«شكّل الفقيد قيمة فكرية وثقافية، من خلال كتاباته وأبحاثه وتدخلاته وآرائه في العديد من المجلات والجرائد الوطنية والكتب المشتركة، فضلاً عن دوره التربوي والعلمي في كلية العلوم القانونية والاقتصادية في الدارالبيضاء، وفي مؤسسات ومعاهد أخرى. وتميز الراحل بحضوره في المشهد الفكري والثقافي والإعلامي بدقة التحليل والحِرص على تدقيق المفاهيم، عندما يتعلق الأمر بالمغرب الراهن وواقع الخريطة السياسية والإيديولوجية في بلدنا، إلى جانب إلمامه الدقيق بجماليات السينما وآليات الخطاب السينمائي والمسرحي في المغرب وخارجه». هكذا نعى اتحاد كتاب المغرب الراحل محمد سكري في بلاغ أصدره بعد الوفاة بقليل... وتوالت الشهادات تلو الأخرى برهاناً على حب هذا الرجل المحبوب الذي فرض نفسه على الآخرين بإنسانيته وإبداعاته في مجالات متعددة وحقول مختلفة، وحواراته العميقة، وسخريته النبيلة... ها هو الشاعر عبد الحميد جماهري يخاطب الصديق: صديقي، أيّها الوفيّ، النّقي، الودود، الحالم، المحبوب... أنتَ الذي تزرع المحبة حولك، لا حديقة لنا اليوم لنَدخلها، ونُعلّق على أشجارها شمسنا سوى ما يبقى منك... كُنتَ يا صديقي لا تفكّر في الموت، كنتَ تفكّر في الألم، وفي الألم مع الأحبّة...» والكاتب الصديق محمد گلاوي يعبر بصدق عن خوالجه تجاه الراحل: كان سكري، أولا وقبل كل شيء، مغرماً بالحياة وبكل جوانبها البديعة... وفي سبيل استمتاعه بلحظاتها، لم يتردّد في خوض غمارها حتى ولو كان على حساب عافيته الجسدية ومسيرته العملية ومصلحته المادية... لقد ودّعنا سكري، وأغمض عينيه الشغوفتين بعشق الحياة وجمالية الإبداع، لكنه سيظل حتماً حاضراً في الذاكرة...». وفي نفس السياق، يكتب الكاتب والناقد نور الدين محقق ما يلي: «محمد سكري مُحَدّث بارع، دقيق الملاحظات وصاحب مرَح إنساني فائق، والساعات الطوال معه تمضي بسرعة، وكنتُ دائماً أقول مع صديقي مبارك حسني بأن كتابات سكري متميزة بقوتها، وفيها عمق فكري وجمالي نادر...». وفي مقال يرصد مسار الراحل تحت عنوان: «ولد الدرب»، يخبرنا الصحفي والكاتب لحسن العسبي بأن سكري كان من عائلة اليسار منذ بداياته الأولى، كان من اليسار، ليس بالمعنى الضيق للالتزام التنظيمي، بل كان منتمياً لروح اليسار كقيم كونية وكاختيار وجود...» وفي نص جميل وقّعه القاص والصحفي سعيد منتسب، جاء من ضمن ما جاء فيه: لم يكن محمد سكري رجلاً ممتلئاً بالقِش، بل كان نهراً تتدفّق في أعماقه أمة مضطهدة، في كل نقاشاته، كنا نتذوق رائحةَ السادسة صباحاً في أحياء «الزيرو كاتر» (...) هناك احتسينا الكثير من الدهشة، ووعينا مبكِّراً أن الحياة سلاح ذكيّ للقتل الرحيم...». وبشاعريته المتمرّدة، يكتب لنا الشاعر بوجمعة أشفري بأن حالِمَنا الكبير بالأفلام، دخل أخيراً إلى كهف الصورة الأولى في تاريخ البشر وعلاقته بالكون تاركاً وراءه النَّسخ والأطياف... لم تكن عيناه تشبعان في النهار كما في الليل، في المسرح كما في السينما، في الرقص كما في الموسيقى، في الشعر كما في الرواية، في التأمّل كما في التحليل، في الليل عيناه إلى النجوم، وفي النهار عيناه إلى الشمس...». وها هنا صديقه التاريخي المسرحي سالم كويندي يعبر عن أحاسيسه بلغة غاضبة: أنا جد حزين، حزين بحوار الغياب، حزين للوعة الفراق، حزين لذكريات معك لم تنته، حزين لثقل هذا الفراق، فراق صديق لا يقدّر وزنَه إلاّ من خَبِره، لكنك أثرتَ أن ترحل وتتركنا على هذا الحال...». وبلغة عميقة يتحدث الكاتب محمد جبران عن الرجل: «ظل سحر السينما الأبقى يجتذبه بقوة وغواية الصورة، ديدَنُه الذي يمتص أشكال الارتقاء المهني الوظيفي المشفوع بانتفاخ الراتب المادي، هذه الخِصلة النبيلة التي مُهرت في صمت كينونة سي محمد سكري وسط أخلاط من المتهافتين الأدعياء...». ويعود الروائي عبد الله خليل بالذاكرة إلى الماضي القريب جداً قائلاً: كان الفتى يتأبط مشروعاً ويمتطي صهوة الطموح، فمازال الحلم متاحاً رغم الألم، ما فهِمته منه أنّه طلّق التعليم بالثلاث، وسيتفرغ للتأليف والكتابة بعد فترة نقاهة، لا عمر للحلم أيّتها الرّوح المثخنة بالألم، هذا ما قلت في قرارة نفسي وأنا أتفرّس ملامح وجهه المنهك والباسم في نفس الوقت...». والصحفي الشاب عزيز المجدوب، الذي كان طالباً عند الراحل يتخيّل محمد سكري وهو يصافح الممثل عزيز العلوي، ويعاتبه على سرعة قراره باللحاق به، قبل أن يستفيق المحبون من صدمة الرجل الأول، فاختلط الأمر على الجميع بسبب إصرار الموت هذه السنوات الأخيرة على تنفيذ أَجَندة دقيقة ينتقي فيها المبدعين بعناية...». أما الفنان لحسن زينون الذي كتب سيناريو فيلم «الموشومة» بمعية الراحل، فقد جاءت شهادته كالتالي: Il était curieux, sceptique: l›esprit encyclopédique, légiste, politique, humaniste et critique, c›est la pensée aiguisée du personage qu› était notre ami Mohamed SOKRI.... والصحفي أنيس حجام، صديق الراحل الحميم وقّع مقالاَ مؤثراً جاء فيه: Je lai connu joyeux et mélancolique, heureux mordant dans la vie comme Adam croquant la pomme, malheureux quand on l›obligeait à s›exprimer en complaisant, il nous manquera à vie et bien au delà...» والشاعر الإعلامي سعيد عاهد يرفض تصديق الواقعة التي ليست لوقعتها كاذبة، ويخاطب الفقيد: Sokri, c›est à toi que s›adressent mes interrogations! Pourquoi t›obstines - tu à ne pas y répondre ce soir? Sokri, c›est à toi que je parle! Ne m›entends - tu pas? Pourquoi tu ne réponds pas? Pourquoi tu ne réponds plus? Pourquoi tu te cloitres dans un silence de mort? toi, qui n›es pas... mort? Watakoul, tu n›es pas mort! هذه فقط مقتطفات من مقالات طويلة وقّعها الأصدقاء من كتاب وشعراء ونقاد في حق الرّجل... وحدها تبيّن بجلاء قيمة الرجل الذي غادرنا في وضح النهار ولم يمهلنا لحظة التفكير في القول، اللّهم قولنا جميعا: هذا الموت هو رمزي ليس إلاّ... فمازال الرجل بيننا بصيغة كان على حد تعبير الشاعر محمد اعنيبة الحمري...