ، أو هو الرسول الذي ينقل للمشاهد وقائع رحلة أليمة ومؤلمة في التاريخ المشترك بين المغرب واسبانيا في القرن العشرين . يقودنا المخرج رفقة هذا الممثل الذي يجسد شخصية أحد الجنود المنبوذين بين متاهات دور سكنية آيلة للسقوط بلغة استعارية تحيل على ذاكرته التي هي بدورها ساقطة في النسيان لامحالة ،بل يصعد بنا لكي ننجز نحن بدورنا خطابنا الداخلي الذي لا يمكن أن يصمت وأنت تتابع البطل وهو بصدد مسح جدران تلك الغرفة ببصره الفاحص لثنايا هذه السبورة البيضاء التي
سيدفن فيها صاحبنا مأساته وعقم اعتراف الآخرين به . إنها غرفة زنزانة ، لاتكفي جسده ولا تقوى على حمل زاده من الذكريات التي تمثلها تلك الصور المتعددة المثبتة على جدران هذه الغرفة المتحف التي اكتراها لكي يندس بدوره داخل حي سكني بلدي ، عتيق يؤرخ بدوره للهجرة الأندلسية ومرارة الطرد والخروج من الفردوس إلى مكان النفي بين فضاءات يعمها الخوف وتعانق البيوت وحدتها في شكل خاصرة متمنعة عن الاقتحام وكأنها تحتمي ببعضها البعض ضد هجوم عدو محتمل . هنا سيجد الجندي المغربي العائد من حرب فرانكو ملجأه بين هذه الدور المنكمشة على لحمها والحريصة على
إخفاء عظامها داخل أزقة ضيقة ونوافذ تشبه عيون نساء متحجبات لا تمنح الرؤيا إلا لمن هو في الداخل أما المتجسس من الخارج فلا يرى سوى البياض واللبس .
هناك حضور لهاجس الجمالية ضمن دراما الحدث ، وهو الأفق الذي ظل راسخا يوجه تصوير لقطات من ترحال البطل بين موت الأصدقاء في جبهة الحرب وبين رحيلهم وهو شيوخ تلفهم دروب المدينة القديمة بهالات الجهالة والاغتراب المضاعف ، وآخرين يمنحهم البطل ما تبقى من نياشين جيش فرانكو بعدما يئس من البحث عن الاعتراف وبحتمية الموت القادم الذي طوى كل رفاقه وهم عبارة عن نكرة في ذاكرة تنتقي ما يعجبها لكي تنسى وتمسح ما يؤلمها.
يصعد المخرج بممثليه من جحيم الحرب إلى جبل درسا المطل على مدينة تطوان لكي ينجز فرجة اكتشاف رحابة الوطن رغم قساوة الذاكرة وجفاف الاعتراف ببطولة غير مرغوب فيها . من هذا العلو تتحول المدينة إلى مايشبه سفينة هي بصدد الاضمحلال في الآفاق البعيدة للبحر ، وهي صورة تطابق ما يمور في خاطر محاربين بقيا على قيد الحياة يتابعان انفلات الزمن أمامهما ومنهما وكأنه سحاب عابر للفصول لا يلوي عليه سوى الصياح بأعلى صوت للتخلص من ضيق المعنى وغموض الرؤيا والمصير البئيس لرجال حولتهم الحرب إلى ثقوب تسمح للمؤرخ بأن يرى منها كم هي لعينة هذه السياسة التي
تصور الشر خيرا لكي تقود البسطاء نحو ارتكاب الفظائع باسم قيم مسلوبة الدلالة .
الفيلم هو كتابة سينمائية بلغة بسيطة ومعبرة ولمدة ثلاثين دقيقة عن عالم كبير تسكنه كائنات نسجت فيه أحداثا وعبرت فيه أمكنة وسقطت فيه أرواح وخربت فيه الدور والقناطر والمساكن ، وانهمرت فيه الدموع مدرارا ، واختلط فيه الدين بالسياسة والاستعمار بالبطولة والموت بالشجاعة والسقوط بعودة الذاكرة إلى الحياة . إنها السينما التي تحول الهامش المهمل إلى حالة رسمية صادمة لوعي متآمر مع النسيان .
ينزل البطل جمال العبابسي من قمة الجبل كما تنزل النسور لما تستشعر بوادر الموت وهي تدب في عروقها معلنة بداية الفناء ، بل يعود المخرج مصطفى الشعبي لكي يكشف عن هذه القدرة على السفر في الزمن بسلاسة متدفقة كنهر دائم الجريان دون أن يخدش انسياب خيال المتفرج الذي ظل يساير هذا الانتقال من فترة إلى أخرى بنوع من التعاطف والفناء في هذه الشخصية التي تقمصت بفنية عالية ذلك التطابق الذي نادرا ما يحدث سينمائيا بين البطل التاريخي وزمن الحدث الذي يشخصه بتجاعيده وملامحه المتغيرة وانحناءات جسده وإيقاع مشيته ، ونبرات صوته ونوعية نظرته التي ترسل
الإشعاع المناسب للحظة المناسبة .
لقد صمت المشهد لكي يترك للبطل فرصة الحوار مع غرفته التي عليه مغادرتها بعدما عجز عن أداء واجبات الكراء . صاحب الغرفة لا يعرف البطل ولا تهمه معرفته ، إنه شبيه المترجم الذي كان يمرر أوامر الحاكم المدني لهؤلاء الشباب دون أن يلتفت إلى ما تعنيه تلك الأوامر من إخلال فظيع بحرية الناس واعتداء شنيع على خياراتهم في الحياة بل ولا يهمه من هم وما نتائج هذه الأوامر على مستقبلهم ، إنه مجرد آلة تترجم كلاما بدون أن تلتفت إلى معانيه ورهاناته ومخاطره بالنسبة لشباب مغربي مظلوم ومصير أسره بل ومآل بلاد بأكملها .
يحتفي المخرج بهذه اللحظة باحترافية عالية خاصة عندما يترك الممثل جمال العبابسي يبدع في تجريد غرفته من الصور التي تؤرخ لمشاركته في الحرب الأهلية الاسبانية بنوع من الانضباط لزمن الحكي وطبيعة الحدث الذي يصل بمسار الدراما إلى قمتها أو أوجها العبثي . يبدأ البطل بانتزاع صوره من جدار غرفة رفضت احتضان تحفه التي تؤرخ لبطولة أصبحت بدون قيمة أمام العقار الذي سيصبح هو اللغة الجديدة لهؤلاء الذين لم يعرفوا حربا ولا شاركوا في ثورة بل ظلوا يتحينون الفرص لكي يكدسوا الأموال ويطردوا الفقراء من بيوتهم لإعادة ترميمها وبيعها في مزاد علني لا يعرف
ثقافة التأريخ ولابطولات الرجال .إنها قمة الإبداع في هذا الفيلم القصير حجما لكن الطويل دلالة وسفرا .
ينتفض البطل المتقاعد بدون هوية ضد الهوان والمهانة والسقوط ويقسم بأن يغادر هذه الغرفة الوحيدة التي تأويه من تشرد حتمي وهو في أرذل العمر.تظل كاميرا المخرج تصغي السمع إلى هذا الحديث بدقة متناهية وتلتقط بهدوء منضبط سمفونية الموقف من خلال تفاصيل وجه البطل وهو ينفث ما تبقى من روحه المهترئة على هذا الغرفة التي ستكون آخر قلاع صموده في حياة الحرب وحرب الحياة .
من صوت المترجم الذي يترجم أوامر الحاكم المدني بنوع من الإخلاص إلى نبرته الحادة ومحاولة تجسيد صوته وإيقاعه بنوع من التماهي بهذه السلطة التي ترسم المسارات لأفراد سيؤسسون لجيل من المحبطين بعدما صنعوا مجد الآخرين .من هذا الصوت ينقلنا المخرج إلى صوت سمسار الكراء الذي لايختلف عن الصوت الأول، إنه يترجم إرادة سيده الذي يوجد في مكان ما بعيدا عن هذه الحياة العادية التي يتقاتل فيها الاحتجاز بين مخالب الضيق المكاني والاعتصار تحت جبروت الآلة الزمانية التي لا تناسب هذا المكان الأصم .
يقف المشهد هنا وكأنه يحيي ثورة هذا الجندي المنسي وهو يقتلع صوره من جدارهذه الغرفة العاقة التي تنفذ ضده حكم أصحاب الوقت الجدد الذين يقدسون المال ولا يلتفتون إلى المثال أو القيمة أو الحقيقة التي هي إيقونة متخفية في تجاعيد الرجال وبكاء الأرامل وحزن الأيتام . يستمر البطل في لملمة صور الشباب وهو في بدلة الجندية والسلاح ومعانقة الرفاق الذين رحلوا ، لكي يمر إلى ثنيها وتكويرها وحزمها وكأنها لن تعرف التمدد أبدا لأن جدار الإعلان قد سقط بدوره من تحت قدميه وأمام عيونه. هنا تظل الكاميرا تكتب لوحدها تفاصيل اللقطة صوتا ونفسا وحركة وتفاعلا
بين نظرات الممثل وبياض الجدران وانهزام صور الحرب أمام صوت صاحب الغرفة الذي يريد مالا وليس ذاكرة.
يخرج البطل الشيخ لكي يرمي بنفسه في دروب مدينة تعشق أزقتها الالتواء والتيهان في منعرجات قد تقود إلى مخرج وقد تحتفظ بك في جوف مساربها التي تعيدك باستمرارا إلى تاريخ مشترك بين بلدين قريبين كجغرافية وبعيدين كوجدان .
قبل ذلك يعرج البطل على بيت صديقه في السلاح الذي يتوسط جثمانه فناء بيته وأصوات قراء القرآن تحيطه بدلالة الموت العادي في زقاق بسيط .يسلم ابن المتوفى نياشين والده الذي أوصاه بأن يسلمها بدوره إلى صديقه بطل الفيلم ، الذي سيسلمها وهو في طريق خروجه من المدينة التي طردته،إلى أحد ضحايا هذه الحرب الذي هوعبارة عن شيخ معوق يتنقل على كرسي متحرك لكي يضعها على صدره ويترك للمشاهد استنتاج دلالة وجود الراية الوطنية متبثة على واجهة هذا الكرسي المتحرك الذي يحمل صدر صاحبه وساما فرانكاويا .
لقد أنتجت تطوان في شخص المخرج مصطفى الشعبي صورةسنيمائية تشي بأن هذا المخرج العصامي والشاب يحمل في خياله مشروعا فرجويا يستحق الالتفات والدعم حتى لا يضيع عطاؤه ك"ريكولاريس" في هامش يحب الصعود إلى القول الجريء والنظرة المغايرة .
إنجاز : عبدالإله حبيب/ تطوان

ملخص فيلم أصدقاء الجنرال فرانكو( ريكولاريس)

أصدقاء الجنرال فرانكو قصة خيبة وبتر وألم لجيل بكامله. يحكي الفيلم قصة ثلاث سجناء مغاربة خلال فترة الحماية الاسبانية يتم تحريرهم بشرط تعزيز جبهة فرانكو ضد أعداء الجمهوريين. الوعد والحلم كانا أن يعودوا بما يمكنهم من العيش الرغيد في بلدهم، لكن واقعهم كان أبعد ما يكون عن ذلك: لقد انتهوا مهمشين ومحرومين من كل شيء إلا من ذكريات آلام الحرب المشتركة. رحلوا بحثا عن حلم سعيد وانتهوا في حضن ذكريات الألم وواقع الانهيار.

SYNOPSIS du film Les amis du général Franco (regulares)

Les amis du général Franco est l'histoire d'une amputation physique, psychologique et sociale de toute une génération. Trois prisonniers marocains, sous le protectorat espagnol, sont libérés pour aller lutter contre les ennemis de Franco en Espagne : la promesse était qu'ils reviendraient aisées chez eux, la réalité est qu'ils finissent dépourvus de tout sauf de souvenirs d'une guerre qui les a fortement marqués. Le rêve heureux du départ ne servait qu'à aggraver le désenchantement final.

الممثلون : CASTINGS

جمال العبابسي JAMAL LAÄBABS I
محمد شارية MOHAMED CHARIA
محمد كميلي MOHAMED GUEMILI
حسن الشويَّخ HASSAN CHOUIAKH
فريد أمغار FARID AMGHAR
كريم أبرنوص KARIM ABARNOUS
محمد الدحمان MOHAMED DAHMAN
مصطفى المودن MUSTAPHA LEMOUEDEN
علي الزباخ ALI ZBAKH

الفريق التقني Equipe Technique

قصة وإخراج : مصطفى الشعبي ECRIT et Réalisation PAR : MUSTAPHA CHAÄBI
سيناريو و حوار : جمال أبرنوص SCENARIO ET DIALOGUE : JAMAL ABARNOUS
إدارة الإنتاج: أسماء الغلبزوري Direction de Production :ASMAE
EL GHOLABZOURI

/ الآلات محمد العمراني Mohamed alamrani Machinerie

الصورة: مصطفى الشعبي IMAGE : MUSTAPHA CHAÄBI
مساعد المصور: مجيد أولاد الحاج Assistant Photographe : MAJID AOULAD EL HADJ
كاستينغ: فريد أمغار CASTING : FARID AMGHAR
الصوت: الخاضر أولاس SON : EL KHADER AOULASS
الإنارة: محمد المرابط ECLAIRAGE : MOHAMED EL MORABIT
الديكور: محمد سعدون DECORE : MOHAMED SAÄDOUN
الملابس: نوفل COSTUMES : NAOUFAL
إكسسوار محمد الكنوني ACCESSOIRS : MOHAMED EL GUENOUNI
ماكياج : جليلة الوالي MAQUIAGE : JALILA EL OUALI

Tél 0021266.139.194هاتف
Siége :
Mustapha CHAABI
3 Avenue Moulay el Abasse
Quartier Scolaire
Tétouan 93000
Maroc


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.