في رده على الهجمة الممنهجة التي يتعرض لها من طرف تنظيم السلفية الجهادية بالمغرب، قال حفيظ بنهاشم بأن التركيز في هذا الموضوع على شخصه أمر لا يجد مبررا له ولا يحتمل حتى الإجابة عنه. فمعلوم أن ملف هؤلاء السجناء شغل الرأي العام الوطني منذ ما يقارب 10 سنوات، وهو شخصيا لم يتول إدارة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج إلا منذ شهر أبريل 2008، وكان همه الأساسي إعادة الانضباط داخل إدارة السجون وإرجاع الهيبة لهذا القطاع في دائرة القانون, الشيء الذي تم بالفعل وفق استراتيجية واضحة المعالم. واستغرب إثارة هذا الموضوع في الظرفية الحالية بهذا الشكل وبهذه الحدة, كما لم يسبق تجاه أي مسؤول آخر. وفي اعتقاده أن إشاعة العديد من الادعاءات حول هذا الموضوع بكل الوسائل المتوفرة يجسد اهتماما زائدا من أجل تحقيق غرض ما، أكثر منه هجمة على المندوبية العامة, علما أن هذه الأخيرة تتعامل مع هذه الفئة من السجناء في نطاق الالتزام بالقانون ليس إلا. { السيد عبد الحفيظ بنهاشم، عينتم على رأس المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، فور اكتشاف الهروب الكبير لتسع سجناء مدانين بأحكام ثقيلة في قضايا الإرهاب. ماهي الأسباب الكامنة وراء هذا الهروب فيما يتعلق بالإدارة السجنية في المغرب، وماهي الإستراتيجية التي اتبعتم من أجل إصلاح هذه المؤسسة لتكون في مستوى مؤسسات الدول المتقدمة، التي يسعى المغرب اليوم أن يكون إلى صفها في الجانب الديمقراطي؟ في اعتقادي أن الأسباب التي أدت إلى الفرار الجماعي الذي شهده السجن المركزي سنة 2008 قبل إحداث المندوبية العامة، لا يمكن تحديدها على أساس تحميل المسؤولية المباشرة لطرف أو لآخر، أو على أساس تبريرها بوجود خلل في مستوى معين من التدبير لشؤون المؤسسة السجنية، فالأمر يرجع بالأساس إلى اختلالات بنيوية ترتبت جراء تراكمات عديدة في المقاربة المعتمدة بشأن وضعية المعتقلين في إطار قضايا الإرهاب والتطرف، وهذا المعطى شكل عنصرا أساسيا في الإستراتيجية التي اعتمدتها المندوبية العامة في مقاربة تدبير ظروف اعتقال هذه الفئة من السجناء على وجه الخصوص وفي تدبير ظروف اعتقال كافة السجناء بوجه عام، إذ أنها أعطت الأولوية في تعزيز البنية التحتية للمؤسسات السجنية على مستوى البنايات من خلال إصلاح وترميم البعض منها، والتخلي عن عدد آخر من المؤسسات القديمة وتعويضها ببنايات سجنية حديثة تستجيب هندستها وتجهيزاتها لمتطلبات الإصلاح والإدماج. وفي هذا الصدد، يأتى الشروع في العمل منذ إحداث المندوبية العامة ب7 مؤسسات سجنية جديدة، كما تمت توسعة وترميم وإصلاح عدد هام من السجون، بالإضافة إلى أن المندوبية العامة برمجت بناء سجون جديدة في إطار الحد من تفاقم مشكل الاكتظاظ من جهة، وفي إطار تغطية الخريطة القضائية، بسجون نظامية من جهة أخرى، وبالموازاة مع هذه الجهود ركزت على عامل التأطير وقامت بمجهودات جبارة في هذا المجال من خلال الرفع من مستواه كميا ونوعيا، حيث تأتى توظيف خلال السنوات الثلاث الأخيرة ما يقارب 3000 موظف جديد في مجالات الأمن والعمل الاجتماعي والتربوي، وتم إخضاع هؤلاء الموظفين لتكوين أساسي لمدة 5 أشهر بمركز التكوين بإفران, الذي سيتم تعويضه في القريب العاجل بمعهد عالي لتكوين موظفي السجون بتيفلت، وهو معهد نموذجي بمواصفات عصرية في مجال التكوين والتدريب، إضافة إلى برامج التكوين المستمر التي تشمل مختلف مجالات عمل موظفي السجون أمنيا وتربويا. وعلى مستوى آخر، قامت المندوبية العامة بتعميم التجهيزات الأمنية المتطورة في مجال المراقبة، من كاميرات وبوابات كاشفة للمعادن وأجهزة السكانير للحد من تسريب الممنوعات إلى داخل السجون وإعمال قدر وافر من الضبط والأمن. إضافة إلى إحداث دوريات للحراسة للمحيط الداخلي للمؤسسات السجنية على أساس ضمان حراسة مداومة 24 ساعة على 24 . وكذا إحداث فرق للأمن داخل المعتقل لتتبع ومراقبة حركية السجناء بشكل مستمر. كل هذه الإجراءات أدت إلى الحد من فرار السجناء والتصدي بفعالية أكبر لتسريب الممنوعات إلى داخل السجون، والأرقام هنا تؤكد أن المندوبية العامة نجحت بالفعل في تحقيق ذلك. { باعتباركم، وحسب قانون المؤسسات السجينة التي تشرفون على إدارتها، تتمتعون بصلاحيات واسعة في قانونية الاعتقال، وأمن المؤسسة، وتدبير الأموال، وتطبيق المناهج الإصلاحية، إلى غير ذلك من المهام اللوجستيكية التي تحتاج إلى بنية فاعلة بكل عناصرها، وأن تكون عين المسؤول الأول، في جميع المناطق والجهات. ألم تعترضكم صعوبات كبيرة أمام هذه الإدارة المثقلة "بالمركز" وبالكثير من المهام الصعبة؟ بالطبع هناك إكراهات عديدة تعترض تفعيل البرنامج الاصلاحي للمندوبية العامة بالوثيرة المطلوبة، وهي أساسا إكراهات بنيوية، حيث أن السجون وبحكم القوانين المنظمة لها تضطلع بمهام على قدر كبير من التشعب والتعقيد, فهي مطالبة بتوفير خدمات التغذية والرعاية الصحية والتعليم والتكوين وتأمين زيارة الأهل لفائدة السجناء، بالإضافة إلى إعمال الأمن والمراقبة وضبط سلوكات السجناء، وكل هذه المهام بطريقة أو بأخرى تجد تفاوتا على مستوى منظور كل سجين أو فئة على حدة لمفهوم الحقوق والواجبات، فهناك من يعتبر أن التفتيش الجسدي المنصوص عليه قانونا مس بكرامة السجين أو شكل من أشكال التعذيب، كما أن هناك من يخلط بين التأديب القانوني والتعذيب، وهناك من يرى في فرض ساعات معينة لإقفال الزنازن مس بحق التجول داخل المؤسسة، وغيرها من المتناقضات المترسخة لدى البعض من السجناء في فهم الحقوق والواجبات كما ينص عليها القانون، يضاف إلى ذلك صعوبات بسبب الاكتظاظ وما يترتب عنه من إكراهات على مستوى الإيواء والخدمات المقدمة للسجناء، وعلى مستوى تفعيل وتعميم البرامج التربوية على كافة السجناء. وبطبيعة الحال لا يمكن إنكار أيضا أن السجون في حاجة إلى مزيد من الدعم المادي لتوسيع طاقتها الاستيعابية وتمكينها من إيواء كافة السجناء وفق الشروط المطلوبة وكذا الرفع من مستوى التأطير لتحقيق نسبة ملائمة لحجم المهام والمسؤوليات المنوطة بالموظفين، ولا يخلو الأمر أيضا من ضرورة التفاف كل الفعاليات المعنية والمهتمة, سواء أكانت حكومية أو جمعوية للمساهمة في إنجاح مسلسل الإصلاح القائم حول السجون وترسيخ أهدافه ومضامينه بمزيد من الفعالية والنجاعة، ووفق ما سطره صاحب الجلالة الملك محمد السادس من حيث النهوض بأوضاع السجون وصون كرامة وإنسانية السجناء. وما تضمنه برنامج الحكومة الموقرة في هذا الإطار. { السيد بنهاشم،المؤسسة السجنية عانت اهتراء، وبدت بوادر الفساد تتسرب إلى كثير من المناطق والجهات منذ سنين مضت، الشيء الذي انعكس سلبا في تداولات خطاب المواطنين, أولا ثم في التقارير الوطنية والدولية، كيف تعاملتم مع الوضع وهل استطعتم أن تحدوا من بعض مظاهره بمجيئكم على رأس الإدارة السجنية؟ تتعامل المندوبية العامة مع الإشكالات المتصلة بوضعية السجون، في السياق العام لوضع المؤسسات العمومية بالبلاد وتتفاعل في هذا الإطار بشكل إيجابي مع كافة المبادرات الجدية والهادفة، خاصة فيما يتعلق بمراقبة السجون، حيث أن المندوبية العامة توفر كافة التسهيلات لتفعيل زيارات المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إطار الصلاحيات المخولة له قانونا، وللجن الإقليمية لمراقبة السجون، وكذا للسلطات القضائية بمختلف درجاتها, وذلك بهدف بسط رقابة واسعة على المؤسسات السجنية وتطويق مجال الاختلالات في إطار قانوني واضح. والمندوبية العامة تتفاعل مع تقارير هذه الهيئات بشكل إيجابي وتتخذ الإجراءات الواجبة لتصحيح الوضع عند الضرورة، ولتحسين ما يمكن في شأن ظروف اعتقال السجناء. هذا فضلا عن أنها تمارس رقابة ذاتية للمؤسسات من خلال جهاز التفتيش الذي يقوم بزيارات منتظمة ودورية لكافة السجون في إطار وقائي يروم الحيلولة دون الوقوع في إخلالات تمس جانب التسيير وفي إطار التدخل أيضا لتصحيح الوضع ومعاقبة المتورطين في سلوكات مخالفة للقانون. { ماهي إجابتكم عن هذه التقارير التي يشتكي فيها المعتقلون من ممارسات يقولون أنها لا إنسانية من طرف موظفي السجون في المغرب؟ أولا يجب تحديد طبيعة هذه التقارير، ومصدرها، ومهما يكن في الأمر، فإن المندوبية العامة تتعامل مع كافة الادعاءات الصادرة بشأن وضعية السجناء باهتمام وبالجدية المطلوبة, بل إن ما يصدر بالجرائد والصحف، يحظى بدوره بنفس الاهتمام والمتابعة، وبطبيعة الحال، تباشر أبحاث إدارية في شأن مجمل هذه الإدعاءات. ومتى تأكد أن منها ما يتصل بالواقع وعلى قدر من الصحة تباشر في شأنه الإجراءات الإدارية الواجبة، ويمكن اللجوء إلى القضاء إن لزم الأمر ذلك لمعاقبة المتورطين ولوضع حد لكل سلوك مخالف للقانون. فقط يرجى أن يكون تفاعل الرأي العام مع هذه التقارير بنوع من الموضوعية وأن يسمع ويقرأ للطرف الآخر المعني بها ألا وهو المندوبية العامة، وجهة نظره، ومعطياته في شأن مضامينها للتمكن من الإحاطة بشكل دقيق وصحيح بحيثيات وملابسات هذه الإدعاءات، والقانون بطبيعة الحال فوق الجميع، والمندوبية العامة ترفض ترويج ادعاءات مغلوطة ودون أساس من الصحة في حق موظفيها، وهي أكثر حرصا على الالتزام في القانون في كل أبعاده الأمنية والإنسانية دون إفراط أو تفريط. كما أن المندوبية العامة ستظل مساندة لموظفيها بمختلف درجاتهم ومدافعة عن حقوقهم ومصداقيتهم، ولن تذخر جهدا في سبيل توفير الإمكانيات لتمكينهم من ظروف عمل محفزة ومناسبة. { ما هو ردكم على الهجمة التي تتعرضون لها مؤخرا من طرف ما يسمى تنظيم السلفية الجهادية بالمغرب ،في الوقت الذي تتعاملون فيه بكثير من الجدية والصرامة في إصلاح الأوضاع؟ اعتبر التركيز في هذا الموضوع على شخصي أمر لا أجد مبررا له ولا يحتمل حتى الإجابة عنه. فمعلوم أن ملف هؤلاء السجناء شغل الرأي العام الوطني منذ ما يقارب 10 سنوات، وأنا شخصيا لم أتول إدارة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج إلا منذ شهر أبريل 2008، وكان همي الأساسي إعادة الانضباط داخل إدارة السجون وإرجاع الهيبة لهذا القطاع في دائرة القانون, الشيء الذي تم بالفعل وفق الإستراتيجية التي سبق الحديث عنها في ما سبق. وأستغرب إثارة هذا الموضوع في الظرفية الحالية بهذا الشكل وبهذه الحدة كما لم يسبق تجاه أي مسؤول آخر. وفي اعتقادي أن إشاعة العديد من الادعاءات حول هذا الموضوع بكل الوسائل المتوفرة يجسد اهتماما زائدا من أجل تحقيق غرض ما، أكثر منه هجمه على المندوبية العامة علما أن هذه الأخيرة تتعامل مع هذه الفئة من السجناء في نطاق الالتزام بالقانون ليس إلا. { وماذا عن اتفاق 25 مارس؟ لا وجود لهذا الاتفاق ولا لأي اتفاق مع أي سجين أو أي فئة من السجناء, لسبب بسيط هو أن ما يحكم علاقة المندوبية العامة كإدارة مسؤولة على قطاع السجون بالسجناء, هي القوانين المنظمة للسجون لا غير. وربما الترويج لهذا الاتفاق المزعوم هو مطية ليس إلا لتبرير مطالب لا يجيزها القانون أصلا. أضيف لما سبق أن الادعاءات الواهية وأحيانا الكاذبة لن تؤدي إلى حل المشاكل, والمطلوب هو التفاف الجميع حول البرنامج الاصلاحي القائم بشأن وضعية السجون بما فيها الجمعيات الحقوقية التي تؤكد المندوبية العامة مجددا استعدادها للانفتاح تجاه برامجها، ولعقد اجتماع معها على أساس ما يتضمنه القانون المنظم للسجون.