حوالي الساعة الثالثة إلا ربع بعد الزوال، أقلعت الطائرة التابعة للخطوط التركية من مطار محمد الخامس بالدار البيضاء في اتجاه أربيل. الرحلة تجاوزت سبع ساعات، قبل أن تحط بمطار إسطنبول حيث علينا أن نأخذ طائرة أخرى باتجاه مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق، الذي يتمتع بالحكم الذاتي منذ مارس 1970 . قضينا بالطائرة وقتا ممتعا. كانت ترافقني المخرجة السينمائية سندس الزيدي والفاعلة الجمعوية شامة بن دوم. وكنا مقبلات على تجربة جديدة في بلد عريق آمنت بقضيته أنا وشامة منذ الثمانينات، وتضامنا مع شعبه بكل ما أوتينا من عنفوان، مؤمنات بحقه في تقرير مصيره، وتحاملنا على من حاول اجتثاثه بالكامل من أرضه، خاصة ضد ما قام به الديكتاتور صدام حسين. كان الفلسطيني المناضل واصف منصور قد زودني بخارطة طريق لزيارة باقي مدن العراق، من الموصل إلى سامراء، إلى بغداد إلى المدائن فبابل فكربلاء فالنجف. كنت مستعدة لأن أترك جلدي في عملية الاكتشاف تلك، فالأفضل أن يموت الإنسان وهو عارف على أن يموت جاهلا. وكنت أومن إيمانا راسخا بقولة شائعة في المغرب تقول «من جال خير ممن عاش طويلا»، ومما لا شك فيه أنها قولة حكيمة. غير أن جميع أصدقائي كانوا يخيفونني من الذهاب إلى العراق، متحدثين عن المشاكل الأمنية الموجودة هناك، والصراعات العرقية وبين الفرق الدينية. لكنني كنت أصر على موقفي، متوسلة بحس المغامرة لدي، معتبرة أن هناك موتا واحدة، وأن لا فرق بين أن أموت في أحد التفجيرات في العراق أو بسكتة قلبية أو تحت مشرط الجراح في إحدى العمليات الجراحية. هذا ما دفعني إلى التشبث حتى آخر لحظة بالذهاب إلى العراق بعد انتهاء المؤتمر الذي ذهبنا للمشاركة فيه، وهو المؤتمر الأول للتجمع العربي لنصرة القضية الكردية. عندما وصلتني رسالة تيسير الألوسي من هولندا يدعوني فيها إلى حضور المؤتمر، كنت في زيارة لابنتي رانية بغرناطة، وكنت أعاني من آلام مبرحة في رجلي اليسرى، إلى درجة أن ابنتي اضطرت إلى كراء كرسي متحرك والقيام بدفعي عبر أزقة وحواري غرناطة، حتى أتمكن من زيارة أهم ما يوجد في تلك المدينة التي كانت آخر قلاع العرب في الأندلس. عندما عدت إلى المغرب، وكانت سندس الزيدي تسكن معي في البيت، كلمتها في الموضوع، فسألت إن كانت هناك إمكانية لتذهب معي. اشتعلت بارقة في دماغي. فقلت: «فعلا أنت مخرجة سينمائية وذهابك إلى هناك سيكون مثمرا لك ولهم، سأتصل بالألوسي وأرى.» ولم أكد أبعث الرسالة حتى توصلت بالرد كما توصلت سندس برسالة مماثلة، وقبل مغادرة المغرب ببضعة أيام، كنا جالسات ثلاثتنا نتحدث، فاقترحت شامة الذهاب معنا، فهي تتقن اللغة الفرنسية ويمكنها أن تكتب شيئا عن الكرد بهذه اللغة، كما أن لها علاقة بالسياحة ويمكن أن تقدم شيئا في هذا المجال. نظرت إليها نظرة مشفعة بالأسف وقلت، سأحاول أن أفعل شيئا. وكتبت رسالة أخرى أقترح فيها شامة، فوصلني رد بالأسف، ثم بعدها بيوم واحد وصل رد بالقبول. وهكذا ذهبنا ثلاثتنا، ورابعنا كان هو ميمون الطاهري، أستاذ جامعي بالناظور، في حين لم يذهب شخص خامس كان مدعوا، وكان هو السبب في تعارفي مع تيسير الألوسي، هو عبد السلام الفيزازي الكاتب والأستاذ الجامعي بجامعة ابن زهر بأكادير. التعريف بكردستان العراق كردستان الكبرى مصطلح سياسي يستعمله القوميون الأكراد للتدليل على منطقة جغرافية كبيرة ممتدة في عدة دول تضم الكرد. تضم كردستان الكبرى أربعة أجزاء رئيسية تطلق عليها كردستان تركيا وكردستان إيران وكردستان العراق وكردستان سوريا، فضلا عن أطراف صغيرة على الحدود الجنوبية لأرمينيا. وتعترف إيران والعراق بمنطقة كردية على أراضيهما، أما سوريا وتركيا فلا تعترفان بذلك. أكراد العراق هم جزء مكمل للأمة الكردية التي تقطن في أرض كردستان الممتدة من لورستان إيران جنوبا إلى أورمية شرقا ومن ثم إلى سيواس غربا داخل الحدود الرسمية لتركيا الحالية، مرورا بشمال العراق وشمال شرق سوريا. إن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للكرد في الجزء العراقي هو الأفضل مقارنة لوضع الأكراد في البلدان الأخرى، إذ أنه يتوفر على حكم ذاتي وعلى حكومة مصغرة وبرلمان مصغر ورئيس إقليم. وهذا يعود إلى كون العراق قد تأسس أصلا من التحام الجزء الجنوبي من كردستان، المنفصل حديثا عن الهيمنة العثمانية الآيلة للسقوط، بالدولة الجديدة المسماة العراق، التي شكلها الإنجليز بعد سايكس بيكو، حيث أن إلحاق الكرد بالعراق الجديد حافظ على التوازن المذهبي وشكل حجر أساس لعراق قوي قادر على الاستمرار. ورغم أن العلاقة بين المركز في العراق والكرد قد مرت بحقب من الخلافات العميقة أدت إلى نشوب حروب طاحنة شرخت العلاقة المتينة التي تربط المكون الكردي مع بقية مكونات العراق، إلا انه يبدو أن الكرد يفضلون، حاليا على الأقل، البقاء ضمن عراق ديمقراطي فدرالي، ويعارضون فكرة الانفصال التي يحاول البعض إلصاقها بهم. وقد صرح الزعيم الكردي ورئيس العراق حاليا جلال طالباني في إحدى المقابلات التلفزيونية قائلا إن فكرة انفصال أكراد العراق عن جمهورية العراق أمر غير وارد وغير عملي، لكون أكراد العراق محاطين بدول ذات أقليات كردية لم تحسم فيها القضية الكردية بعد، وإذا ما قررت هذه الدول غلق حدودها، فإن ذلك الإجراء يكون كفيلا بإسقاط الكيان المنفصل من العراق. تم استعمال القضية الكردية في العراق كورقة ضغط سياسية من الدول المجاورة، فكان الدعم وقطع الدعم للحركات الكردية يعتمد على العلاقات السياسية بين بغداد ودمشق وطهران وأنقرة. وكان الزعماء الأكراد يدركون هذه الحقيقة. وهناك مقولة مشهورة للزعيم الكردي مصطفى بارزاني مفادها «ليس للأكراد أصدقاء حقيقيون» .