علوي: خصصنا أكثر من 32 مليار درهم لقطاع الصحة والميزانية الإجمالية للتعليم ستفوق 85 مليار درهم    المغرب يفتتح "كان الشاطئية" بالفوز    إبراهيم دياز يقترب من العودة لمواجهة برشلونة في الكلاسيكو        الإجهاض السري يوقع ممرضة متقاعدة في يد الأمن    الأمن يوقف تاجر تمور فاسدة بإنزكان    مشروع قانون مالية 2025..الحكومة تخصص 16 مليار درهم لصندوق المقاصة و20 مليار درهم للحوار الاجتماعي    انتخاب فاطمة السعدي ضمن القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة    عرض تقسيم الصحراء المغربية للمرة الثالثة..    المضيق تحتضن الملتقى الجهوي الثاني للنقل    "العدل والإحسان": السنوار مجاهد كبير واستشهاده لن يزيد المقاومة سوى ثباتا في مواجهة المحتل    فريق "البيجيدي" بجماعة الرباط ينسحب من دورة أكتوبر الاستثنائية    الصحراء المغربية.. غوتيريش يطلع مجلس الأمن على المبادرة الملكية لفك العزلة عن بلدان الساحل    إسبانيا.. توقيف عنصرين مواليين ل "داعش" بالتعاون مع "الديستي"    أداء سلبي في تداولات بورصة الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المطبقة على الأبقار والأغنام وزيت الزيتون        خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون مستجدات قضية الصحراء المغربية وموقف غوتيريش من مقترح الحكم الذاتي    "ميتا" تجرب فيديو الذكاء الاصطناعي مع استوديو لأفلام الرعب    بعد عملية قلب ناجحة…مزراوي يعود للتدريبات مع مانشستر يونايتد    حماس: قصف ليلي يقتل 33 شخصا    مغاربة يصلون صلاة الغائب وينعون السنوار في أزيد من 100 مظاهرة في 58 مدينة    شمال غزة يٌباد.. جيش الإحتلال يقصف المخيمات والمدارس والمستشفيات وتحرم الناجين من الماء والغداء والإنرنيت    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    عمدة طنجة يُعلن إطلاق إسم نور الدين الصايل على أحد شوارع المدينة    ستة فرق تتنافس على الصدارة وقمة القاع تجمع الكوكب المراكشي بأولمبيك خريبكة    لجنة الأخلاقيات تعلن إقالة أبو الغالي من المكتب السياسي لحزب "الجرار" وشغور مقعده بقيادته الجماعية    طائرة مسيّرة من لبنان تستهدف مقر إقامة لنتانياهو    الأمم المتحدة لا تعتبر ما قاله ديميستورا حول تقسيم الصحراء المغربية اقتراحا    كرطيط رئيسا جديدا لاتحاد طنجة خلفا للشرقاوي    افتتاح الدورة ال 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    تكريم ديفا الأطلس حادة أوعكي يُزين حفل افتتاح مهرجان "أجدير إيزوران" بخنيفرة    جيش إسرائيل يعلن مقتل ناصر رشيد    طائرة مسيرة لحزب الله تستهدف "نتنياهو" وتنفجر بمنزله جنوب حيفا    كيوسك السبت | الاتحاد الأوروبي يستعد لإخضاع التحويلات المالية للمهاجرين المغاربة للمراقبة    جدة تحتضن مباريات كأس السوبر الإسباني    الجيش الملكي يفوز على ضيفه الفتح في ديربي الرباط    أمن العيون ينفي مضمون شريط فيديو    مهنيون: غلّة الزيتون ضعيفة.. وسعر لتر الزيت يتراوح بين 100 و110 دراهم    مباراة لكرة القدم بطنجة تنتهي بوفاة شخص إثر أزمة قلبية    تكريم الشوبي والزياني يزين حفل افتتاح المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    فرقة ثفسوين من الحسيمة تتوج بالجائزة الوطنية للثقافة الامازيغية    المغرب يسجل حالة وفاة ب"كوفيد- 19"    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    ياسين كني وبوشعيب الساوري يتوجان بجائزة كتارا للرواية    بوريطة يؤكد على "سواحل بحرية للمملكة تشمل 3500 كيلومترا" خلال مباحثات مع الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية        التوترات الجيوسياسية تدفع الذهب لأعلى مستوياته على الإطلاق    شفشاون تحتضن فعاليات مهرجان الضحك في نسخته الرابعة    علماء يطورون تقنية جديدة لتجنب الجلطات الدموية وتصلب الشرايين    المديني: المثقفون العرب في فرنسا يتخوفون من إبداء التضامن مع قطاع غزة    تسجيل أزيد من 42 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2024    دراسة تظهر وجود علاقة بين فصيلة الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاتر التحملات: مجاهدات في إمبراطورية العبث

تجلى نوع من الغموض في تحديد الأدوار بداية منذ مرسوم التعيين. فهذا النص أعطى لوزير الاتصال ،
من بين مهامه، حق تتبع دفاتر التحملات الخاصة بالإعلام العمومي ;وهذه مسألة تقتضي نظريا بعض النقاش
حول التنزيل الدستوري لتدبير و تقسيم الصلاحيات بين المؤسسات و الوزارة و الهيئة العليا للسمعي البصري .
من نتائج المصادقة على الدستور الجديد أيضا ; ضرورة تحيينات متعددة في هذا المجال ؛ خصوصا أن الهاكا أصبحت هيئة دستورية ،رغم أن قوانينها وبنياتها ومكوناتها البشرية ناتجة عن مرحلة سابقة، تختلف تماما في منطقها ومسوغاتها الفكرية والسياسية والقانونية عن المرحلة الجديدة.
و لأن بنيات الإعلام العمومي أيضا بكاملها تعود لمرحلة أخرى برجالاتها وهيكلتها وعقلياتها ،وتحتاج لتكييف يأخذ بعين الاعتبار الترتيبات الدستورية الجديدة ،وكذا التحولات السياسية التي أعطت أغلبية جديدة بمكون رئيسي يتجلى في العدالة والتنمية، كهيئة سياسية لها اختياراتها ووزنها على المستوى الحكومي و البرلماني أيضا.
المؤسف أننا نعايش منذ التعيين إلى الآن الكثير من الانكسارات ،نحن نتلقى يوميا عبر الإعلام العمومي إحباطات يتحمل وزرها أولو الأمر في الدولة جنبا إلى جنب مع مكونات الأغلبية الحكومية ،مع فارق القياس علاقة بالسلطة الفعلية؛ فحلقة «التحملات» ليست سوى مقطع من مقاطع العبث السائد مثلت فيه الدفاتر امتحانا لكافة الأطراف، وسقط في هذا الامتحان أصحاب القرار في الدولة والحكومة معا.
هل فجأة
تم نسيان التعليمات ؟
هناك توجسات كثيرة تؤثث هذا الواقع : فهل من المعقول أن توافق الهاكا على هذه الدفاتر وهي الهيئة التي لم تتوفر فيها قط شروط الاستقلالية المفترضة ،بل ظلت ترجع بشكل طبيعي لمجال التعليمات الذي تمخضت من صلبه وألفت التعامل معه بشكل منسجم وإجباري. كيف حدث هذا, و هل يمكن أن يحدث هذا دون استشارة أصحاب القرار الفعليين ؟أو أعضاء الحزب السري كما اعتاد أن يسميهم قديما السيد اليازغي ؟ ولنفترض أن الهيئة اتخذت قراراتها بكل استقلالية ،فلماذا لم تتخذ احتياطات واضحة تجاه البنود التي تهدد مجال الحريات الأساسية؟ وكيف حدث أنها لم تنتبه لتسرب ترتيبات إجرائية وتدبيرية محضة لا تدخل في اختصاصها أو في مجال اختصاص دفاتر التحملات ؟
صمت دهرا ونطق.....
السؤال المقلق الإضافي هو كيف حدث لأباطرة القطاع الإعلامي الصامتين دوما، والمنضبطين أبدا للتعليمات «العليا»والخفية، أن خرجوا بغتة عن صمتهم؟ كيف لهؤلاء الذين خنقوا بقبضاتهم ومخالبهم استقلالية ومهنية قطاع الإعلام العمومي، أن ينتفضوا للدفاع عن «استقلالية» (بل «استغلالية» على الأصح) هذا القطاع من تأثيرات « التدخل الحكومي « ؟ أليس من وحي منزل أصابهم بمس الحديث عن الموضوع؟
إنها معجزات وخوارق مغربية تذكرنا (إنما تنفع الذكرى») بأهمية التسبيح بقدرة الله تعالى جلت قدرته، جنبا إلى جنب مع الوزير مصطفى الخلفي، على الرغم من كل الخلافات التي تفصلنا معه ،والتي تجعل لقائنا حول هذه النقطة عابرا وغير مستديم. والحقيقة أن المهنيين أو الفاعلين المدنيين أو المناضلين السياسيين الذين يصنفون أنفسهم حداثيين،يوجدون اليوم في رفقة مزعجة بسبب هذه «المحدثات» المغربية، فليس هناك بلد يعمل ضمن قواعد المدرسة الدمقراطية يمكن أن يجعل من شخص عادي بين الليلة والأخرى زعيما سياسيا، ويربح حزبه مقعدا يمثله شخص لم يكن ينتمي إليه؟ ويبقى وزيرا في حكومة ويتم صباغته بلون ملائم، وينص الدستور على حرب الترحال أو على حكومة يختارها رئيس الأغلبية، فإذا بثقل الدولة يتحول إلى خارج الحكومة،ويعهد إلى مشاركة في اختصاصاتها من خارج البرلمان، وهلم جرا.. (وعلى الأصح « الله يلعنها جرا «) .
حداثة مفترى عليها
المهم، شخصيا، دفعتني هذه المحدثات دفعا للتنصل من الحداثة المغربية المزعومة. و جعلتني أتعوذ بالله من شر المحدثين. ويبدو أن هذه ‹الأحداث» تدفعنا للرجوع إلى العصور الحجرية بأدغالها وحيواناتها، لأنها تبدو أرحم وأكثر انسجاما مع حقائق الأشياء بهذا البلد.
المهم، أفرزت قضية دفاتر التحملات بالنسبة لجمهور المواطنين العاديين من أمثالي ما يلي:
1- الحاجة إلى ترتيبات دستورية إضافية لضمان مبادئ الفصل بين السلط، وحق المواطن في المعلومة، وحق المغاربة في إعلام عمومي يحترم مواصفات المرفق العام المتعارف عليها ? كونيا وبدون أي استثناء أو تحفظ. بمعنى آخر أصبحت تتجلى الحاجة إلى تعديلات دستورية قبل الشروع في تنزيلات الدستور الطري الذي تمت المصادقة عليه.
2- الحاجة إلى مراجعة القانون التنظيمي ومكونات الهاكا بشكل جذري وضمن نقاش عمومي وحر،وذلك كي تكون هناك هيئة قادرة على تحمل مسؤولياتها ،في المجال الذي يدخل في نطاق اختصاصاتها ،في مرحلة جديدة لم تكن قبل مؤهلة لها .
3- الحاجة لإصدار قانون جديد يمثل إطارا منظما للمجالات السمعية-البصرية يتجاوز القانون الحالي وغموضاته الكثيرة.
4- إخضاع هياكل الإعلام العمومي للمراجعة التامة باعتماد وإبراز المهنية والمسؤولية والمحاسبة. وبالتالي الإقالة الفورية لرموز المرحلة السابقة والشروع في مصالحة هذه الوسائل مع المواطنين و المهنيين ريثما تتأسس هذه المصالحة مؤسسيا.
5- مطالبة مؤسسات الإعلام العمومي ببلورة مشاريع لبرامج تحملاتها تنسجم مع واجباتها كمرفق عام.
6- احترام الاستقلالية الإدارية والقانونية لمؤسسات الإعلام العمومي من طرف وزارة الاتصال، وعدم التدخل في نشاطها بشكل مباشر، بل اللجوء إلى الهاكا كمرجع في الجوانب التقنية والمضمون الإعلامي، واللجوء إلى أدوات المراقبة المالية والإدارية المؤهلة في الجوانب التي تخصها ومنها المجالس الإدارية لهذه المؤسسات.
وزير يفهم الوصاية
طبقا لمدرسة البصري
وبصدد هذا البند، يتجلى فعلا تسرع الوزير في القيام بتقديم دفاتر التحملات ودمج قضايا تدبيرية وجزئية فيها، وهي أشياء تذكر الجميع بعهود المرحوم إدريس البصري وسيطرة الداخلية على الإعلام وتدبيره مباشرة من ديوان السوبر وزير في ذلك الزمان !
والزلة الأخرى الذي سقط فيها الوزير هو تضمينه للعديد من الواجبات أو الأهداف في صيغ: «يجب» و» يمنع... « في نصوص دقيقة تعني في نهاية المطاف أن كل المعلومات و الوثائق والمشاهد والصور ،يجب أن تكون مطابقة للتصورات الخاصة للوزير وحزبه حول الأخلاق والذوق والهوية. وهذا يتناقض مع انفتاح مجتمعنا و التعددية السياسية و الفكرية و الثقافية لبلدنا و مبادئ الدستور. ويتجاهل حقيقة العمل الإعلامي في بعده الإبداعي أيضا.
كفى من التسيير عن بعد!
إن كل هذه المجالات تستدعي اليوم انخراط المجتمع السياسي في منهجية جديدة خارج منطق إخضاعه للتسيير عن بعد الذي يصيبه بالعطب الدائم منذ سنين طويلة، ويتطلب دفاع المجتمع السياسي عن المرفق العمومي في الإعلام كجزء لاسترجاع مهمات الالتزام الفعلي والعملي بقضايا المجتمع والمصلحة العامة.
وفي انتظار انفراج هذا الباب الضروري للنفاذ من الأزمة التي نعيشها وطنيا، يصبح ميدان الإعلام كما كان دوما، ، بالنسبة لمهنييه على الخصوص، مجالا نضاليا حقيقيا.
إذ لا يجب أن يتحول ما حدث إلى زوبعة في فنجان ،و أن يمر عليها المهتمون مرور الكرام. بل في تقديري المتواضع ، حان الوقت لتحرير الوسائل العمومية من ربقة التسلط و التقزيم ،ولن يسكت المجتمع المغربي اليوم كما لم يسكت بالأمس ، ولن تنفع فيه و معه عمليات التدجين، كل الذين يعيشون في هذا الموضوع على وهم و رهانات الصمت و التسويف ، يصيبون بلدنا بالضرر ليس إلا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.