يجتاز المغرب حاليا سنة مالية شبه بيضاء ، بفعل قانون مالي عسير الولادة ، مازال «يتجرجر» منذ أواخر العام الماضي حين خرج «مائلا» من ديوان وزير الاقتصاد والمالية السابق صلاح الدين مزوار مع ما صاحبه حينذاك من لغط وهرج حول وضعه ثم سحبه من الأمانة العامة .. وبعد أن عدل و شذب ولقح لثلاثة شهور كاملة في مطبخ الوزيرين السياميين نزار بركة و ادريس الأزمي .. و قبل أن يصادق مجلس الحكومة على المشروع المعدّل لسنة 2012، دون أن يحمل في العمق سوى روتوشات سطحية لا تبرر كل هذا التأخير .وهاهو اليوم البرلمان ينتظر البت فيه من قبل الغرفتين ، ولا يتوقع المراقبون أن يكون جاهزا قبل يونيو القادم، ما يعني أن مقتضياته التنفيذية لن تأخذ مفعولها إلا في أواخر السنة المالية .. وحول هذا الموضوع أجمع كل الفاعلين الاقتصاديين والخبراء الذين اتصلنا بهم على خطورة هذه السنة البيضاء، ووقعها الكارثي على الدورة الاقتصادية لبلادنا ، حيث سطروا على خطورة المرحلة سواء على المستوى الاقتصادي او على المستوى الاجتماعي ، معتبرين أن وزير الاقتصاد والمالية السابق صلاح الدين مزوار ترك قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه الحكومة الجديدة وقالوا إن حكومة عبد الاله بنكيران تسلمت إرثا ثقيلا ومشاكل سيصعب عليها مواجهتها، مضيفين أن صلاح الدين مزوار كان يعرف جيدا أنه خلف وراءه ميزانية مثقلة بالديون و بمتأخرات في صندوق المقاصة وبعجز في الميزان التجاري وبعجز أكبر في الخزينة.. كل ذلك اشترت به الحكومة السابقة السلم الاجتماعي، وتركت مزوار يوظف تبريرات ديماغوجية للتغطية على عدم قيامه بواجبه في إعداد مشروع القانون المالي في حينه.. واعتبر المحللون الاقتصاديون أن العوامل السلبية التي تطبع الظرفية الاقتصادية وطنيا والتي من أبرز عناوينها الكبرى تفاقم العجز المالي إلى 7 في المائة وتراجع معدل النمو المتوقع إلى ما دون 2.5 في المائة إضافة إلى ضعف السنة الفلاحية ..كل ذلك لم يكن بحاجة إلى معضلة أكبر تتجسد في تأخر القانون المالي و في نصف سنة مالية بيضاء ستترتب عنها دون شك مشاكل عويصة.. وحملوا مسؤولية هذا التأخر إلى الحكومة السابقة التي كان عليها أن تقوم بواجبها في إعداد مشروع ميزانية 2012 في الوقت المحدد ، وأن تترك للحكومة الحالية هامش التصرف في بعض القضايا كصندوق التضامن الاجتماعي وغيره من الملفات التي قد تحتاج إلى ميزانية تعديلية لا غير دون أن تمس بالسير العادي للقانون المالي. قال محمد حوراني, رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب, إنه من الطبيعي أن يكون لتأخر صدور القانون المالي أثر سلبي على الاقتصاد الوطني ، غير أنني ، يضيف حوراني لا أريد أن أحمل هذه الحكومة وحدها تبعات هذا التأخير، ما ينبغي أن أؤكد عليه هنا هو أنه ينبغي أن يؤخذ هذا الموضوع في سياقه الزمني ، فالكل يعلم أن المغرب دخل منذ السنة الماضية في مسار انطلق منذ الخطاب الملكي في 9 مارس وما أعقبه بعد ذلك من تحضيرات للاستفتاء حول الدستور الجديد الذي صوت عليه المغاربة في يوليوز 2011 ، وبعده مباشرة تقرر تنظيم الانتخابات التشريعية سابقة لأوانها في 25 نونبر من نفس السنة، كل هذا جعل الحكومة السابقة تتأنى في تحضير مشروع القانون المالي 2012 حتى لا تقيد الحكومة التي تأتي بعدها بإصلاحات ليست بالسهلة و أن ترهن عملها بعبء هي ليست مسؤولة عنه، ونحن في الاتحاد العام لمقاولات المغرب كنا على وعي تام بهذا الاكراه ، وأخذنا بعين الاعتبار هذا المسلسل بمختلف تطوراته، وكنا حينها قد وضعنا مطالبنا كمقاولات ليتم تضمينها في مشروع القانون المالي ، وتوجهنا بهذه المطالب إلى حكومة عباس الفاسي ، حين تم تحضير النسخة الاولى من هذا المشروع التي أشرف عليها وزير الاقتصاد والمالية السابق، صلاح الدين مزوار ، ثم جددنا هذه المطالب بعد تعيين حكومة عبد الاله بنكيران .. وقد كنا نقول منذ البداية حذار من تضييع الوقت ، لأن المرحلة حاسمة للغاية و لا تحتمل أي تأخير ، كما قلنا منذ البداية أنه بالرغم من تقديرنا لهذا المسلسل من الاحداث التي ذكرناها آنفا، فإن لا شيء يبرر التأخير ، ومع الأسف فإن ذلك الذي حذرنا منه هو بالضبط ماوقع ، حيث أن هناك بعض القطاعات وبعض الملفات التي ستضيع عليها سنة كاملة بدون أي تبرير وهذا أمر خطير. وأضاف رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب مسترسلا : صحيح أننا نتفهم كون الحكومة الجديدة لم يكن لديها ما يكفي من الوقت لإعداد قانون مالي يعالج بعمق مجموعة من المشاكل ، ولكننا نتأسف في المقابل لكونها لم تأخذ بعين الاعتبار بعضا من مقترحاتنا التي لا تكلف الشئ الكثير بقدر ما تحتاج الى قدر من الشجاعة السياسية لتلبيتها. وأعطى حوراني مثالا عن هذه التدابير التي تستلزم جرأة سياسية أكثر مما تتطلب تكاليف مادية، بمطلب الاتحاد العام لمقاولات المغرب بشأن إنشاء مجموعات قابضة أو ما يعرف ب «الهولدينغ» ، وأوضح حوراني في هذا الشأن : لقد تقدمنا مثلا باقتراح لتحفيز المقاولات العائلية على خلق مجموعات قابضة تقوي النسيج المقاولاتي للاقتصاد الوطني الذي يعاني من الهشاشة بسبب غياب هذا النوع من الهولدينغات ، حيث يتخوف جميع المقاولين في المغرب من اللجوء إلى خلق هذا النوع من التجمعات بفعل التكاليف الضريبية الثقيلة التي تستتبع هذا الاجراء، والحال أن المقاول الذي يريد أن يخلق من مقاولاته مجموعة قابضة لا يربح أموالا من هذه العملية, بل لا يعدو أن يغير الاطار التنظيمي لمقاولاته ، ولم يعد معقولا أن يتحمل هذا المقاول ضرائب ورسوما دونما مقابل معقول، لذلك طلبنا من الحكومة أن تشجع هذا النوع من التجمعات المقاولاتية, خصوصا وأن الأمر لا يحتاج سوى لتعديل بسيط في القوانين الضريبية ، وكل ما طالبنا به «حياد ضريبي» في هذا الموضوع لن يكلف شيئا .. وهوللأسف ما لم يأخذه مشروع القانون المالي 2012 بعين الاعتبار ..وقس على ذلك العديد من مقترحاتنا غير المكلفة التي أغفلها هذا المشروع المالي ، مع العلم أن تأخيرها يضيع على الاقتصاد الوطني فرصا لتقوية نسيجه لمواجهة الظرفية الاقتصادية الصعبة.. وأكد حوراني أن التردد الذي طبع تقديم مشروع القانون المالي ساهم بدوره في تردد المستثمرين والمقاولين الذين من الطبيعي أن يتساءلوا ويتخوفوا مما سيأتي به هذا القانون.. ولا ينكر رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب بأن هناك بعض الايجابيات التي أتى بها هذا القانون ولكنه في نفس الوقت يسطر على أن هناك مجموعة من الاصلاحات العميقة والمستعجلة والتي كان ينبغي الشروع فيها هذه السنة دون تضييع مزيد من الوقت ويصنفها حوراني في ثلاثة محاور هي مقترحات الاتحاد حول الاستثمار ومقترحاته حول التشغيل ومقترحاته حول توسيع الوعاء الضريبي..غير أن حوراني يعتبر أن هذه المقترحات لم تجد صداها كاملا في مشروع القانون الحالي..