أصبح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يتمتع بهامش كبير من حرية التحرك والمناورة، في تطبيق سياساته، بعد أن حصل على الأغلبية الساحقة في الانتخابات التشريعية. واتضح أن مؤسسة الرئاسة، والحكومة التابعة لها، كانت في وضعية قلق وهي تنتظر النتائج، ذلك أن التخوف الذي كان يرهق انتظارات الاشتراكيين الفرنسيين كان هو ، أولا وقبل شيء أن تصبح الرئاسة والحكومة رهينة تعايش سياسي تعرقل تقدمها وقدرتها على تنفيذ سياستها. وكان الترقب كبيرا على هذا الاتجاه، لأن الأمر يتعلق بمسؤوليات محددة وبالقوة المؤسساتية لكل مكونات المشهد السياسي الفرنسي. نحن أمام نظام يحرص على قوة مؤسساته، وينتظر السيادة الشعبية أن توافق على إعطائه كل مقومات النجاح من خلال ضمان السلاسة السياسية بعيدا عن الارتهان الحزبي. وقد كان لافتا أن الوزير الأول ايرولت ، أعلن عن الإرادة في أن يتم الاحترام التام لدور البرلمان» بالرغم من أنه يتوفر على الاغلبية المطلقة، لوحده بدون حلفاء، وفي ذلك احترام للتوازن المؤسساتي ، كما تريده الديموقراطية. النتيجة أن هولاند يملك، بلغة القاموس السياسي الفرنسي، كل رافعات السلطة» لتطبيق سياساته الاجتماعية لإصلاح النظام الجبائي ووضع السباب في قلب السياسية العمومية، والمدرسة من الأولويات.. إن القوة التي حصل عليها الاشتراكي الفرنسي هي قوة غير مسبوقة، إذ حتى في انتصار 1981 ووصول فرانسوا ميتران الى الرئاسة لم يكن الاشتراكيون يملكون سلطة شعبية عمودية وأفقية، من مجلس الشيوخ الى مجلس النواب، الى الجماعات والجهات... واللافت أساسا أن هذه اليقظة الاشتراكية جاءت بعد هزيمة 2002 التي دفعت بالكثيرين الى إعلان وفاة اليسار الفرنسي وأوله الحزب الاشتراكي الفرنسي. التفسير لهذه العودة القوية فيه، بالأساس ، نقط لها علاقة بالسعي الاستعلائي للرئيس نيكولا ساركوزي واليمين التقليدي في فرنسا، لكن هناك بالأساس شخصية فرانسوا هولاند والتحول الذي طرأ على الاشتراكي الفرنسي. والفاعلية الانتخابية، كما ذكرها ريمي لوفيبر ، أحد المحللين السياسيين العارفين بشؤون الاشتراكية الفرنسية، لا شك أن لها دورا، لكن العمل التوحيدي الذي قام بها الاشتراكيون، انطلاقا من درجة وعي كبيرة بتوجهات الرأي العام ومطالبه، كان لها دور رئيسي.وشخصية فرانسوا هولاند أيضا. بالنسبة لكثير من المحللين ، ما زالت دينامية هولاند تشتغل، منذ انطلقت من انتخابات الرئاسيات الداخلية . وقد استمرت بنفس وحدوي لقي تجاوبا من طرف جماهير شعب اليسار وجزء من المواطنين الفرنسيين الذين قرروا إعطاءه ورقة بيضاء، وشيكا على بياض من أجل تطبيق سياسته. لقد أقر ت افتتاحية لوفيغاررو اليمينية بأن فرانسوا هولاند نجح ، وكان ذلك « تتويجا لماراطون سياسي بدون أخطاء بدأ مع الانتخابات الأولية الاشتراكية». وهو ما استمر واعترفت كل الافتتاحيات بالصفات التي جاء بها هولاند« الذي لم يتآكل سياسيا بالسلطة، واستطاع أن يكون رجل التوحيد والتوجه من أجل تجاوز أطروحات الجمود». الموجة الوردية ، لم يكن من الممكن تصورها منذ أقل من سنة ونصف، نظرا للوضع الرهيب والمتآكل والاستراتيجيات الانتحارية الفردية داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي. وأصبحت ممكنة بفعل عوامل عديدة. ولعل من أهم الرسائل الجديدة أيضا هي أن الخيار اليميني المتحفظ ليس قدرا في أوربا وفي العالم، وأن الليبرالية بطابعها المتوحش ليست هي الرديف الوحيد للمستقبل. لقد اشتغل هولاند من خارج السلطة، ولهذا استطاع أن يقتحمها بالرغم من كل شيء، فهناك نوع من براءة الاختراع » باكتشاف التطبيق السليم للوحدة والتفاعل بين التركيبات المطروحة داخل الحزب، مع استحضار انتظارات الناس والإنصات لتموجات المطالب العميقة، عوض التقوقع داخل الرهانات المغلقة للذات، التي طالت مدة سنوات ووفرت لليمين أرضية للإثراء والانتشار. [email protected]