الصديق الشاعر، والباحث صلاح بوسريف تربطني به علاقة صداقة : صداقة شعرية، وصداقة إنسانية. هذه العلاقة تعود إلى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي. ثلاثة عقود مرت على هذا التواصل الإنساني الشعري دون أن يُخدش قيد أُنملة. توطدت العلاقة من خلال اللقاءات،والمهرجانات، والمؤتمرات ،والأماسي الشعرية بدءا من البيضاء والرباط، وانتهاء بعدة مدن بجهات المغرب .أذكر من كل ذلك جلستين مطولتين بفاس، وببني ملال إن لم تخني الذاكرة كان الحديث عن الشعر، والمقروء، والحياة، وعتابه الوحيد هو تعاطي شخصي المتواضع للحياة بشكل رهيب، قد يهدد سلامة الخطى. صلاح صاحب مزاج حاد، وما في سريرته يقوله صراحة، وجهارا .لا يخشى في ذلك لومة لائم. ما يهم هو أن يقول رأيه، والدفاع عنه، بالتي هي أحسن، أو ما يلزم من توتر أعصاب .لا يدري كيف يداري، ولا تهمه التبعات والخسارات. هذه شيمة تحسب له، ولو حدث أن كان من المداهنين المنساقين لإرادة هذا الشيخ، أو ذاك لحقق في وقت وجيز مكاسب كثيرة. لأنه لا يريد أن يلعب لعبة لا يحبها أوقف كل شيء ، ولاذ بالصمت في عزلة اختارها لنفسه مقاطعا كل الأنشطة بما في ذلك أنشطة الهيئات الثقافية، والجمعيات التي كان فاعلا إيجابيا فيها . انزوى حاضنا أزمته ،التي جعلته يعيد ترتيب عدة أشياء وفق رؤيته الخاصة، كي يعود بعد أن هضم الذي كان، واستوعب الهارب من التفاصيل بأفق آخر في الإبداع والتنظير. انزوى لمدة ليست باليسيرة، وأخذ من الوقت ما يكفي، كي يراجع أوراقه، ويُلمع أكثر من حذاء للمشي إلى أقصى، وأبعد الطرق. يجتهد قدر الإمكان من أجل كتابة شعرية حداثية وفق تصور يراهن على أفق إبداعي متحرر من تسربات المستهلك في تجارب آباء القصيدة الحداثية، والبحث عن مدى آخر ينفتح عليه القول الشعري . هذا الاشتغال على النص الإبداعي صاحبه البحث الدؤوب في الكتابات والمدونات النقدية العربية والغربية، وما يحيط بها من إطار مرجعي معرفي وفلسفي، من أجل صياغة خطاب نقدي يضيء أفق الكتابة التي يؤمن، و»يبشر» بها إن صح القول. كرس وقتا طويلا أيضا لرسم «الحدود»بين الأراضي الشعرية في المغرب منذ الستينيات من القرن الماضي . وقف وقفة المتأني وهو يرى هذه الأجيال المتعاقبة في الحياة، كما الشعر،محاولا القبض على مميزات، وإضافات كل جيل. اهتم أكثر بتجربة الشعراء الذين اصطلح عليهم «الثمانينيون» وذلك لأن النقد همشهم، ولم يلتفت إلا في النادر إلى تجاربهم .أخذ على عاتقه الوقوف عند ملامح قصيدة أبناء هذا الجيل المغبون، وأضاء كثيرا من العتمات. دافع بكل ما يملك من زاد معرفي عن الصوت الثمانيني، وهو يتشكل آنذاك، مبينا لمن لا يريد أن يصدق أن شعرا جديدا يُكتب في المغرب كما الأقطار العربية الأخرى من منظورحساسية جديدة. مجال الاشتغال الثالث لصلاح هو خوض المغامرة الفكرية، والنقد الثقافي بمعناه العام، فلا يترك مجالا إلا وكتب فيه بحس أكاديمي تارة، وبحس صحافي تارة أخرى. من ذلك كتاباته عن المثقف والسلطة، والتراث والحداثة، والاستبداد، والمجتمع المدني، والتربية والتعليم، وغيرها من القضايا الراهنة والملحة. وهو في كل ذلك ينتصر كباقي المثقفين الشرفاء في هذا الوطن لقيم الديمقراطية والعقلانية من أجل مواطنة حقيقية. في الختام، هنيئا له على إصدار أطروحته الجامعية: حداثة الكتابة في الشعر العربي المعاصر،الصادر عن دار إفريقيا الشرق 2012. هامش: ألقيت هذه الورقة في اللقاء المفتوح مع الشاعر صلاح بوسريف بدار الشباب بوشنتوف بالدار البيضاء يوم السبت 02 يونيو 2012. وهو نشاط من تنظيم جمعية التلقي المسرحي، ونادي مقامات للتنمية الثقافية والاجتماعية، وقد ساهم فيه إلى جانب شخصي المتواضع الشاعر والمسرحي محمد فرح، والشاعر والباحث محمد عرش، والمسرحي والإعلامي محمد بهجاجي، والشاعر إدريس الملياني، والمسرحي عبد الفتاح بهجاجي.