وضعت بائعة مناديل مولودها على بعد أمتار من بيت رئيس الحكومة. وكأن الأقدار أرادت أن تسخر من السيد بنكيران، وتذكره، عندما تدخل في المجلس الحكومي، وعاتب الوزير المكلف بالصحة على ما وقع لسيدة ولدت أمام المستشفى. وقتها نقلت الكاميرات، بالصوت والصورة، رئيس الحكومة وهو يتحدث عن تلك السيدة ويردد «إلا ما عندنا لفلوس نصبرو». تم «طلع الجينيريك» ونزل الخبر في المواقع كلها، على إيقاع الأماكن كلها. وأراد القدر، بخيره وشره، أن يكون بنكيران على علاقة، مترية بالحادثة، وأن يرتبط في الأخبار باسم سيدة ولدت في الرباط في قارعة الطريق. فأن تلد امرأة أمام المستشفى كارثة، وأن تلد أمام بيت رئيس الحكومة، على القرب منه، فتلك سخرية مُرة.. لكن أن يتقدم السيد وزير الصحة ليقدم تبريرات للحادثة، فتلك قضية أخطر. فماذا قال البروفيسور الوردي ؟ قال إن الأمر فيه مزايدات. طيب، ونحن ضدها. ثم هذا الحديث «بين يدي ملف السيدة التي وضعت مولودها في الرباط (هكذا في الرباط بدون تحديد المكان) والتي قدمت إلى المستشفى بدون بطاقة تعريف، علما أنها حالة ولادة غير شرعية، كما أثبت التحقيق. السيدة مدت للممرضة ببطاقة صديقتها التي توجست من الأمر لتطلب، هي والسيدة الحامل، الخروج من المستشفى، لكن الممرضة أصرت على إبقائها، وطلبت منها توقيع وثيقة الخروج إن هي أرادت المغادرة، والوثيقة متوفرة لدينا ليفاجئها المخاض، وهي على بعد أمتار من المستشفى. هذا بالضبط ما حصل». والآن نرجو من البروفيسور أن يتفهم، ويتقدم بتواضعه العلمي المشهود له به، لينور عقولنا التي أصابها الملل، مامعنى امرأة ولدت في الرباط؟ هل هي على غرار بغلة عثرت في العراق؟ مامعنى أنها ولادة غير شرعية؟ هل هذا وحده، وبكل تضمين قدحي، يبرر ولادتها في الشارع العام؟ هل يعني أن الابن غير الشرعي مكانه في الشارع؟ هل التحقيق أثبت أن الولادة غير شرعية، وهذا لا يمكن لأي أم عازبة أن تخبئه أو تتستر عليه، ولم يثبت أن الأمر غير طبيعي في هذه القضية؟ ثم هل اتهام الأم بالسفاح يبرىء الوزارة والدولة ونحن جميعا؟ ثم ما معنى أن تكون امرأة في حالة وضع، ويطلب منها أن توقع وثيقة تثبت خروجها، وتركها عرضة للشارع، وأن تموت أو يموت جنينها أو يعرض لحمه الطري لتقلبات الزمن والمناخ، مادامت الوزارة تتوفر على وثيقة؟ ما معنى تقديم المساعدة الطبية؟ هل هذه السيدة كان من الممكن أن تموت بمساعدة المستشفى؟ وبمساعدة القانون، وبمساعدة الوثيقة؟ ألا يمكن لأي أحد أن يكشف أن الطلق أقدم وأن الولادة مسألة دقائق؟ وهل يكفي أن يحصل أي مرفق عمومي على وثيقة لكي تحصل الإدارة على البراءة؟ لقد تحدث السيد الوزير عن أشياء لا معنى لها، وكان عليه أن يباشر كلاما من قبيل التضامن، عوض أن يجمع بين امرأة حملت بشكل غير شرعي وبين وثيقة وبين إهمال مبرمج باسم القانون؟ وقد تحولت بائعة مناديل إلى بائعة هوى، بدون حادث. كم كانت الكلمات باهتة على لسان الوزير، وكم كان التبرير أفدح بكثير من الزلة؟