هي زيارة ليست ككل الزيارات .. أن تترك بشرا تعرفه في وضع وتعود لتلتقيه في وضع آخر عصي عن التصديق.. أمر صعب جدا .. ذاك هو الإحساس الذي غمرني و الزميل منير الشرقي لدى زيارة جريدة «الاتحاد الاشتراكي» للمعتقل المفرج عنه ياسين المهيلي. كان لقاء مفعما بالحميمية .. لكن العيون .. عيوننا لا تريد أن تصدق ما تراه. الشاب الذي تركناه ذات سجن وزيارة من صيف السنة المنصرمة وهو يعاني فقط من ضربات كان قد تلقاها في ولاية الأمن بآسفي، ويقاوم بالكاد آلاما في صدره، أصبح شخصا آخر مختلفا كلية عن ذلك الناشط الذي اعتدنا رؤيته في الوقفات والاحتجاجات، وهو يضج حركة ونشاطا .. لقد تقوس ظهره واعوجت يده ،وفقد النطق بشكل صحيح .. وبات يرطن فقط بتمتمات لا يفكها سوى أصدقاؤه أو أمه التي التقيناها في بيت الأسرة. في بيت المعذب لما سمع ياسين بأمر الزيارة، فرح فرحا شديدا، أما لما رآنا.. فقد حاول القفز وهو عليل وبلا عكازات. تذكر أشياء جميلة مرت بيننا ومعنا زمن الحراك والاحتجاج، تلك الأشياء التي اخترقت علاقة مكتب الجريدة بالمحتجين وتخصيصا شباب تنسيقية المعاهد الخلوقين والمهذبين والهادئين .. الحديث مع ياسين و أصدقائه امتد إلى كل شيء .. الاعتقال، التعذيب، السجن، المعاناة، المرض، الإضرابات عن الطعام ، الأحكام القاسية، و الفرج الأخير الذي جاء في المرحلة الاستئنافية والذي عجل بإنصافه مع بقية الشباب، وتمتيعهم بحرية يستحقونها . هكذا.. كانت أسئلتنا موجهة بشكل دقيق إلى ما وقع أثناء الاعتقال و بعد إحراق المقاطعة والكوميسارية وعرقلة القطار .. لكن ياسين وصحبه كانوا مصرين كما نحن .. على معرفة ما جرى بالضبط في ولاية الأمن أو مقر الامن الاقليمي يوم فاتح غشت وثانيه ..أي أول يوم من شهر الصيام في رمضان الفائت .. ثمة التفاصيل وثم كل الحقيقة التي حولت واحدا من شباب عاطل الى معوق لا يقدر على المشي والنطق السليم ..... الحقيقة المرعبة يروي ياسين بصعوبة وبتلعثم ماحدث يومها .».لقد قررت تنسيقية المعاهد بعد أن انفلتت الاوضاع ولم يعد الاحتجاج على سكة القطار متحكما فيه وتسربت عناصر دخيلة الى موقع الوقفة ..التي حاول تنفيذها شباب ومعطلون بعد علمهم بالتوظيفات التي سيقوم بها ..بدأ سيل من الحجارة والهجومات يقودها ملثمون « ..وهنا يؤكد ياسين أن التنسيقية التي ينتمون لها قررت الانسحاب بعد تعقد الوضع .. بين الحابل والنابل ..كما قالت العرب قديما ..حل الرشق بالحجارة والمقالع اليدوية والشراويط أيضا .. وجد نفسه في قبضة رجال الامن ..هو الذي كان يحاول جاهدا الابتعاد عن «حرب الشوارع « التي بدأت ولم تنته ذلك المساء إلا على وقع الإحراق والنار والفجيعة التي مست الجميع .. يواصل ياسين بطريقة لا تخلو من أسى، ومع كل تذكر تصعد منه تنهيدة عميقة تكاد تحبس أنفاسه المحبوسة أصلا...هكذا ارتمى عليه كما قال لنا ..رئيس الشرطة القضائية وقال لمساعديه « ديوه هدا غادي يخلص كلشي ......» ومن بعد ماذا حصل بالتحديد؟ ياسين :ملي دخلنا للكوميسارية وحنا ف العصا ..البروطكانات والرجلين في وجوهنا ..لم يتركوا أحدا منا إلا وأشبعوه ركلا وعنفا بكل وحشية ..لم يراعوا لاحرمة رمضان ولا حقوق الانسان ..ضربوني على عيني بقوة ..وضعوا البانضة على عيوننا بشكل لم نعد نسمح سوى الأنين وصياح الدراري من الألم ومن الزرواطة التي لا تميز شيئا في لحمك أو عظمك.. ستمر التعذيب ..؟ ياسين:اوووووف بباف بباااااف ..يقصد بزاف .. هد شي لي وقع غادي تاخذو فيه عشرين عام لواحد ..هكذا خاطبنا أحد الأمنيين وهو يكرهنا على توقيع المحاضر ..شخصيا رفضت وطلبت الاطلاع على مضامينه ..لكنهم سخروا مني وطلب « الحامد» أن أوقع دابا ..انهالوا علي مجددا وقررت ألا أوقع ... هنا صمت طويلا وكأنه تذكر أمرا مريرا ..قال ..أتعلمون لماذا وقعت مكرها على المحضر ..لقد أمرهم بإنزال سروالي ..عروني ..وأحضروا عصا مدببة من رأسها ووضعوا عليها ميكا ( بلاستيك)..وهموا بوضعها في دبري ..بوووووووووووف ...بووووف ..وقعت لأنهم كادوا يخوزقونني ..في هذه اللحظة قالت الحاجة خديجة أم ياسين ..لاحول ولا قوة إلا بالله ..وانفطر صدرها عن آه عميقة لن يعرفها إلا والد وماولد .. } ماذا أيضا باياسين؟ ربطوني مع الكرسي والمينوط في يدي ورجلي ..بحال واحد معلق وهو جالس .. } هل تذكر الوجوه التي «أكرمت» وفادتكم ..؟؟ ويييييييييييه ..رأيناهم ونحن في السجن ظهروا كلهم في برنامج «مسرح الجريمة» الذي تبثه قناة «ميدي ان» والذي بثوا فيه قضية الرجل الذي أحرق خليلته وصديقه وستة من النائمين بدرب بوجرتيلة في المدينة القديمة ..اثنان أعرفهم جيدا مثل معرفتي للحامد ..وظهروا في البرنامج المذكور واحد مول الكاسكيطة والثاني رأيت شعره الأشيب وشاربه الأبيض عندما جذب رأسي وذقني للأعلى يوم التعذيب ..وإذا عرضوا وسط جمهرة من الناس سأميزهم ..لن أنسى كما بقية المعتقلين ما مارسوه علينا في الكوميسارية وفي رمضان ..إذا لم آخذ حقي في الدنيا فلن أسمح لهم وسآخذه في الدار الآخرة ..فليتأكدوا .. } ماذا تطلب عقب خروجك ..؟ ملاحقة من عذبوني بالقانون والدستور يضمن حقوقي ويمنع التعذيب .. وهم معلومون لدى الجميع ..وضعي الصحي ..حولوني الى شبه كمية مهملة ..أين مستقبلي خرجت فقط للدفاع والبحث عن مطلب اسمه الشغل ..لماذا يعذبونني في ظل دستور جديد ويلفقون لي تهما مطبوخة ..راهم كانو كيضربو ويشتفو علينا ..ونقلونا الى المحكمة حفاة مدندغين ............. ويرسلوننا للسجن ظلما وعدوانا ... في السجن ظروف الاقامة لم تتحسن إلا بعد زيارة المسؤولين في المجلس الوطني لحقوق الانسان ..وماما اسية ..ولم أتعرض أنا شخصيا للتعذيب والضرب هناك .. عذبوني في الكوميسارية ...ببببببببباف (يعني بزاف فمخارج الحروف لم تعد تطاوعه )...... سألته متعمدا عن الرئيس السابق للشرطة القضائية ..انقبضت ملامحه وغابت عيناه في المجهول ..تسرب اللامعنى لمحياه..وياليتني ماسألته.. رد ياسين ..مانسمح ليه هو سبابي ف هد شي لي وقع ليا ..انتقم منا ..حيت رفعنا دعوى قضائية ضده بسبب العنف الذي كان يمارسه على الشباب في الوقفات ويأتي إلينا مهددا ومتوعدا ..وأنتم لديكم في الاتحاد الاشتراكي كل التفاصيل لأنكم عشتم معنا منذ بداية التوتر.. الخلاصة .. سقنا بالتفصيل الممل وعلى لسان ياسين أحد الضحايا، صورا ووقائع عن التعذيب الذي عرفته مخافر الأمن باسفي صيف 2011 ..وحاولنا اطلاع المعنيين وغير المعنيين على حقيقة ماجرى والذي نشرناه في حينه على صفحات جريدتنا ..ماهي الاسئلة المطروحة عقب كلام هذا الشاب المعطل الذي خرج يحتج وسط حراك مغربي ناجز وعاد الى أهله أقرب الى الجثة والعته : * أولا ..من اقترفوا جريمة التعذيب لايزالون في كوميسارية اسفي ..بأسمائهم ومسؤولياتهم ..ألا يبدو من البديهي فتح تحقيق عميق ونزيه مع هؤلاء وترتيب المسؤوليات وعرضهم على السلطة القضائية تطبيقا لمقتضيات الدستور، وإنصافا لضحايا التعذيب ..؟؟ * ثانيا ..تبين أن هؤلاء الشباب المعتقل وكل الاحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية كانت تعرف ذلك ..إنه لا علاقة لهم بملف أحداث النار والتخريب وقد زج بجلهم في ملفات انتقاما من خروجهم في مسيرات حركة 20 فبراير والاعتصامات التي كانت تنفذها تنسيقية وجمعية شباب المعاهد المعطلون بالمدينة ..وأغلبهم لعلم البعض غير مسيس ولايحمل أجندة من تلك الأجندات التي كانت تنزل وقتها في المدن المغربية ومنها اسفي .. * ثالثا .. المجلس الوطني لحقوق الانسان كان يتوصل ديوان رئيسه وأمينه العام بكل الشكايات والتفاصيل عن التعذيب وعما وقع في اسفي ..هذا ناهيك عما جمعته لجنة التقصي الرسمية التي حلت باسفي عقب مقتل ناشط فبرايري ..والشهادات والافادات التي ضمنت في محاضر رسمية وتقرير رسمي..والتي تحدثت كلها عن التعذيب والاختطاف والرمي خارج المدينة وكان الاسم الذي يرد في كل تلك الشهادات لكوميسير واحد ووحيد .. * رابعا ..من سيزور ياسين المهيلي وسيطلع على وضعه الصحي، سيدرك فداحة وفظاعة ما أنجزه «الحجاج» الذين حاولوا «السفر» بنا في عز الربيع العربي والتميز المغربي الى سنوات الرصاص عموما ،هذا ما وقع بالضبط للشاب ياسين وهذه حكايته مع التعذيب ومع المعذبين ..أسرته التي جالسناها تطالب بشكل مستعجل بعرض ابنها على المتخصصين لعلاجه وانقاذ حياته.أما ما وقع له من تعذيب، فالأمر سيكون له ما يليه ...حتما.