في طفولتي... عندما كنت أقرأ أو أسمع قصيدة شعرية بلغتها السامية والساحرة، وموسيقاها الآسرة، كنت أعتقد أنها من وحي الملائكة، فتتناسخ روحي بأرواحهم،وأهيم معهم في عالم من الخيال واللامتناهيات... العالم الأبهى والأجمل، لأن الشعر كتابة جوانية، وقول جميل يكشف عن الكينونة في بعديها الجمالي والوجودي داخل الوجدان.فالشعر يحافظ على اللغة وجمالها، ويعمل على تفجيرها عبر الحفر في أغوارها، فهو»الشعر» بلسم النفس الإنسانية من وجع اليأس والإحباط، وكما قال عنه الشاعر المغربي الكبير:»عبد الكريم الطبال»:»الشعر كالحياة تماما، مرة هو لغة صامتة قد تقرؤه في عيون الأطفال، في أوراق الأشجار، في زرقة البحر، في صفاء الصباح، في ضحكة النهر.. في امتداد الظل... وهو أحيانا لغة صامتة...».فالشعر مرآة تعكس صيرورتنا، وتمنحنا فرصة التلذذ بالحياة عبر الكلمات الشعرية الآسرة للقلب والفكر، إنه فلسفة مقدسة، يستمد قدسيته من الخيال الآسر، النابع من الوجدان ليضفي اللذة على الوجود.ونستشهد على قدسيته بمقولة الشاعر الجزائري: قدور رحماني:- « الشعر نبوءة فنية مستمرة، وعضة حلوة في القلب، ومحاولة للقبض على الجذور، وذوبان متواصل تحت إيقاع حريق يوقد من أحلام الذات وأنغام الحياة، مشكلا وجودا ثانيا داخل الوجود... إنه الماء المتدفق في الأرض، الذي يتلألأ مضمخا في سماء الحرية بعطر القيم الإنسانية والجمالية...». بينما نجد الكاتب والشاعر المغربي أحمد بلحاج آيت ورهام...»يرى في الشعر مرآة جامعة للحقائق، يرى فيها العالم نفسه، ولغته لغة تجربة ووجود تتجاوز وطن السحر، لتنفذ بالمتلقي من المألوف إلى الغيبي، إلى اللانهائي...». لكن الشاعر والأديب محمد الميموني يقول عن الشعر:»بأنه حوار مع الكون وتعايش مع الأشياء، ومشاركة في الواقع، ولقاء مع الأصوات والصور...» أما الشاعر صلاح بوسريف ، فيعرف الشعر ب:»أنه اشتعال وتجديد متواصل للكلام... هو اللغة حين تعيد ترتيب سياقاتها، وتذهب إلى المتبقى والمفترض... ومن أولوياته تسمية الأشياء، والنبش عن المتخفى والمطمور في جوهر الشيء وفي أعماقه...». لكن الشاعر البحريني أحمد العجمي استخلص لنا مهمة الشعر في ثلاث جمل شعرية قائلا:- بالشعر يزداد اشتعال شمعة الحب، ويزداد ارتفاع تحليق الطيور...وبه ينفتح باب الروح... بينما يرى الشاعر السوري منير محمد خلف في الشعر:»غذاء القلب الذي بدونه لا يمكن أن ينبض، وهواء الروح الذي لا بديل عن تجلياته لمواصلة الحياة...». لكن هل يستقيم الشعر بدون شعراء..؟. الشعر وحده لن يتسامى ولن يستقيم، ولن يعم أريجه المكان عبر الزمان بدون وجود شعراء... ولولاهم لما كان للشعر وجود... فالشاعر هو صوت القصيدة ومنسقها الرسمي، وملحنها الفني والإبداعي.. والشعراء بمثابة الفراشات التي تنقل الأريج ليتم التلقيح، فتستنسخ القصائد في حدائق الأدب الرحبة... والشاعر هو الأب الروحي والشرعي للقصيدة، حيث يعقد قرانه باللغة بوثائق شرعية ليخلفا معا بعد طول مضاجعة، قصائد روحية تحمل ندفا من روحه، تخلد اسمه على مر الزمان، حيث يمنحها شهادة ميلاد وعنوان وهوية... إذا الشعر والشعراء ثنائية أزلية مقدسة في أصولية الأدب والفكر الإبداعي... إذا ماذا يمثل لنا الشعر..؟.لن أقول أكثر مما قاله الشاعر الكبير أدونيس:-نحن نعلن أن الشعر يقين والخرق نظام هو ذا نجم يتوهج بين كواحلنا ثقة بجحيم خطانا ثقة بفضاء يتناسل ملء حناجرنا فالشعر هو زادنا الروحي الذي يعطي للحياة طعمها ولذتها وامتدادها وتألقها، وكلما افتقرت الحياة إلى الشعر أصبحت بلا معنى ولا مبنى، وأقل جدارة بأن تعاش، لأن الشعر ينساب في مسامنا كلما قرأناه وتدبرناه.فهنيئا لنا بالشعر في عيد الشعر، وطوبى لنا بالشعراء... وكل عام وأنتم بالشعر شعراء... (*) ناقد وقاص - طنجة والكتاب محاولة جادة في قراءة العوامل التي ارتكزت عليها بنية القصائد وصولا إلى الاقتراب من جوهر المشاعر الذي يختلط مع مجموعة عناصر أخرى يتألف منها النص وهي عناصر جديدة ومغايرة للمألوف كما يبحث الكاتب في المجموعات التي درسها عن القصائد التي تختلف بالمعاني وتتباين بالأشكال والمبنى مصمما على أن يشكل باقة تشبه باقة الزهور للاستنتاج أن ما يبحث عنه هو في النتيجة شعر حقيقي و ليس سوى ذلك. ويدرس الناقد الحجري كل قصيدة بمفردها ليستخلص ماهية تركيبها وملامحها واستنباط القواعد الجديدة التي ترتكز عليها القصائد وهذا ما دفع مؤلف الكتاب إلى الوقوف على الحالات الشعرية الخاصة التي يراها والتي تمكنه من استخلاص الجوهر الشعري. ويعمل الناقد الحجري على قاعدة مخالفة النقاد الذين يقسمون النص إلى شكل ومضمون ويعتبر هذه الحالة فاشلة في النقد وأن الشكل والمضمون كلاهما يوصل القارئ إلى معنى واحد ولاسيما أن النص الحديث لا يمكن أبدا أن تنطبق عليه هذه الحالة. ويبحث في القصائد التي يتناولها عن نصوص مليئة بالعناصر الجمالية والتخيلية التي تملك رؤى مستقبلية أكثر من اهتمامه بالنصوص التي تعود إلى الماضي مبينا ان أغلى ما يبحث عنه هو المفردات والتعابير الغريبة و المبتكرة عبر الخيال. ويرى المؤلف أن الشاعر يجب أن يبحث عن أسرار الحياة وأسرار الوجود والحقائق لتكون القصيدة محاولة للاقتراب من الأشياء غير الملموسة. ويعمل الكتاب على تقديم مجموعة من الشعراء إلى القارئ العربي والتعريف بها وإطلاعه على خصائصها الإبداعية وتوجهاتها الفنية .. إلا أن المؤلف يتعامل مع النصوص بمستويات متفاوتة يظهر من خلالها بعض الانحياز ،فهناك قصائد اهتم بها أكثر من غيرها كما لا توجد معادلة موضوعية في التناولات النقدية بين شعراء الوطن العربي. ويحاول الناقد أن يتكئ على مناهج الدراسات الأدبية و دلالاتها ومساءلتها ومع كل محاولاته إلى التجرد من النمطية والذاتية. ويشار إلى أن الكتاب يهتم بالحداثة ومكوناتها على حساب النصوص الكلاسيكية وفي مجموعة العناوين التي تضمنها الكتاب الذي قدم له الشاعر والناقد الدكتور نزار بريك الهنيدي قراءة نقدية للشعر الحديث كشفت الرؤية الخاصة للكتاب وفيها بعض التفوق على القراءات الموجودة بالكتاب برغم اتجاهها الكامل نحو الحداثة أيضا ونرى أن الحجري قدم إضافة جديدة إلى الثقافة العربية قد تتطور أكثر كلما حقق انفتاحا على الثقافات الأخرى واطلع على تراكمات الزمن القادمة. يذكر أن الكتاب من منشورات دار النايا ودار محاكاة ويقع في 520 صفحة من الحجم المتوسط.