«نَفَس» مصري سيطبع المسلسل التلفزيوني المغربي «الحياني» الذي يقوم هذه الأيام المخرج المغربي كمال كمال، صاحب «السمفونية المغربية»، بإخراجه ما بين المحمدية و الدارالبيضاء .. «نفس» قوي بتجربته سيدثر وسيغني في جوانب عديدة، عرض «سيرة» المطرب المغربي الراحل محمد الحياني، الذي غامر كمال كمال ليخرجها إلى الوجود في إطار درامي تلفزيوني الذي، ولاشك، ستحظى بمتابعة كبيرة منتظرة خلال رمضان القادم، من منطلق المكانة جد المحترمة التي حظي بها، ولازال، مبدع أداء «راحلة» في قلوب المغاربة.. «نفس» نبرة صوته لا تخطئها الأذن العربية من المحيط إلى الخليج، بالنظر إلى عطاءاته الكثيرة في الدراما المصرية و العربية، في الإنتاجات الدرامية المهمة، الجادة و الكبيرة.. كأفلام «دكان شحاتة» ، «خارج على القانون»، «دم الغزال»، «حفار البحر»، «مجرم مع مرتبة الشرف» ، «يا مهلبية يا»، «شحاذون ونبلاء»، «إسكندرية ليه»، «فرح زهران»، «تحت الصفر »، «الحكم اخر جلسة»، «الزمن الصعب»، «حدوتة مصرية»، «الجوع»....، ومسلسلات «البشاير»، « عم حمزة »، «ليالي الحلمية»، «عزبة المنيسي»، «أم كلثوم»، «أمس لا يموت»، «ملفات سرية»، «أوراق مصرية»، «هدى شعراوي» «السندريلا»، «ابن الأرندلي»، «أنا قلبي دليلي»، «الجماعة»، «شيخ العرب همام» وغيرها كثير .. هو الفنان الملتزم، عبد العزيز مخيون الممثل التلفزيوني والسينمائي والمخرج المسرحي، خريج معهد الفنون المسرحية، والدارس للموسيقى والتمثيل، والمؤسس لمسرح الفلاحين بمصر قبل أن يحصل على منحة لدراسة المسرح في فرنسا، وهو يعد أحد رموز «حركة كفاية» المعارضة لنظام حسني مبارك الذي أفل.. قَبِل بصدر رحب دعوة ملحق «إعلام وفنون »، وهو على أهبة التصوير، للحديث عن تجربته الدرامية المغربية وعن العديد من القضايا الفنية المغربية والعربية ، فكان الحوار التالي: { بداية، أستاذ عبد العزيز مخيون، أنتم كفنان مصري، كيف استقبلتم دعوة المشاركة إنتاج درامي مغربي، مسلسل «الحياني» للمخرج كمال كمال، وما طبيعة الدور الذي تتقمصونه؟ تلقيت هذه الدعوة بحماس شديد و بحب بالغ، لأني كنت دائما أنادي بأن يكون هناك تعاون ثقافي عربي - عربي، خصوصا أنه تربطني بالمغرب علاقة عاطفية، و قد تحمست لهذا الدعوة، كما أن هناك سببا ثانيا، وهو أن العمل (المسلسل) يخوض في التاريخ الحديث لمصر والمغرب من خلال عالم الفن والشعر والأدب والسياسة.. وبالتالي اعتبرت ذلك فرصة طيبة للتعاون في عمل يراه الجمهور في شهر رمضان القادم، إن شاء الله، ومن خلاله يرى وجوها مغربية، مصرية، جزائرية، تونسية تروي أجزاء من تاريخنا في فترة الستينيات. { ما طبيعة دوركم، أستاذ، في «الحياني»؟ دوري هو شاعر مصري شيوعي اسمه عادل عمر. هذا الشاعر كان معارضا لنظام الرئيس جمال عبد الناصر، حيث وقعت خلافات بينه وبين هذا النظام في ذلك الوقت، فلجأ إلى المغرب، وطلبت مصر من المغرب إعادة هذا الشاعر إلى مصر مرة أخرى، وفي طائرة العودة تم التعارف بينه وبين المطرب محمد الحياني، حيث كان هذا الأخير ذاهبا إلى القاهرة. ومحمد الحياني، كما تقول سيرته، التقى بعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وكذا بموسيقيين مصريين، وحاول أن يأخذ فرصته في الغناء بالقاهرة، إذ كان يتردد على إذاعة «صوت العرب» ، وما أدراك ما«صوت العرب» في ذلك الوقت. وسنرى المأزق الذي وقع فيه ذلك الشاعر، عادل عمر، وعدم قدرته على الصمود والحفاظ على مبادئه، فبدأ يتغير، بكتابته لأشعار حب وعاطفة بعد أن كان يكتب أشعار الرفض و الاحتجاج. ومحمد الحياني كان شاهدا على هذا التغير الذي حدث لهذا الشاعر، لأنه التقى مرة أخرى، عادل عمر بالقاهرة وحدثت بينهما صداقة. { هل تعتقدون أن مشاركتكم في هذا العمل الدرامي التلفزيوني المغربي، ستكون، مستقبلا، حافزا لزملاء لكم في مصر للمشاركة في أعمال درامية مغربية ، سينمائية وتلفزيونية، بعدما كانت تقتصر مشاركاتهم في إنتاجات خليجية، وأحيانا سورية أو لبنانية..؟ أنا أتمنى أن تزيد هذه المشاركات، خصوصا وأنني ناديت كثيرا، منذ سنوات، أن يكون هناك تعاون عربي - عربي ، وإن شاء الله هو في الطريق، فقد تأخرنا. فالتعاون يحدث الآن بشكل تلقائي، دون خطط من الحكومات، هو تعاون بين الفنانين و المثقفين بعضهم البعض، هو تعاون كان من المفروض أن يكون في إطار خطط تبادر بها وزارات الثقافة، ولكنه أتي من عن طريق المثقفين. وحاليا سمعت أن أخانا وزميلنا محمد مفتاح يشارك في مسلسل «باب الخلق» بمصر رفقة زميلنا محمود عبد العزيز، وأنا أمثل في المغرب، «فيا للروعة»، إنه شيء عظيم. { في نظركم ماهي العوائق و المثبطات التي حالت، قبلا، دون هذا التعاون؟ تأخر ذلك، لأننا نحن المثقفين والفنانين، لم تكن لدينا مبادرات، وكنا أسرى الخطط الحكومية، ونحن، إن شاء الله، في طريقنا للتحرر، وسوف نعالج قصور الحكومات. { شهد العالم العربي في الشهور الفارطة، ما أطلق عليه «الربيع العربي»، كيف تقرأون، أستاذ مخيون، هذا الحراك وتداعياته في مصر أولا، على المستوى الفني، خصوصا بعد تولي تيار سياسي معين (إسلامي) مقاليد السلطة التشريعية (البرلمان)؟ هذه التداعيات سوف تظهر في الأيام المقبلة، بل ستظهر أكثر في السنوات المقبلة، ستكون هناك حرية في التناول والحرص على حرية التعبير وتمسك الفنان بحرية التعبير، وأيضا محاسبة الفنان لنفسه كي يحسن الاختيار، ويراجع نفسه قبل أخذ أي قرار المشاركة في أعمال ضد الشعوب وفي صالح الحكام، كما كان يفعل بعض الفنانين في مصر من قبل، وأولهم عادل إمام. فهنا الشعب أصبح حاضرا، وأصبح في الميادين. فمن الصعب على أي فنان أن يأخذ موقفا فيه نوع من الانحياز للحاكم وينسى الشعب.. { وما موقفكم من المحاكمة التي تعرض لها الفنان عادل إمام التي أفضت إلى الحكم عليه بثلاثة أشهر حبسا نافذا بتهمة ازدراء الدين الاسلامي في أعماله السينمائية؟ بداية أنا ضد أن يحاكم أي فنان، أو أن ينكل بأي فنان. ولكن في نفس الوقت أنا ضد الفنان الذي يخون قضايا وطنه، ويطبل ويزمر للحاكم، وأن يستخف بأبناء وطنه الذين هم جمهوره، ويقدم أعمالا رديئة فيها استخفاف بعقل المشاهد. ولذلك فأنا لن أتورط في الدفاع عن الأعمال الهابطة التي قدمها عادل إمام. أنا أستنكر أن يتعرض لهذه المواقف ويحاكم، وكنت أحب أن يكون الرد عليه بالكلمة، وبالفن، وليس بالمحاكمة. ولكن هؤلاء الذين رفعوا عليه هذه القضية ينقصهم الذكاء، لأنهم أكسبوه ما لا يستحق. { ألا تتخوفون على مصير الفن والإبداع عموما بمصر بعد المحاكمة التي تعني ما تعنيه، التضييق على حرية التعبير؟ أنا لا أتكلم الآن باسم التيار الاسلامي، ولكن أنا أعرف أن هذا الأخير ضد الهبوط و ضد الإسفاف، ولكن التيار الإسلامي من الممكن أن يكون مع الأعمال التي تدعو إلى تحرير فلسطين وتمجيد الشهداء، وتقدم صراع الإنسان في الواقع الاجتماعي الأليم والظلم الذي يتعرض له.. فنحن لا نختلف حول تناول هذه القضايا وأمور الإنسان الأخرى، ولكن قد نختلف على طرق التعبير، حيث ينبغي على التيار الإسلامي أن يكون متفتحا وله بعد نظر، وأن يكون هناك تصالح بين التيار الاسلامي والفن، لأن بعض أقطاب التيار الاسلامي نظروا إلى الفن على أنه «رجس من عمل الشيطان»، وأنا أقول ليس هكذا الأمر، الفن رسالة ويدرك أهميتها، ويدرك قيمتها الكثيرون من التيار الإسلامي. { ما موقفكم أستاذ عبد العزيز مخيون، من الأصوات التي كانت تنادي بمصر بوضع لائحة سوداء بخصوص الفنانين الذين كانوا ضد الثورة، ومع النظام؟ من المطلوب أن يعرف الشعب من معه ومن ضده، ولكن أنا ضد مسألة القوائم والتصنيفات، بمعنى أنا مع التوعية، أي توعية الجمهور حول من الفنان الذي هو صديقه، ومن الفنان الذي كان يقف في معسكر أعدائه، حتى لا تختلط الأوراق. فقد كان هناك فنانون في صف الثورة منذ اليوم الأول وما قبل الثورة، مثلي أنا شخصيا، وهناك فنانون يسيرون في الركب، وأصدروا تصريحات ضد الثوار الذين يسقطون شهداء في ميدان التحرير، طالبوا بإبادتهم حرصا على مصالحهم مع النظام.إذن فهذا لا يتساوى مع ذاك أبدا. { لا شك أنكم تتبعتم، كفنان، الحراك العربي الأخير في العديد من الدول العربية، كيف نظرتم إلى هذا الحراك في المغرب وماذا استخلصتم؟ أكثر من عام بدأت حركة التغيير في المغرب، وبدأ القصر الملكي يستجيب لهذه المطالب، التي أعتبرها بادرة إيجابية، حيث حصلت تغييرات عدة في الدستور، وكل ما أتمناه للمغرب أن تسير هذه الخطى للأمام، وأن تحصل الجماهير على المزيد من المكاسب وأن تتحقق العدالة في المغرب الشقيق، وسوف يؤدي هذا إلى الكثير من التقدم والإزدهار لأبناء الشعب المغربي كافة، لأني لست مع التغيير الذي يحدث بالدماء، نريد أن نجنب المجتمعات العربية أي تغيير يلحق خسائر أو حرائق أو خراب أودماء .. نريد التغيير أن يكون سلميا، ونتمنى للطبقة العاملة أن تحقق مكاسب من خلال العمل النقابي، ومن خلال العمل الحزبي. فالمغرب على سبيل المثال، كبلد عربي، يتميز بمدن جميلة ونظيفة، وهذا يعد مكسبا كبيرا، وأي هزة فيها عنف سوف تحطم هذا الجمال، فنتمنى للمغرب أن يسير قدما إلى الأمام بواسطة التغيير الجديد الذي وقع منذ حوالي عام. {| العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية والسينمائية.. التي تحضَّر الآن في مصر تتناول «الربيع العربي»، هل تعتبرون أن هذه الظاهرة صحية، وغير متسرعة؟ عُرِض علي عمل السنة الماضية، فوجدته يتمسح في الثورة، ويحاول أن يلحق نفسه بها، وهذا العمل كان عندي قبل قيام الثورة، ولم تكن فيه مشاهد تصور الأحداث كما وقعت، وبعد ذلك غيروا فيه أشياء.. فأنا رفضت هذا العمل. فالعمل الذي يتناول الثورة بتفكير عميق وبالتزام دون ادعاء، سوف تصدقه الجماهير، أما العمل الذي يحاول أن يتناول الثورة بهدف تجاري أو ترويجي، فإنه سوف يسقط، لأن الجماهير هي التي صنعت الثورة، وأيضا هي التي تستقبل الأعمال الفنية، فهي قادرة على أن تفرز العمل المزيف من الحقيقي. أنا حاليا أؤدي عملا عن الثورة بشكل مباشر، كتبه بلال فضل، وهو من أبناء الثورة، مثلما أنا ابن من أبناء الثورة. العمل فيه مصداقية كبيرة جدا، وعمل مثل هذا الجماهير تستقبله بترحاب كبير، وأي عمل آخر سترفضه { لا شك أنكم تتابعون بعض الأعمال الدرامية المغربية، السينمائية والتلفزيونية، كيف تقيمونها؟ السينما المغربية لها تميزها، وأنا تعرفت عليها من خلال أفلام الجيلالي فرحاتي، والجيل الذي بعده، ونتابعها كثيرا في المهرجانات، لكن المطلوب أن التلفزيون في يومنا هذا، أن يكون وسيلة مفتوحة أمام الجماهير العربية، وأن يفسح المجال للأعمال المغربية و السورية التونسية والجزائرية.. أن يكون مساحة لعرض الأعمال السينمائية لكي تكون هناك فرصة للجمهور أن يتابع إنتاج الأقطار الأخرى. فهذا هو المطلوب، فكل منا ينبغي أن يطل على الآخر من خلال التلفزيون. { هل تقصدون أن يكون التلفزيون وسيلة للتقارب بين الجماهير العربية، ولو دراميا؟ ينبغى أن تكون الدراما صادقة في الحديث عن المعيش العربي، أن تتناول الصراع الذي يخوضه الإنسان العربي في عالم اليوم، وأول هذا الصراع، هو الصراع مع العدو الصهيوني، والصراع من أجل استرداد المقدسات، والنظر إلى الشهداء الذين سقطوا في المسيرة. فالإنسان العربي يعاني في حياته اليومية، فالذي يعاني في الدار البيضاء مثل الذي يعاني هناك في القاهرة وهكذا ذواليك.. وهذه المواضيع عندما تعرض للمعالجة فنيا وبشكل راق سوف تجد لها جمهورا في العالم العربي. { يلاحظ في السنوات الأخيرة أن الأعمال الدرامية السينمائية المصرية الهادفة قد توارت خلف الأعمال التجارية.. ما تعليقكم؟ هذا التراجع سببه الإنتاج والرأسمال الذي يمول الأعمال الدرامية، الذي أعتبره ليس قوميا ولا وطنيا..، فهو رأسمال تجاري بحت، لذلك هو الذي يتحكم في الأفكار. وبذلك فهناك انفصال بين الرأسمال الذي يمول والجمهور الذي يتلقى، وهذا الأخير يطمح إلى أن يجد نفسه على الشاشة، وأن يجد القضايا الحيوية التي تهم الأمة العربية على الشاشة، لذلك أقول إن الرأسمال في جانب والجمهور وبعض الفنانين في جانب آخر. وطبعا الذين يستفيدون من هذه الأشياء، الاستعمار والصهيونية، لأن هذه الأعمال تحاول تغييب الوعي العربي، وتغييب عقل المتفرج، وتشويه وجدانه. فنحن، كفنانين ومثقفين، حريصون على نحافظ على الوعي، ونجعل الذاكرة الجمعية للأمة مستيقظة. { ختاما، أستاذ عبد العزيز مخيون، ما هي في نظركم مقومات قيام حراك عربي درامي؟ آه، إن شاء الله سيكون ذلك في الطريق، فأنا متفائل عندما تتواجد الشعوب في الساحة العربية، لأن هذا هو مطلب الجمهور.