الفيلم الإيراني «الانفصال»، حصل على جائزة الأوسكار لهذه السنة لأحسن فيلم أجنبي. فيلم يحمل قيمة فنية كبرى. كما عودتنا دائما الأفلام الإيرانية، التي تنطلق من المحلية ومساءلة كل الأشياء التي نعتبرها عادية في حياتنا. هذه الفكرة التي تكون بسيطة في ظاهرها، لكن تحمل ثقافة شعب بأكمله. وتتفرع عن هذه الفكرة، أحداث دقيقة و متشابكة تدور دائما حول الذات وعلاقتها مع الآخر. فيلم «الانفصال»، يحكي عن زوجين حصلا على أوراق الهجرة إلى الولاياتالمتحدة. لكن الزوج يرفض في آخر لحظة بسبب إصابة والده بمرض «ألزهايمر» ولا يمكن تركه وحيدا. ولا يمانع في سفر زوجته، مع أنه لا يمكنه التخلي عن ابنته الوحيدة التي ستعيش مخاض كل الأحداث التي ستتوالى جراء رفض الزوج الهجرة وخروج الزوجة من بيتها والذهاب للعيش مع والدتها في انتظار قبول البنت الذهاب معها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبين رفض الزوج وخروج الزوجة من البيت، توالت الأحداث و تعقدت وتشابكت دون أن تشعر بمجيئها، حيث يجعل المخرج المشاهد، يهتم بدوره بتلك الأشياء البسيطة في حياتنا و يهتم بكل صغيرة و كبيرة في حياة الأبطال. يبدأ الشريط، بلقطة للزوج والزوجة ينظران إلى الكاميرا على أساس أنها القاضي ليقول كلمته في رغبة الزوجة في الهجرة وأخذ الابنة معها. ومن خلال حوار جد دقيق ومعبر، نفهم أساس المشكل و ما سيلي ذلك من تبعات. ينتهي الحوار بصوت القاضي الذي يأتينا من خلف الكاميرا، الذي يرفض سفر الابنة دون إذن والدها. سننتقل إلى فضاء البيت المغلق الذي ستجري فيه جل الأحداث الرئيسية، باستعمال وسيلة المونتاج السريع الذي يجعل الأحداث تتوالى دون أن تدري. تأتي سيدة مع طفلة عند الزوج لتعتني بوالده بعد ذهاب زوجته. سيدة تحمل مشاكل عائلية أخرى ستنكب على الزوج وتتعقد حياته. سيدة متدينة بشكل كبير. و سنتعرف على هذا التدين من خلال موقف أحرجها، حيث لا تستطيع أن تغسل للرجل المريض أي الوالد، بعدما تبول إلا بعد استشارة هاتفية، لقطة جد معبرة، حيث نرى ارتباكها و تيهها بين الغرف. و هي تردد كلاما نفهم منه أنها تلوم مشغلها، لأنه لم يعلمها بأن حالة والده تصل إلى هذه الدرجة. البنت لا تتكلم كثيرا، لكنها تعيش في انسجام مع أبيها الذي من أجله رفضت مغادرة البلاد. تتوالى الأحداث بشكل سريع. عند كل لقطة جديدة، ننتظر حدثا ما سيغير مجرى الأحداث. أحداث سريعة ومتتالية. نخرج إلى الفضاء الخارجي لنستريح ونعود إلى البيت التي يعتبر هو بدوره بطل الفيلم. في يوم، يعود الزوج و معه ابنته، لا يجد السيدة التي تعتني بوالده. يجد أباه مرميا على الأرض ومعصب اليدين. في هذه اللحظة، تدخل السيدة و معها طفلتها. يثور الزوج في وجهها و يلومها على عدم الاهتمام بوالده وتركه وحيدا. تحاول أن تشرح له وتعتذر. لكن لم يعد يستحمل فطردها خاصة بعد أن اتهمها بسرقة مبلغ من المال. تسقط أرضا وتذهب. مونتاج سريع ومعبر عن حالة توتر الأب وتعقد حياته مع إصرار السيدة في الدفاع عن نفسها . تتوالى الأحداث بشكل غير متوقع. فضاء آخر مغلق، المستشفى.السيدة التي كانت تعتني بأبيه، كانت حامل واتهمته بكونه السبب في إسقاط الجنين. وهنا تقترب الكاميرا من زوج السيدة المريضة ومن مشغلها. حوار قصير وسريع نفهم من خلاله أن السيدة لم تخبر زوجها بالعمل الذي كانت تقوم به حتى تساعده لأنه عاطل عن العمل. هذا الزوج المحتاج الذي يرفض شفقة الآخرين. تنتقل بنا الكاميرا إلى فضاء آخر مغلق وهو المحكمة. قرر زوج السيدة المريضة اتهام مشغلها بجريمة إسقاط الجنين عمدا والذي يعاقب عليها القانون الإيراني بالسجن. أحداث محلية ومتعلقة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الإيراني والمتغيرات التي طرأت عليه. وكيف يضعها المخرج في مواقف درامية تشرح لنا أحيانا المجتمع الإيراني وتنتقده مرات أخرى. هذه الأحداث جعلت الزوجة التي كانت ترغب في الهجرة، مساندة زوجها ودفع مبلغ مالي للمحكمة حتى يحصل على الصراح المؤقت. شخصيات تبحث عن الخلاص، لكن كل واحدة بطريقتها الخاصة. البحث البوليسي أثبت أن السيدة فقدت جنينها نتيجة ألم أصابها قبل هذا الشجار، وهنا نتذكر مع المخرج كل الأشياء الصغيرة التي كان يركز عليها واستعملت كشاهد إثبات في هذه الحالة. كعدم قدرتها حمل بلاستيك النفايات بسبب آلام في بطنها، أحداث الفيلم منسجمة مع الكتابة الدرامية، بحيث وافق الزوج، الذي رغم انفصاله عن زوجته، طرحها بإعطائه مبلغا من المال إلى السيدة التي كانت تشتغل عنده لأنه كان يعلم أنها حامل وكان عليه أن لا يشغلها. لكن تدين السيدة ظل حاجزا ورفضت أخذ المبلغ لأنها تشك في أنه هو سبب الإجهاض. وهنا نعود إلى هذا التدين الشديد للعاملة الذي لم يستعمله المخرج اعتباطيا. بل استغل بشكل جيد في بداية الفيلم و في نهايته. وينتقل بنا المخرج إلى المحكمة من جديد لكن هذه المرة في قضية الزوجين بالنسبة لابنتهما مع من تود البقاء. تقترب الكاميرا من وجه الابنة وتتوقف لبعض الوقت وتنزل الدموع كجواب على سؤال القاضي. فيلم جميل جدا وشيق و يستمتع بكتابته الدرامية وإخراجه رغم معالجته لموضوع اجتماعي مأخوذ عن فكرة بسيطة، لكنها معقدة بكل بأبعادها..إن معالجة كل ما هو محلي والغوص في أعماقه بشكل دقيق ومركز يِؤدي إلى العالمية.