الفنان محمد المزكلدي، من الرواد الأوائل في الأغنية المغربية، بدأ مساره الفني في الخمسينيات القرن الماضي، يمتاز بحفظ سريع و نطق سليم وأذن موسيقية عالية والتزام بالإيقاع. يعتبر أحد الأسماء التي أسست صرح الأغنية المغربية، وساهم في تأسيس وتطوير العديد من الأجواق، يقال إنه أول فنان مغربي تذاع أغنيته من القاهرة. ولد سنة 1932 بمدينة فاس، من عائلة مولعة بالفن والموسيقى، التحق في البداية بالكتاب ثم تابع دراسته بالمدرسة بعد ذلك التحق بجامعة القرويين، التي تخرج منها سنة 1948، كان مرتبطا بالطرب والغناء منذ صغره عن طريق بعض أصهاره، في أواخر الأربعينيات القرن الماضي تعرف على محمد فويتح وعبد الرحيم السقاط وأحمد الشجعي، والتحق بجوق «الشعاع» الفني الذي كان يترأسه الشجعي، ثم الجوق «العصري» التابع للإذاعة بعد تأسيسه، والذي كان يترأسه أحمد البيضاوي، حيث كان مطربا إلى جانب المعطي بنقاسم في هذا الجوق، بعد أحداث دجنبر 1952، على إثر اغتيال فرحات حشاد، وجه إليه أول إنذار من إدارة الإذاعة وخصم من راتبه، وبعد أحداث 20 غشت 1953 تعرض للطرد من العمل بالجوق العصري للإذاعة، بأمر من الإقامة العامة، وتم إبعاده من طرف سلطات الحماية الفرنسية من الرباط إلى فاس. سيغادر فاس في اتجاه القاهرة رفقة عبد الرحيم السقاط، اسماعيل أحمد، بداية الخمسينيات. كانت له أذن موسيقية، يستمع إلى فنانين كبار ورموز الأغنية العربية مثل محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش واسمهان وزكريا أحمد وغيرهم من رواد الطرب أنذاك، كما التقى بعضهم، أما عبد الحليم حافظ طالما رافقه في سهرات برامج «أضواء المدينة» بإذاعة مصر. ساعده في البداية بعض كتاب كلمات مثل أحمد الطيب العلج الذي كان يبعث له بالنصوص، والدكتور عبد السلام البقالي، وخالد مشبال اللذين كانا موجودين هناك بالقاهرة، كما تعامل مع حسن المفتي في أكثر من عشرين أغنية. استطاع المزكلدي أن يستثمر مجهوداته وأعماله في مجال الفن والطرب والغناء، وعقد اتفاقا مع إذاعة «صوت العرب» لتسجيل وإذاعة حوالي 15 أغنية مغربية مثل «فين غاب القمر»، «علاش قطعوك يا الوردة»، «أنا محتار»، «قنديلي يا قنديلي»، «تنسول نجوم الليل»، «خمسة وخمسين»، ثم غنى المزكلدي عن مشروع بناء طريق الوحدة الذي أشرف عليه الشهيد المهدي بنبركة، وذلك حسب ما كتب الزميل عبد اللطيف جبرو، حيث قال إنه التقاه في شتنبر 1957، بطنجة على هامش المؤتمر الثاني للشبيبة الإستقلالية وشارك في سهرة موسيقية وغنى فيها نشيد الطريق جهادي للإشارة إلى مشروع بناء طريق الوحدة. من بين أشهر أغانيه: «مبروك ومسعود»، «زهرة بلادي»، و «ظلمني الحب»، و«يا زينت العرايس» التي هي من كلماته، والتي جاء فيها: العروسة زينة حلوة وفنينة عريسها شاب لطيف وبشكل باين ضريف هو يبغيها، هي تبغيه، من قلبو يحن عليها من قلبها تحن عليه لحباب ولصحاب دايرين بيه كيهنيو العروسة مرهونة، هاهي مرهونة في دار باها مرهونة ها لحجوب عليك يازينة العرايس ها الزين المسرار هاهوا ها الهمة والشان هاهو قطيب الخيزران هاهو يازينة العرايس بعد سفره إلى مصر انتقل إلى سوريا ولبنان وسجل هناك العديد من الأغاني المغربية. ثم عاد الفنان المزكلدي إلى المغرب سنة 1960 . ملقبا بسفير الأغنية المغربية بالمشرق العربي. استدعاه الملك الراحل الحسن الثاني لإحدى السهرات المنظمة بالقصر الملكي بمناسبة زفاف الأميرة اللامريم، وطلب منه أن يغنى أغنية «العروسة». وفي تلك المناسبة سأله الملك عن غيابه وعن أحواله، فأجاب «اللي كلا حقو تايغمض عينيه»، وأضاف «وضعي المادي مريح، ولكن أريدكم أن تلتفتوا إلى المعطي بنقاسم، إنه يموت ولديه أكثر من سبعة أولاد»، وفي لقاء آخر التمس المزكلدي من الملك الراحل أن يعطي شيئا لصديقه محمد فويتح، الذي كان يمر من ظروف قاهرة، فأكرمهما الملك معا .. المزكلدي هو من اكتشف الفنانة ليلى غفران، حينما كانت تدرس بالمعهد الموسيقي للدارالبيضاء، حيث طلبت منه مساعدتها كي تغني في التلفزيون والإذاعة الوطنية. الفنانة ليلى غفران امرأة طيبة، إسمها الحقيقي هو جميلة، كانت تعشق الغناء عشقا، يحكي المزكلدي أنها جاءت عنده وعمرها 17 سنة وهو بالمعهد الموسيقي بالدارالبيضاء وطلبت منه أن يساعدها لأنها مغنية تجيد الغناء، وفعلا استمع إلى صوتها بالمعهد، فوجد صوتها رائعا، وأعجب به، فاشترط عليها أن تقدم والدها ليسمع منه شخصيا أنه لا يرى مانعا أن تكون ابنته مطربة، وبعد الموافقة الوالد الذي كان يشتغل عاملا بشركة التبغ، قدم لها يد المساعدة، وهيأ لها أغنية، وأخذها معه إلى فاس، وجلست عند أخته، حتى تتمكن من حفظ الأغنية وسجلها مع جوق فاس، وأضاف لها أغنية أخرى وطنية.. الفنان محمد المزكلدي كان قد مرة من وضعية صعبة سنة 1984، والآن يعيش في ظروف قاسية، يعاني أزمة صحية، منذ أزيد من سبعة سنوات، حتى التكريم الذي خصته القناة الثانية سنة 2009، لم يتمكن من صلة الرحم فيه مع الجمهور، بحيث ناب عنه بعض أصدقائه من الفنانين في غناء بعض أغانيه، نتمنى للفنان محمد المزكلدي..