يمكن تلخيص المحاور الأساسية لهذه الدراسة كالآتي : 1_ينتمي شعر محمد بنطلحة إلى الخطاب الشعري بمعناه الكوني لأنه يتمفصل عن كلية شعرية عالمية هي الكثافة البلاغية. 2_انطلاقا من تركيزنا على تحليل الكثافة الدلالية، نلاحظ أن شعره يقدم رؤيا كارثية ( نسبة إلى النظرية الكارثية ) للعالم تشتت وتقلب وتقطع متواليات الأنظمة السائدة طبيعيا ولغويا واجتماعيا نحو تشكيل استقراره من جديد، مما يؤشر على بعد معرفي تجرباني أقرب إلى الكتابة العجائبية السحرية حيث كثافة الإيحاء ترتبط أساسا بتجربة جيل بكامله في مرحلة هامة من تاريخ المغرب. وبذلك يتخذ الخطاب الشعري لمحمد بن طلحة خاصيتين مركزيتين: خاصية الكليات الشعرية العالمية ، وخاصية الوسائط التجربانية المحلية . ونحن إذ نشطنا مقصدياتنا في التحليل والتأويل اختبرنا كذلك الكفايات الوصفية لمفاهيم الدلالة المعرفية والنظرية الكارثية، مما يجعل قراءتنا لنصوص الشاعر محمد بنطلحة تساهم بقدر متواضع في تطوير تصورات تلك النظريات بناء على مبادئ التأويل المحلي قصد الوصول وبمجهودات إضافية إلى تشييد مورفولوجيا للشعر المغربي الحديث . إن رؤيا الشاعر محمد بنطلحة الكارثية (نسبة إلى النظرية الكارثية مع روني طوم، و جان بتيطو-كوكوردا، والتي تعتمد دينامية الانقطاع والتحولات، أي جدلية التحول والاستقرار )، تتمثل أساسا في هيمنة الجهة المتشابكة وبالتالي الزمن الفوضوي. فينقلنا من حالة إلى أخرى : من الإنسان إلى الطبيعة ، ومن الطبيعة إلى ما وراء الطبيعة ، ومن الواقع إلى الحلم .....ومن المتخيل إلى العجائبي ... خاصة وأن مرجعية هذه الرؤيا الشعرية يستمدها من الإطار الاجتماعي لطبقة المثقفين الثوريين ؛ لنتأمل الوحدات المعجمية الآتية: يعيش الشعب، إلى عمر بنجلون، يسقط العملاء ، موائد الفقراء،..... فإذا كانت رؤيا الاحتجاج والتغيير نفسها تتكرر بتمفصلات شعرية أخرى لدى أغلب الشعراء المغاربة الحداثيين، أمثال عبد الله راجع والخمار الكنوني وبلبداوي، فإنها تتميز لدى شاعرنا محمد بن طلحة بهذا المنظور العجائبي السحري ... فالممحص لهذا المنظور الكارثي الذي يعتمد الانقطاع ، والتشويش على النظام سواء أكان نظاما اجتماعيا أم لغويا نجده في دواوين الشاعر يتمفصل في شكل استعارات مبنية( (Métaphores filées بوصفها تتابعا وتراكما لأنساق المشابهة (استعارات أو تشبيهات واستعارات ) المتعددة التي تنمي نواة دلالية مركزية . وهي بذلك (( خلال نمو تصوري موحد سلسلة استعارات تستثمر عددا، مرتفعا تقريبا، من العناصر المنتمية لحقل دلالي واحد )). من هذه الاستعارات المبنية ما جاء في قصيدة كيفما كان من ديوان قليلا أكثر : منذ أن شققت بابا في ليل المعنى ونهر ما يحمل الغيوم والبحيرات والحدائق يحملها بأشجارها، والطيور فوقها إلى داخل الغرفة تشيد هذه الاستعارة المبنية نواة دلالية مركزية هي: تشاكل المعاناة التي تنشطر عن تراكم المركبات الآتية : ليل المعنى، نهر ما يحمل الغيوم والبحيرات...يحملها بأشجارها، حيث إسقاط المعنى على الليل ، وحمل الغيوم والبحيرات والحدائق على النهر .....وهو ما ينمي تشاكل المعاناة بناء على أن حمل ما لا يحتمل ينشط نواة المجاهدة والمكابدة ....ومن ثم، تتمثل الرؤيا الكارثية في الإسقاطات السالفة الذكر نفسها حيث تخرق قواعد الطبيعة ورتبة الحقائق من خلال نقل الأشجار والبحيرات والطيور إلى داخل الغرفة : إنها وضعية سينمائية أشبه بأفلام الخيال العجائبي حيث تشوش على العوالم الممكنة للمتلقي ..... وهكذا ، يحاور شعره نص كافكا في روايته التحول (La Métamorphose) وأعمال عدد كبير من كتاب القصة في أمريكا اللاتينية من أمثال الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس والكولومبي غارسيا ماركيز، حيث تكون العوالم المشيدة معادلة في غرابتها لعوالم الحلم وما يترتب عن ذلك من انقطاع وحصول حرمان كارثي ينمو ويتحول في اتجاه عوالم جديدة . ولذلك، يمكن أن ننعت الخطاب الشعري عند محمد بن طلحة بالواقعية السحرية أو العجائبية . وبناء على ما سبق، نستنتج أن المقومات الإيحائية تتحدد أساسا في دواوين الشاعر انطلاقا من الصورة: المناقضة، أو الصورة: الاستعارة المبنية..إضافة إلى انقطاع التشاكلات الصوتية والفضائية. وهي صور بلاغية تمثل بعض مستويات الكثافة البلاغية ضمن رؤيا كارثية تشتت العالم وتعيد ترتيب عوالمه من جديد... وإذا كانت مستويات الكثافة الدلالية في حالة النفي الكارثي تؤشر على الانقطاع والإيحاء بالاحتجاج من خلال صور بلاغية متعددة، فإن دينامية القصائد تتجه نحو حالات من الاستقرار تؤشر على بنية تصورية عميقة تفسر إلى حد بعيد مقصديات النص والشاعر . فالشاعر يقلب الأنظمة الطبيعية نحو تشييد حالات تنمو من استبدال أدنى هو الموت، نحوالمجال: الفراغ، ليحيل على استبدال أقصى يتمثل في البعد: اللاوجود وهو البنية التصورية المثالية التي يحلم بها الشاعر احتجاجا على واقع مزيف .. والملاحظ أن هذه الطبقات الدلالية تمثل الكثافة الدلالية ليس فقط انطلاقا من انشطار المقومات الجوهرية، بل أيضا بناء على حمولاتها الإيحائية السياقية . هكذا، تتبعنا أطروحة الكثافة الدلالية بمختلف مستوياتها في دواوين الشاعر، حيث تحققنا من مقولة الكثافة ذاتها من خلال تأويل محلي لبعض القصائد التي ارتبطت بتجارب ذاتية وجماعية عاشها الشاعر وتفاعل مع مظاهرها الثقافية والحضارية.ثم كشفنا عن رؤيا كارثية دينامية تنطلق من تشتيت مكونات العالم الطبيعي بواسطة ألعجائبي والسحري، إذ كانت المناقضة والاستعارة المبنية، والانقطاعات الصوتية والفضائية بمثابة مستويات بلاغية للكثافة ومعادلا تشكيليا للفوضى التي طبعت احتجاج الشاعر .....بيد أن البنية العميقة التي استقرت عليها تحولات هذا المنظور الكارثي تمثلت في بنية اللاوجود المقابل للوجود المزيف الذي ترفضه مقصديات الشاعر.وقد حللنا تلك البنية بواسطة مستويات دلالية تنمو من الحقل : الموت نحو المجال : الفراغ، في اتجاه استبدال أقصى هو اللاوجود، مما يكشف كذلك عن الإطار المعرفي الذي تتناسل منه مقولات الشاعر وهو إطار الثورة أو الاحتجاج. وقد وجدنا لهذا الإطار المعرفي معادلا اجتماعيا تمثل في تجارب جيل مغربي معين كان يحلم بالاشتراكية والعدالة والتغيير ، فاختار رموزه الثقافية والشعرية ضمن منظومة سيميائية متعددة الأشكال تختلف من شاعر للآخر .....