قال المستشار الاقتصادي عزيز لحلو إن الأسلوب الشعبوي الذي على أساسه تسلمت حكومة بنكيران مقاليد السلطة هو اليوم بصدد الاصطدام بصخرة واقع إقتصادي واجتماعي عويص ، مضيفا أنه لا يمكن للديماغوجية أن تعالج واقعا مركبا ومعقدا بالشكل الذي هو عليه اليوم ، وهو واقع تسوده الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والجهوية وتتكاثر فيه العقليات الاقطاعية واللوبيات المصالحية، المتشبثة بأفكار قديمة ولا يهمها من قريب أو من بعيد إصلاح الشأن الاقتصادي. واعتبر لحلو أن السبب الحقيقي وراء تأخر القانون المالي هو عجز الحكومة الجديدة لعبد الإله بنكيران عن مواجهة الاشكاليات الاقتصادية المستعصية التي طرحت فجأة أمامها ، والتي من بينها ضعف الموارد المالية وكثرة متطلبات الانفاق العمومي ، واستفحال مشاكل المديونية الخارجية والداخلية وتراكم عجز الخزينة وضعف الطلب الموجه نحو المغرب لتكتمل هذه الصورة القاتمة بسنة فلاحية طبعها الجفاف وتضرر الكثير من الزراعات.. ويرى عزيز لحلو أن هذه المشاكل هي التي أعجزت الحكومة الحالية عن إيجاد حلول حقيقية لها وهي التي جعلتها تأخذ كل هذا الوقت لتحضير القانون المالي ، وتضيع بالتالي نصف سنة مالية ستكون لها كلفة إقتصادية ثقيلة لا يمكن تقدير حجمها الحقيقي إلا بعد شهور من الآن. ومن بين التداعيات الآنية لتأخر القانون المالي 2012 ، الاضطراب الذي ألحقه هذا التأخير بالسير العادي للمقاولات سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام ولاسيما تلك التي يرتبط نشاطها مباشرة بالاستثمارات العمومية و التي تجد نفسها اليوم في وضعية عطالة بعدما استنفدت إنجاز كل صفقاتها المبرمجة في إطار القانون المالي 2011 و أغلبها ينتظر إطلاق سراح القانون المالي 2012 للمشاركة في طلبات العروض المبرمجة في ميزانيته الاستثمارية ، مع العلم أن العديد من المقاولات وخصوصا الصغرى والمتوسطة منها ، أصبحت تعيش وضعية مالية متأزمة بسبب تباطؤ عجلة الاقتصاد وقلة الفرص الصفقات مع ما يشكله ذلك من انعكاسات سلبية على توازناتها المالية. ويرى الدكتور عزيز لحلو أن هذه الوضعية الاستثنائية تحث الحكومة على الرفع من وتيرة أدائها و الإسراع بتنفيذ إصلاحات استعجالية في العديد من القطاعات التي وعدت بإصلاحها أثناء حملاتها الانتخابية ، وذلك لإعطاء بعض الثقة للمستثمرين والمانحين الكبار، وعلى رأس تلك الاصلاحات مجال القضاء والمحاكم التجارية و الإدارية و تبسيط المساطر التي تنظم المعاملات المالية والتجارية.. وعاب عزيز لحلو على قطاع الابناك عدم مساهمته بالشكل الملائم في تمويل الاقتصاد معتبرا أن الأبناك في المغرب تحقق أرباحا قياسية و تجني بفضل نسب الفائدة المرتفعة ملايير الدراهم ، غير أنها في المقابل لا تساهم بالشكل الكافي في مصاحبة المستثمرين والمقاولين الصغار ، كما أنها لا تحمل عن الدولة عبء تمويل الكثير من البرامج التي تثقل كاهل الميزانية العامة. مع العلم أن الدولة هي التي تسمح لهذه الأبناك بتحقيق أرباح طائلة على حساب المواطنين ، ويكفي في هذا الصدد مقارنة نسب الفوائد المفروضة على الطبقات المتوسطة والضعيفة في المغرب وخوصا القلروض العقارية وقروض الاستهلاك وقروض الاستثمار بنظيرتها في أكثر البلدان تقدما ، لندرك أن الفرق شاسع ، وأن هذا الخلل ترعاه الدولة.غير أن أخطر ما ركز عليه الدكتور أقصبي هو كون المغرب حاليا يسير في اتجاه استنفاد نموذجه الاقتصادي المبني على الطلب الداخلي ومحاولة الحفاظ بيأس على السلم الاجتماعي من خلال الاستمرار في نظام الدعم عبر المقاصة التي أصبحت تبتلع ميزانية كبرى، معتبرا أن هذا الدعم لا يمكن أن يستمر إلى ما لانهاية، وأن اللجوء إلى المؤسسات الدولية المانحة سيجعل المغرب تحت رحمة هذه المؤسسات، محذرا من الاتجاه نحو دخول البلد شيئا فشيئا الى عهد الوصاية المالية الخارجية .