لم تستجب البنوك المغربية للمطالب التي قام عليها مشروع تحرير بواخر شركتي «كوماريت» و «كومناف» من الحجز لتستعيد نشاطها على الأقل خلال فصل الصيف المتميز بالإقبال المكثف لمغاربة الخارج على النقل البحري. فمساء يوم الجمعة الأخير تأكد أنها قررت عدم الاستثمار في المشروع وعدم ضمان القروض التي يقدر مجموعها بحوالي 320 مليار سنتيم، كما لاحت في الأفق مظاهر عجز الحكومة الحالية عن معالجة المشاكل التي ترتبت عن خيارات الوزير السابق. قرار البنوك زاد الوضعية تعقيدا، ودفع بالاتحاد المغربي للشغل إلى تنظيم وقفتين احتجاجيتين يومه الاثنين بالدار البيضاء أمام كل من مقر «كومناف» ومديرية الملاحة التجارية، إذ صار من الصعب تصور التوصل إلى حل يلبي الحد الأدنى من حقوق حوالي 3000 من العاملين في الشركتين اللتين تعانيان من توقف نشاط 11 باخرة، سواء منهم العالقين بموانئ أوربية أو المتواجدين على أرض الوطن. وإذا كان بإمكان من يزاولون مهنا لا تحتاج إلى شهادات معترف بها أوربيا كمستخدمي المطاعم والفندقة والنظافة، أن يحاولوا التنقل إلى شركات بديلة ويواجهوا بدورهم نفس المخاطر التي يعاني منها مستخدمو القطاع السياحي، فإن من يتحملون المسؤوليات الأساسية في النقل البحري، وخاصة منهم الربابنة، سيحرمون من الحق في الحصول على مناصب شغل مادام أن الدبلومات المغربية التي يتوفرون عليها غير معترف بها من طرف المصالح الأوربية المختصة، علما بأن خبرتهم في الميدان جعلت منهم ربابنة قادرين على مواجهة مختلف المخاطر والصعوبات، وهذا في حد ذاته يفرض التساؤل عن دور الوزارة وعن مصير الخريجين الجدد في ظل ظرفية متميزة بفقدان الأسطول المغربي لعدد كبير من بواخره، كما يفرض التساؤل عن مصير الطلبة الأفارقة الذين لا يمكنهم أن يصبحوا ربابنة إلا بعد قضاء تدريب على متن البواخر لمدة لا تقل عن سنة ونصف. الأزمة التي يتخبط فيها الأسطول المغربي للنقل البحري أبانت عجز الحكومة عن مواجهة المشاكل المطروحة، فبدل أن تتقدم بمقترحات عملية تمكن البواخر المحتجزة من الإبحار، على الأقل خلال فصل الصيف، فإنها ضيقت الخناق على المجموعة التي خاضت سلسلة من المفاوضات مع مختلف الأطراف المعنية، إذ تقدمت بطلب عروض يعلم الجميع أنه سيسفر عن تعويض البواخر المغربية المحتجزة ببواخر أجنبية، وسيمهد لوضع ما تبقى من الأسطول المغربي على بوابة الإفلاس، كما أنها اكتفت بانتظار نتائج التفاوض وكأنها لا تفتقر إلى مستشارين يتوفرون على الخبرة الكافية للتقدم بمقترحات تحمي هذا القطاع الاستراتيجي من الهيمنة الأجنبية. لقد عمل الفريق، الذي قاده الرئيس المدير العام السابق ل «كومناف» توفيق الإبراهيمي، على إيجاد مخرج لأزمة الشركتين المعرضتين للإفلاس. وبعد أن حصل على التمويل الكافي لتسديد أجور المستخدمين ولتشغيل البواخر المتوقفة منذ عدة أشهر، خاض عدة اتصالات مع الجهات الدائنة وخاصة منها البنوك، وبعد أن لاحت في الأفق ملامح تخلي البنوك عن نصف الديون المترتبة على الشركتين، تزايد الأمل في إيجاد حل مرحلي يقوم على قبول البنوك لتقديم ضمانات للدائنين وخاصة منهم الأجانب الذين حجزوا على البواخر المغربية، ولكن كل الآمال تبخرت بفعل غياب سند رسمي لمشروع الإنقاذ. كان من المرتقب أن تقف الحكومة موقف المدافع عن الخيارات التي تجعل من الأسطول البحري قطاعا استراتيجيا يعول عليه في بسط سيادة المغرب على مياهه الإقليمية، وفي مواكبة الخيارات الاستراتيجية لباقي القطاعات وخاصة منها الفلاحة التصديرية التي يرتكز عليها مخطط المغرب الأخضر ، ولكن الوقائع أبانت عن ميولها نحو الترخيص للشركة الإيطالية «غريمالدي» بتغطية خطين بحريين مربحين يربطان سيت الفرنسية بكل من طنجة المتوسطي والناظور، وقد عززت خيارها بإيهام الأطراف المعنية بأن الدولة ستتدخل عبر صندوق الإيداع والتدبير وشركة تدبير الميناء المتوسطي طنجة، لكن بعد شهرين تأكدت استحالة العمل بهذا الخيار لأسباب قانونية، وتأكد تخلي البنوك المغربية عن القطاع. التخلي عن الأسطول البحري المغربي يتمثل كذلك في التوجه نحو الترخيص لباخرتين جديدتين لتغطية الخط الرابط بين طنجة والجزيرة الخضراء بإسبانيا، علما بأن إدارة ميناء طنجة المتوسط كانت تطالب في السنة الماضية بتقليص عدد البواخر اعتمادا على الإحصائيات التي تفيد بأن نسبة امتلاء البواخر كانت تصل في أقصى الحالات إلى 50% بينما المعدل السنوي يستقر في حوالي 17%. إننا أمام إشكالية يمكن تلخيصها في أن 11 باخرة مغربية متوقفة عن العمل وبأن حوالي 3000 مستخدم لا يتقاضون أجورهم ومستحقاتهم، وبأن الشركات الأجنبية المنافسة تتحين الفرص للقضاء نهائيا على الأسطول المغربي بأكمله ليتأتى لها في ما بعد التحول من ميناء طنجة المتوسطي إلى ميناء سبتةالمحتلة مع فرض أسعار عبور جد مرتفعة. هذه هي الإشكالية، فأين الحكومة؟