عقدت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في نهاية الاسبوع الماضي بالرباط وبوزنيقة مؤتمرها الوطني الثامن تحت شعار « إعمال المساواة ضمانا لسيادة حقوق الإنسان»، والذي تم التمهيد لأشغاله بندوة فكرية موضوعاتية حول موضوع :» الحركة الحقوقية والتحديات الراهنة «، بمشاركة خبراء وطنيين ودوليين وممثلي منظمات غير حكومية، أثارت مجموعة من التساؤلات والإشكاليات المطروحة على الحركة الحقوقية دوليا وإقليميا ووطنيا.وبعد النقاش البناء والعميق الذي تلا تقديم التقريرين الأدبي والمالي من طرف المكتب الوطني السابق، والمصادقة عليهما.وبعد مناقشة مقترحات تعديل القانون الأساسي ومشروع تطوير أداء المنظمة. اعتبارا: -لاستناد المنظمة إلى مرجعية كونية ترتكز على قيم الكرامة الإنسانية المتأصلة والحرية والمساواة والعدل؛ -لتعلقها بالسلم والشرعة الدولية؛ -لتقيد عملها بنص الدستور و ما يفتحه من آفاق لضمان إعمال حقوق الإنسان؛ -للتكامل والترابط بين إقرار حقوق الإنسان واحترام سيادة القانون أساسا للاستقرار والأمن والعدالة الاجتماعية؛ -لكون الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والإيكولوجية والحق في التنمية، منظومة كلية لا تقبل التجزئة؛ -لتحصيل منجزات هامة في مجال حقوق الإنسان بفضل نضالات الحركة الحقوقية وتبصرها؛ -لأهمية وضرورة الحرص على ترسيخ هذه المكتسبات وتحصينها من أي تراجع أو انتكاس؛ -لهوية المنظمة كمكون متميز من مكونات الحركة الحقوقية المغربية؛ -لاستقلالية المنظمة عن الدولة والفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين؛ -للدروس والعبر المستخلصة على مدى أكثر من ثلاث وعشرين سنة من النضال الهادف إلى ترسيخ قيم حقوق الإنسان. فإن المؤتمر الوطني الثامن للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان يصدر البيان العام الآتي: أولا : على المستوى الدولي _ ينبه إلى الآثار الوخيمة لأزمة النظام الاقتصادي العالمي وتداعياتها على حقوق الإنسان الأساسية في العيش الكريم وآثارها السلبية على احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والإيكولوجية لدول الجنوب ومسؤوليتها في تعميق معضلة الفقر والتهميش الاجتماعي؛ - يضم صوته للدعوة إلى نظام اقتصادي جديد أكثر إنسانية؛ - يدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ كل التدابير الكفيلة بالحفاظ على البيئة السليمة والمتوازنة؛ - يدعو المجتمع الدولي إلى تعديل مقتضيات ميثاق الأممالمتحدة وإصلاح جهاز مجلس الأمن بما يضمن احترام المبادئ والأهداف المنصوص عليها في الميثاق؛ - يؤكد على الالتزام بمبادئ القانون الدولي باعتبارها سبيلا للحفاظ على السلم والأمن الدوليين ؛ - يشجب السياسة الانتقائية التي تحكم سلوك المنتظم الدولي تجاه انتهاكات القانون الدولي الإنساني في بؤر التوتر في العالم؛ واعتماد سياسة الكيل بمكيالين وتغليب السياسة الضيقة على قيم حقوق الإنسان الكونية والأصيلة؛ - يجدد تضامنه مع كفاح الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه الوطنية المشروعة، ويندد بالسياسة الاستيطانية والتدميرية التي تمارسها إسرائيل ضد حقه في الحرية والاستقلال وبناء دولته. ويستنكر سياسة الحصار التي تستهدف معاقبة الشعب الفلسطيني على ممارسة اختياره الديمقراطي؛ - يدعو المؤتمر حركة حقوق الإنسان العالمية إلى اتخاذ المبادرة لعقد مؤتمر دولي قصد دراسة أزمة تسييد حقوق الإنسان والنهوض وتجنب تسييسها؛ - يدعو إلى تقييم نتائج مؤتمر فيينا الذي مر عليه عقدان؛ - يجدد التأكيد على أن محاربة الإرهاب لا يمكن أن تتم بانتهاك حقوق الإنسان. ثانيا :على المستوى الإقليمي والجهوي وإذ يسجل المؤتمر ازدواجية المعايير المعتمدة من طرف الجامعة العربية في التعاطي مع الحراك الديمقراطي، فإنه يدعو إلى : - إعادة النظر في الميثاق العربي لحقوق الإنسان وملاءمته مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؛ - يحيي الحراك الذي عرفته منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، باعتباره تعبيرا عن تطلع إلى الحرية و الكرامة و العدل و المساواة والديمقراطية، و إعلانا عن إفلاس الأنظمة السياسية القائمة على الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان، مؤكدا أن الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان أفق مستقبلي وحيد؛ - يدعو إلى ضرورة تدبير المراحل الانتقالية التي تلت انهيار تلك الأنظمة، بالاحتكام إلى قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلم والتعايش واحترام الحريات الفردية والجماعية ومبدإ المساواة؛ - يعبر عن تضامنه مع الشعب السوري في محنته مع النظام السياسي القائم؛ - يعبر المؤتمر عن إيمانه بضرورة التغلب على كل الصعوبات التي تعوق قيام وحدة مغاربية في صالح شعوبها، ويؤكد أن هذه الوحدة لن تكتسب مصداقيتها وتضمن استقرارها إلا على أساس دعم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ثالثا : على المستوى الوطني - يثمن المؤتمر الحراك السياسي والمجتمعي الذي انطلق مع مظاهرات 20 فبراير، ويعتبرها قيمة مضافة لنضالات الشعب المغربي منذ عقود من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، وتعبيرا عن تنامي حركية المجتمع المغربي بانخراط أجيال جديدة في مسار هذا النضال. - يسجل بارتياح التفاعل الفوري مع هذه الحركية بإقرار إصلاح دستوري ما فتئت المنظمة تطالب به وتقدم مقترحات بشأنه. - يسجل المكتسبات التي تضمنها نص الدستور الجديد، خاصة ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان باعتبارهما ثابتين لا رجعة فيهما وتبرز عناوين هذه المكتسبات في: * المقاربة النسقية التي تم اعتمادها في إقرار حقوق الإنسان وإعمالها عموديا وأفقيا بالتنصيص على مختلف الحقوق والحريات ومنع و تجريم انتهاكها والعمل على النهوض بها؛ * تخصيص باب من الدستور للحريات والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛ * توسيع اختصاصات السلطة التشريعية في مجال القانون ومراقبتها ومساءلتها للسلطة التنفيذية بما فيها الأجهزة الأمنية العمومية؛ * تخصيص البرلمان لجلسة عمومية، سنويا لتقييم السياسات العمومية بما فيها سياسة حقوق الإنسان؛ * التنصيص على أن السلطة القضائية تكفل ضمان حقوق وحرية الأفراد والجماعات؛ * إقرار آليات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها خاصة ما يرتبط بتفعيل الحكامة وحقوق الفئات؛ * خضوع جميع المؤسسات والسلطات لأحكام الدستور؛ * إقرار مبدإ المسؤولية والمساءلة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب؛ * توسيع مجالات مشاركة المواطنات والمواطنين في تدبير الشأن العام، بشكل مباشر، عبر تقديم العرائض والمبادرات التشريعية وحقهم في الطعن أمام المحكمة الدستورية والمساهمة في آليات التشاور ذات الصلة بالسياسات العمومية * دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بالتأصيل الدستوري لحقوق الإنسان وتعزيزها وضمان حمايتها والنهوض بها؛ * منع المراجعة الدستورية من أن تتناول الاختيار الديمقراطي والمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور؛ * تسجيل الدور المعترف به في الدستور للمجتمع المدني بمختلف تعبيراته؛ * تحديد فصل خاص بالحكامة والمرفق العمومي. وعلى الرغم من أن المنظمة قد سجلت في حينه ما لاحظته من استنكاف مقتضيات الوثيقة الدستورية عن التنصيص على حرية العقيدة و إقرار الدولة المدنية و غموض العبارات المتعلقة بسمو القوانين الدولية والمساواة بين الجنسين وترسيم اللغة الأمازيغية، فإن المؤتمر يعتبر - مع ذلك- أن الوثيقة الدستورية تسمح بالتقدم في إقرار وتعزيز حقوق الإنسان شريطة قيام الفاعليين السياسيين بترجمتها إلى فعل مؤثر، وتوفر يقظة ودينامية المجتمع المدني، ومشاركة المواطنات والمواطنين في الشأن العام. -يسجل المؤتمر ما يعرفه المغرب مؤخرا من تواتر المظاهرات الشعبية في العديد من المدن و المناطق من أجل مطالب متعددة، و إذ يعتبرها إعمالا فعليا لحق التعبير ، فإنه ينبه كل الأطراف إلى ضرورة إعمال مقاربة تقوم على الحوار الجدي والسريع والاستباقي لحل المشاكل. -واعتبارا لكون المنظمة قد اختارت دعم الانتقال إلى الديمقراطية وجعلت من حمايته منطلقا لانخراطها بفعالية في مختلف القضايا الإشكالية ذات الصلة بهذا الانتقال، فإن المؤتمر يسجل بإيجابية متابعة انخراط المغرب في المصادقة على الاتفاقية الدولية : * البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب؛ * الاتفاقية الخاصة بمناهضة الاختفاء القسري؛ * رفع جملة من التحفظات على الاتفاقية الدولية الخاصة بمناهضة التمييز ضد النساء؛ * توسيع اختصاصات المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط. ويدعو المؤتمر في هذا الصدد إلى : - انضمام المغرب والتصديق على الآليات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان خاصة البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام وكذا البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية مناهضة كل أشكال اتمييز ضد النساء علاوة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وإذ يسجل المؤتمر الخلل الكبير الذي يشوب النظام الجنائي الدولي، فإنه يدعو إلى : - ضرورة التفكير في تعزيز الحماية القضائية الدولية وتوسيع اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية وتقوية وسائل تنفيذ قراراتها؛ - إدماج الحكامة الأمنية في سياق الضمانات القانونية للحقوق الفردية التي يتمتع بها المواطن وإعمال مراقبة دستورية الضمانات القانونية من طرف المجلس الدستوري والبرلمان والمجتمع المدني؛ - ملاءمة الجرائم والعقوبات المنصوص عليها في القانون الإنساني مع التشريع الوطني؛ - ملاءمة التشريع المغربي مع اتفاقية الأممالمتحدة لمحاربة الرشوة؛ - إصلاح القانون الجنائي وتفعيل وسائل المراقبة القضائية وتحديث اختصاصات المسؤولين على إنفاذ القانون ومراقبة ظروف الاعتقال الاحتياطي بخضوع المسؤولين والسلطات المختصة بالمراقبة والمتابعة؛ - التعجيل بإنشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب؛ - تدقيق اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات وتطوير آليات عمله، حتى يتمكن من بسط يده على جميع جرائم الفساد المالي والاقتصادي وإحالتها على القضاء؛ - تعميم الغرف المتخصصة في جرائم الفساد المالي بالنسبة للإدارات والمرافق العمومية والجميعات المدنية والسياسية المستفيدة من الدعم العمومي لتحقيق وإنجاز المشاريع ذات النفع العام؛ - وضع الحكومة للتقرير السنوي عن تدبير المؤسسات العمومية من طرف المفتشية العامة للمالية لدى الوزير الأول والتداول حوله بالمجلس الحكومي وإخبار الرأي العام بمضامينه؛ - محاربة اقتصاد الريع بجميع أشكاله وأنماطه ومستوياته وجعل المسؤولية مقرونة بالمحاسبة؛ - تفعيل مبدإ المساواة في الجهات والجماعات الترابية ضمانا للتنمية المستدامة؛ - جعل الكفاءة معيارا وحيدا لتقلد المسؤوليات العمومية والمساواة بين جميع المواطنات والمواطنين في الاستفادة من الخدمات العمومية .. وإذ يستحضر المؤتمر انخراط المنظمة في مسار النضال وتجديد وتنويع آليات الدفاع عن حقوق المرأة إلى جانب القوى الديمقراطية والمنظمات النسائية غير الحكومية: - يسجل تحقيق مكتسبات دستورية هادفة إلى رفع مستويات وأشكال مشاركة المرأة المغربية في التنمية يدعو إلى تفعيل مبدإ المناصفة وإعمال مبدإ المساواة وتكافؤ الفرص في مختلف السياسات والبرامج التنموية للقطاعات الحكومية، وذلك بتفعيل الفصل 19 من الوثيقة الدستورية. - يدعو إلى تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء؛ وإذ يسجل المؤتمر أهمية الحوار الاجتماعي بخصوص الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية لفئات عريضة من المواطنين يؤكد أن انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتجلياتها في الفقر والتهميش والإقصاء يعيق المكتسبات ويعطل مسار التنمية؛ لأن إقرار الحقوق المدنية والسياسية لن يتحقق في ظل استمرار حرمان المواطنين من التمتع بحقوقهم في التعليم والصحة والشغل والسكن اللائق بالكرامة الإنسانية. واعتبارا لتواتر الحركات الاحتجاجية وتنوع أشكالها واتساع مداها، فإن المؤتمر: - يدعو إلى فتح حوار وطني مع كل الفاعلين لبلورة الإجراءات الضرورية بما يضمن مأسسة الحق في التظاهر والتعبير بطريقة سلمية؛ وإيمانا من المؤتمر بأولوية حقوق المستهلك، ونظرا لما يتسم به المشروع الحكومي بشأن تدابير حماية المستهلك من طابع جزئي وإخلال بقانون الجمعيات وبالحقوق الأساسية للمستهلك، فإنه يدعو إلى: - وضع مدونة متكاملة للمستهلك طبقا للمعايير الدولية وخلق آليات تفعيلها؛ واعتبارا لأهمية البيئة كحق من حقوق الإنسان فإن المؤتمر يدعو إلى: وضع استراتيجية للنهوض بحق المواطن في بيئة سليمة، ومراجعة التشريعات الوطنية ذات الصلة ورصد الجرائم ضد سلامة البيئة ومتابعة مرتكبيها. وإذ يذكر المؤتمر بمواقف المنظمة بخصوص الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، فإنه: - يسجل المكتسبات المحصلة بخصوص اللغة والثقافة الأمازيغيتين ومجموع التعبيرات الثقافية. - يدعو إلى تعميق تلك المكتسبات بالإجراءات التدبيرية التي تضمن لها الحماية والنهوض والتطور؛ وإذ يذكر المؤتمر بمواقف المنظمة بخصوص حرية الصحافة فإنه: - يدعو إلى وقف جميع المتابعات في حق الصحفيين والصحفيات وتضييق الخناق عليهم؛ - يطالب بفتح حوار وطني حقيقي حول حرية الإعلام ودوره في التنمية وإلغاء جميع العقوبات السالبة للحرية وإقرار المبدإ الدستوري بحق الولوج إلى المعلومة. وإذ يذكر المؤتمر بمواقف المنظمة إزاء قضية الهجرة واللجوء فإنه : -يشدد على ضرورة احترام وضمان حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء طبقا للمقتضيات الدولية ذات الصلة التي التزم بها المغرب؛ -يطالب الحكومة بإقرار آلية قانونية ومؤسساتية وطنية من أجل حماية اللاجئين وطالبي اللجوء في المغرب؛ وبالنظر إلى التحديات التي تواجه النسيج الحقوقي المغربي، فإن المؤتمر يدعو إلى : - مراجعة الميثاق الوطني لحقوق الإنسان وتحيينه والتأكيد على تسييد منظومة الحقوق والواجبات؛ - ضرورة الكشف عن باقي المختطفين ومجهولي المصير؛ إن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي انبثقت فكرة من صلب الدينامية الاجتماعية الوطنية ظلت على مدى يزيد عن ثلاث وعشرين سنة من مسار فعلها النوعي مشدودة إلى النضال من أجل قضايا حقوق الإنسان باعتبارها عاملا حاسما في التنمية الإنسانية، رابطة ذلك بالنضال من أجل الديمقراطية والتنمية في منأى عن التوظيفات السياسية بمهنية واستقلالية وحرص دائم على ابتكار ما يلائم مقتضيات الواقع المتجدد، دفاعا عن حقوق جميع المواطنات والمواطنين في الكرامة والتمتع بكافة حقوق الإنسان الأصيلة والأساسية.