تدخلت النائبة رقية الدرهم في إطار مناقشة الميزانيات الفرعية المدرجة ضمن اختصاص لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج, باسم الفريق الاشتراكي الذي أولى اهتماما خاصا من منطق مقاربته المواطنة لمشروع القانون المالي. وركزت على قضية الوحدة الترابية والدفاع الوطني في علاقتها مع سياستنا الخارجية. وقد أشارت النائبة إلى أنه منذ سبع وثلاثين سنة وقضية وحدتنا الترابية في الجنوب تتصدر برنامج عمل الحكومات المتعاقبة والقوى السياسية الحية بعد أن افتعلت الجارة الجزائر، ومعها النظام الليبي البائد نزاعا حول استرجاعنا المشروع لجزء من أراضينا لحظيرة الوطن. وخلال هذه العقود, تمكن المغرب من الصمود من تكريس سيادته على أقاليمه الجنوبية من خلال إدماجها في الوطن الأم وتمكين سكانها من المشاركة السياسية في تدبير الشأن العام, خاصة من خلال الانتخابات التي شهدتها البلاد منذ 1976 بالموازاة مع إرساء المؤسسات المحلية والإقليمية والجهوية والوحدات الإدارية ومؤسسات الخدمات الاجتماعية. إن هذا الرصيد من الإنجازات والتراكمات والمكاسب المحققة على الأرض هو ما يسعى خصوم الوحدة الترابية إلى تقويضه، وهو ما لا يمكن السماح به من جانب الشعب المغربي وساكنة الأقاليم الجنوبية على وجه الخصوص. إننا في ذلك مدعومون بشرعية قضيتنا وبالتوجه الوحدوي لسكان الأقاليم الصحراوية وبالتحولات التي تشهدها المنطقة وأساسا بالإصلاحات الدستورية والمؤسساتية والسياسية التي ترسخ الديمقراطية والمشاركة السياسية وهما معياران أساسيان في العلاقات الدولية لعالم اليوم. إن هذه المعطيات القائمة على الأرض لا تعفينا من ضرورة إعادة قراءة أدائنا الدبلوماسي في ما يرجع إلى هذه القضية بالذات. فالدفاع عن قضيتنا الوطنية يتطلب دبلوماسية هجومية وشجاعة قادرة على تمكين بلادنا من حضور أقوى داخل المستويات الإقليمية والقارية والدولية والتي نرى أنها متغيبة بشكل كبير موازاة مع خصومنا الذين ينشطون بشكل كبير في المضمار والدليل على ذلك محرك البحث google الذي يوجد فيه آلاف المواقع والملفات الخاصة بخصومنا بمجرد النقر للبحث عن ملف القضية الوطنية. من جهة أخرى, نعتبر أن حلقات سلسلة المفاوضات الرسمية وغير الرسمية بين أطراف النزاع لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية وأنه لابد من سقف زمني لإنهاء النزاع وأن على المجموعة الدولية أن تحدد المسؤول عن عرقلة تسوية متفاوض بشأنها، خاصة وأنه في مقابل المرونة التي يبديها المغرب باقتراحه حكما ذاتيا يتماشى كحل واقعي وجريء مع متطلبات المحيط الإقليمي والتحولات العالمية، في المقابل يظل ينتصب تعنت الجزائر التي ترفض حتى مجرد إجراء إحصاء للمحتجزين في مخيمات تندوف وإعطائهم حرية تنقل في خرق لمبادئ القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان. إنه يستوجب على المسؤولين توسيع المشاورات وإشراك أكبر عدد ممكن من الفعاليات السياسية والمدنية والاقتصادية بالأقاليم الصحراوية في الإعداد لكل مفاوضات محتملة وإطلاع الرأي العام المحلي والوطني عموما على مدى تقدم أي مفاوضات وحصيلتها من أجل حشد دعم أكبر من جانب الساكنة المحلية للسياسة الخارجية في ما يخص هذا الملف، وكذا في التنزيل الفعلي لمضامين الدستور وإرساء حق المعلومة الذي هو حق شرعي و دستوري. كذلك يتعين مواصلة تمكين الأقاليم الجنوبية من التجهيزات الأساسية والخدمات الاجتماعية وإطلاق أوراش كبرى وأقطاب اقتصادية من الحجم الكبير من أجل توفير الشغل الكريم والمنتج لأبناء أقاليم الجنوب، وتعزيز الاندماج بين الشمال والجنوب، لأجل تقويض كل مسعى لاستغلال مطالب اجتماعية لأغراض انفصالية وخلق تشويش وزعزعة المنطقة. نعتبر في الفريق الاشتراكي أنه من الضروري تغيير المقاربة الأمنية التي يتم التعامل بها مع بعض الأحداث والاحتجاجات الاجتماعية، ونحث على اعتماد الحوار لحل المشاكل المحلية وإتباع سياسة استباقية لتسويتها. ويظل تحصين حدودنا خاصة في الجنوب والشرق الاختيار الأول الذي يجب أن يبقى متصدرا لسياستنا الداخلية والخارجية. وفي هذا الصدد يتعين أن يظل تعزيز قدرات القوات المسلحة وقوى الأمن والدرك ومواصلة برنامج تحديث أدائها ووسائل تدخلها وتسليحها، من أولويات الإنفاق العمومي الوطني. خاصة وقد انضافت إلى هذه القوات أعباء جديدة إلى جانب أعباء تحصين الحدود والدفاع عنها من قبيل مواجهة تحديات الجرائم المنظمة العابرة للحدود، و الجريمة الإرهابية، وتهريب المخدرات والهجرة غير القانونية، خاصة وأن بلادنا تتواجد في موقع استراتيجي يجعل منها بلادا مستهدفا، لذلك يتعين تقوية قدراتنا الدفاعية والاستخباراتية والتنسيق الأمني مع بلدان المنطقة لمواجهة الجماعات الإرهابية وعصابات التهريب والهجرة غير القانونية وحماية حدودنا من أي اختراق أمني. وقد تضاعفت هذه التحديات مؤخرا بحكم التداعيات الأمنية لانهيار بعض الأنظمة الاستبدادية في المنطقة وما تلاها من انتشار للأسلحة وتناسل للجماعات المسلحة. و قبل أيام حذرنا خلال مناقشة ميزانية الدفاع الوطني من هذه المخاطر لنعيش بعد ذلك على إيقاع انهيار أمني كبير في مالي. إننا مع كل هذه المعيقات نؤمن أن فتح الحدود مع جيراننا إجراء يتعين دعمه والنظر بتفاؤل لمستقبل المغرب العربي في أفق اتحاد مغاربي رغم أن كل المؤشرات الآنية تكاد تكون سلبية وهذا لا يعني أننا يجب أن نتسرع للتنويه بأشياء لم تكتمل وهذا ما حصل للأسف للحكومة, سواء على مستوى الخارجية أو الإعلام. نعتقد في الفريق الاشتراكي أنه يتعين بناء اختياراتنا الدولية وأداء دبلوماسيتنا وهندسة شبكتها واختيار الموارد البشرية الموكول لها تنفيذ اختياراتنا في المجال الدبلوماسي على أساس الاستحقاق والكفاءة والالتزام بقضايا الوطن وبأداء الواجب الوطني وعلى أساس ربط المسؤولية بالمحاسبة وبالنتائج. وفي سياق الأزمة الاقتصادية وتبادل الأدوار بين القوى الدولية والتحول الذي تشهده العلاقات الدولية, يتعين علينا فتح آفاق جديدة وأرحب لعلاقاتنا الاقتصادية والتوجه بالخصوص إلى إفريقيا والقوى الصاعدة في آسيا وأمريكا اللاتينية، بالموازاة مع تنويع وتعزيز علاقاتنا التقليدية مع أوروبا وأمريكا الشمالية ومحيطنا العربي والمغاربي والتي يجب أن تتجاوز المضامين والمعايير التقليدية وتأخذ بعين الاعتبار المستجدات الكبرى التي يعرفها العالم وحاجيات الاقتصاد الوطني. كما يبقى الخروج بالمغرب الكبير من وضعية الجمود والشروع في بناء تكثل اقتصادي مغاربي إحدى الامتحانات التي ستثبت أو تكذب هذه النوايا. إن علاقاتنا مع إخواننا في الخليج وفي المحيط العربي يجب إعطاؤه فرصة بالأسبقية لتقوية استثمار هذه البلدان في المغرب اعتمادا على إمكانيات الاستثمار المشجعة التي تفتحها بلادنا والمحفزات التي تضمنها لمستثمري إخواننا في الخليج.