أكثر من 4000 هكتار من الأراضي السقوية التابعة للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة منطقة الغربية، امتنع ملاكوها عن زراعة الشمندر لهذا الموسم الفلاحي، وسار على نفس النهج العديد من ملاكي الأراضي السقوية التابعة للزمامرة، و عوضوا هذا النوع من الزراعة بأنواع أخرى . هذا القرار له طبعا انعكاسات سلبية على المنتوج العام لمادة السكر، خصوصا إذا ما علمنا ، حسب مصادر مطلعة، أن منطقة دكالة عبدة تقدر مساهمتها في الإنتاج الوطني لهذه المادة الحيوية ما بين 40 و 48 في المائة، و تصل مساهمتها في الإنتاج الوطني لمادة الحليب إلى 20 في المائة، هذه المساهمة القوية كانت نتيجة مجهودات الفلاح و الشركة و التأطير الذي يقوم به تقنيو المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة. وأولى الانعكاسات السلبية هي نزول مقدار المساهمة الوطنية في هذا الموسم الفلاحي، مما يشكل ضربة قوية للناتج الوطني ، ستنعكس لا محالة على الاقتصاد الوطني، خصوصا إذا ما استحضرنا فقدان الشغل لليد العاملة التي تقدر بعشرات المئات المختصة في هذا النوع الزراعي، والمنتشرة في مزارع و حقول المنطقة بكاملها. و نظرا لما يكتسيه هذا الموضوع من أهمية بالغة، انتقلت الجريدة إلى منطقة دكالة عبدة و التقت بالعديد من الفلاحين الذين فضلوا عدم المجازفة هذا الموسم بزراعة الشمندر و تعويضه بزراعات أخرى، مؤكدين أن إكراهات قاهرة جعلتهم يفضلون زراعات أخرى على الشمندر، والتي أصبحت غير قابلة لمزيد من التحمل ، «لأنها كلها تضر بمصالح الفلاح ، و لم تجد آذانا صاغية من الشركة التي تتسلم منتوجنا لتحويله إلى مادة السكر و تسببت لنا في معاناة كبيرة ، فبعد العمل الشاق و المكلف ماديا ، فإن الشفافية في المعاملة ، تكاد تنعدم، بدءا من الشحن، يقول العديد من الفلاحين، حيث لا تعرف مقدار كمية الحمولة التي تحملها الشاحنة من حقول الشمندر إلى مقر الشركة ، في حين يتوصل سائق الشاحنة بمقدار الكمية التي تحملها عبر «بون»، حيث غالبا ما يتفاجأ من بعد حين يتوصل من الشركة بوزن منتوجه فيجد فرقا مهما بين وزن الشاحنة و ما أُخبر به ، هذا بالإضافة إلى إسقاط بعض الأطنان لما يسمى ب «الوسخ»، أي إزالة الأتربة المتعلقة بالشمندر». و يضيف هؤلاء الفلاحون «أن العديد منهم ضاع منتوجهم بعض أن فسد نظرا لتأخير اقتلاعه تبعا لبرمجة الشركة، و هذه الاكراهات أدت ، في العديد من المواسم، إلى ارتفاع مبالغ التكلفة على مبالغ الدخل، و هو ما يعطي خسارة تتكبدها هذه الشريحة من الفلاحين ، أو أحيانا يساوي ثمن التكلفة ثمن المداخيل. بمعنى أن مجهود موسم فلاحي بكامله يتبخر في لحظة! و انضاف في المواسم الأخيرة ، مشكل آخر ، و هو نقل مقر الشركة من خميس الزمامرة الى ثلاثاء سيدي بنور ، مما زاد من محنة منتجي الشمندر بمنطقة عبدة، مع الإشارة إلى منع منتجي هذه المنطقة من استغلال الماء في السقي بعد جمع المحاصيل ، وذلك بإرغامهم على توقيع التزام على ذلك منذ سنوات الجفاف التي عرفها المغرب في العقد الأخير! و لمزيد من التوضيحات حول هذا الموضوع، انتقلت الجريدة إلى مقر المديرية الجهوية للفلاحة «دكالة عبدة» بالجديدة و تم الاتصال بمصلحة التواصل و الإنعاش، حيث أكدت المسؤولة عن هذه المصلحة، «أن المديرية الجهوية للفلاحة ما يهمها بالدرجة الأولى هي مصلحة الفلاح، و هذه المنطقة معروفة بمساهمتها الفعالة في المنتوج الوطني لهذا النوع من الزراعة ، حيث تساهم في إنتاج مادة السكر بمعدل ما بين 40 إلى 48 في المائة، و إلى 20 في المائة من توفيرها مادة الحليب وطنيا» ، مضيفة أن المديرية دأبت على تأطير الفلاحين من خلال وضع مراكز للاستثمار الفلاحي بالقرب منهم ، و هي بذلك نهجت سياسة القرب وساهمت ، إلى حد كبير، في الوصول إلى هذه الأرقام بالاعتماد على مجهودات الفلاحين و الشركة، و تعتبر منطقة دكالة عبدة أوفر حظا من العديد من المناطق السقوية بالمغرب بتوفرها على سد «المركب المائي المسيرة الحنصالي» ، الذي يفوق مخزونه المائي الحالي 95 في المائة، و هذا معطى إيجابي للمنطقة السقوية دكالة عبدة ، و ما يبقى مطروحا اليوم أمام هذه الوفرة من المياه هو الالتزام بضمان استمرار الاستغلال بهذه الأراضي السقوية بالاعتماد على الزراعة الربيعية و الصيفية، أي أن الأراضي السقوية بالمنطقة يمكنها أن تستمر في الزراعة، حتى في فصل الصيف باعتمادها زراعة الخضر و أنواع أخرى، خصوصا و أن تأثير تأخر سقوط الأمطار و ندرتها في مناطق متعددة من المغرب، يجعل الأمر مهما. و أشارت المسؤولة إلى أن «الفلاح حر في اختياراته و لا يمكن لأي جهة كيفما كانت ، أن تفرض عليه نوعا خاصا من الزراعة، إنما من اللازم استحضار المصلحة العامة للاقتصاد الوطني ، فنحن نرحب بأي شراكة مسؤولة بين الفلاحين و شركات على اعتبار أن منتوجاتهم وجهتها مضمونة، و بالتالي يصبح هناك استقرار في توجيه منتوجهم ، على عكس ذلك يبقى منتوجهم مرهونا بين الأوضاع الراهنة و بين التقلبات الجوية و المناخية و بين وفرة العرض و قلة الطلب او قلة العرض ووفرة الطلب، و ما يهمنا هو الإنتاج الوطني ، و مصلحة الفلاح التي نعتبرها أمرا لا نقاش فيه». و للتذكير «فإن المغرب يتوفر على 500 ألف هكتار للأراضي السقوية ، 90 ألف هكتار بجهة دكالة عبدة، تؤكد المسؤولة بالمديرية، و في إطار المخطط الوطني لاقتصاد الماء، سيتم تحويل طريقة السقي، من النمط التقليدي الانسيابي إلى السقي بالتنقيط ، للأهداف التالية : اقتصاد الماء لندرة الماء و تنمية المحافظة على البيئة، و التسربات للفرشة المائية و خاصة منها التربة و الفرشة المائية الجوفية، فحتى الأدوية الخاصة بالزراعة تمر عبر السقي بالتنقيط و لا تصل إلى باقي التربة كما كان معمولا به في طريقة السقي الأولى بالانسياب. أيضا يسعى هذا المشروع ، إلى تغيير الفلاح نفسه من فلاح عادٍ إلى فلاح تقني و مهتم و باحث عن انجح الطرق »، وهو ما أكده رئيس قسم تسيير شبكة الري و التجفيف بالمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي دكالة عبدة . وقد انطلق الشطر الأول في منطقة دكالة في شهر يوليوز 2011 ب 10 آلاف هكتار إلى غاية 2014 ، على أن يشمل المشروع باقي الأراضي السقوية التابعة للمديرية الجهوية للفلاحة دكالة عبدة في سنة 2020 . و بالعودة إلى موضوع امتناع فلاحي و ملاكي أكثر من 4000 هكتار بمنطقة الغربية، فقد أكد رئيس جمعية منتجي الشمندر «قنديل» للجريدة في اتصال هاتفي، أنه بالفعل أصبح منتجو هذا النوع من الزراعة يعانون كثيرا من المشاكل، فبالإضافة إلى ما سبق ذكره من قبل الفلاحين و المنتجين، أشار إلى أن هناك مشاكل النقل و طحن المنتوج ، وتأخير اقتلاعه، إذ أن الذين ينتجون أقل من 40 طنا من الشمندر لا يمكنهم الاستفادة من مدخول محصولهم ، موضحا أن جمعيتهم كثيرا ما أثارت هذا الموضوع مع المسؤولين ، مشيرا إلى أن هناك لجنا تقنية ستعكف على السهر لايجاد حلول لهذه المشاكل ، موضحا أن هناك لقاء سيتم مع وزير الفلاحة و الصيد البحري لمناقشة هذه المشاكل. أما في ما يخص ما طرحه بعض المنتجين حول عدم الشفافية في الميزان ، فقد وجه رئيس جمعية منتجي الشمندر، نداء إلى كل من شك في وزن حمولة محصوله للاتصال بالجمعية ، حتى تعيد وزن محصوله في الميزان المخصص للسكر داخل نفس المعمل، و أن الجمعية ، حسب قوله، مستعدة و متواجدة لهذا الغرض. وقد أكد للمسؤولين انه في حالة عدم وجود حوارات هادفة تحل المشكل و تنهي المعاناة التي يعاني منها فلاحو و منتجو الشمندر في منطقة دكالة عبدة، فإنهم سيضطرون إلى حذف زراعة الشمندر نهائيا من هذه المنطقة و على المسؤولين تحمل العواقب الوخيمة لذلك . هذا و قد أكد للجريدة العديد من المنتجين و المزارعين للشمندر بمنطقة الغربية الدور الفعال للتقنيين التابعين لهذا المركز و المراكز المتواجدة بالمنطقة، في تأطيرهم و إرشادهم ، مما أثر بشكل إيجابي على تكوينهم و على محاصيلهم.