منذ مدة ليست بالوجيزة، تسلل إلى قارة الزجل الفسيحة صوت عبد الرحيم لقلع. تسلل إليها بدون تأشيرة من عراب ما، حاملا معه فقط تأشيرة إدمان الزجل قراءة وإنصاتا وتنظيرا ونظما. وطوال هذه المدة، نحت عبد الرحيم لنفسه صوتا متميزا ومتفردا، وإيقاعات خاصة منفتحة على الموروث والحاضر الزجليين ومتلاقحة معهما. لكنه، ورغم ما حققه من تراكم، ظل يعتذر بلباقته المعهودة إلى كل أصناف الأصدقاء الذين ظلوا يطالبونه بفك منجزه من أغلال الشفوي وجعله يطير في سماء الديوان الورقي الفسيحة. ربما لم يكن يريد أن يغامر، حينها، بنشر باكورة قد لا تكون في مستوى صرامته الذاتية إزاء نصوصه، أو في مستوى انتظارات أصدقائه وعشاق طريقة إلقائه لقصائده. أو ربما ثمة حكمة أخرى لا يعرفها إلا الضالعون في منجز لقلع. وها هو لقلع يقلع، مؤخرا وأخيرا، عن إضرابه على نشر باكورته الزجلية، ويصدر ديوانا أنيقا انتقى له عنوان «الراس بحر» وإذا كان الديوان قد صدر في طبعة من المستوى الرفيع عن منشورات «دار القرويين» البيضاوية، فإن بهاءه ازداد باللوحة الموفقة والجميلة التي اقترحها الفنان التشكيلي مصطفى غزلاني عتبة أولى قبل السباحة في حضرة زجل عبد الرحيم لقاع. والحضرة هنا تحيل على دلالتها المعجمية في اللغة العربية الفصحى، مثلما تحيل على مدلولها ضمن الليالي لكَناوية. لنتأمل هذه المقاطع المستلة من قصيدة « الراس بحر»: «ساوي ساوي يالكَناوي ساوي ساوي ساوي يالمعلم أزيد ساوي على السنتير هاذ الحال شحال هوسني خلي السنتير يحكي ويكَول على محاين لعبيد كبولة وحديد وسلاسل ف ليد من بلاد سلطان لكحل جايين لأرض غروب الشمس قاصدين...» وقد ورد في التقديم الذي خص به عبد الجليل لعميري الديوان أن لقلع يمنح لقرائه المفترضين «متعة السفر عبر: عوالم حلمه/ أحلامه، عوالم آلامه وعائلته الوجودية، عوالم طفولته وقلقه الحارق... وذلك من خلال مجموعة من التيمات»، حددها الناقد في تيمات: - الشوق/ الحنين - المعمار - البحر - نقد المجتمع - الكَناوي. وإذا كان لقلع يفضل المقاطع الدالة على المعنى بدل اقتصار تجلي هذا الأخير في السطر الزجلي، فإن ديوانه يستحق القراءة وأكثر من احتفاء من طرف الذين ورطوه في لعنة الزجل أولا وفي لعنة النشر ورقيا ثانيا.