تحمل إيطو على ظهرها حزمة من الحطب وأمامها يسير المخلوق الصبور الذي صنع له شباب فايسبوكيون مؤخرا حزبا سياسيا افتراضيا، يحمل هو أيضا وزنا ليس باليسير من أعشاب هي علف لذيذ لبقرة تنتظره بشغف، خلف حائط ترابي بتلك القرية الجبلية النائية. تسير إيطو منهكة بخطوات متثاقلة وعيناها التي لم تغمضهما منذ ساعات الفجر الأولى، توشكان أن تنغلقا من شدة الإرهاق والحنين إلى نوم عميق أصبح بالنسبة لها غاية المنى في ظل هذه الحياة الشاقة، إنها حديثة عهد بزواج طلبته رغم كون سنها لايزال صغيرا خوفا من عنوسة موهومة تلتصق بجبين كل فتاة تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها دون زواج....تصل إيطو إلى البيت وتضع "حمولتها" وتريح الحمار من حمله، وتتجه إلى خبز ولبن وسمن لتسكت احتجاجات من نوع آخر تنظمها أمعاؤها تنديدا بغياب طعام يسد الرمق...ايطو لا تعرف ذكرى الثامن من مارس، بل تعد الشهور فقط لمعرفة موعد عودة زوجها الشاب الذي توجه إلى أوراش البناء بالمدن الكبرى للمغرب. فأثناء حضوره فقط تشعر ببعض الحماية، فهي لم تسمع بالديكتاتوريات التي سقطت في شمال إفريقيا مؤخرا، بقدر ما تعرف دكتاتورية "عجوزتها" أي أم زوجها، التي تتعامل معها مثل مدير شركة رأسمالية متوحشة، لا يعترف بتحديد ساعات العمل ولا بالحق في الراحة أو العطلة، وأكثر من ذلك فهو يهددها بالطرد دائما وأبدا. في عالم هذه المرأة الأمازيغية المسكينة وفي مخيلتها، أم الزوج هي الشر كله، تملأ أذنيها دائما بقصص الزمان الغابر يوم كانت هي أيضا "عروسة" عند أم زوجها قبل أن تصبح اليوم أما و"رئيسة" لهده الحكومة الصغيرة، وتضع في "تسمرت، صرة" التي تلفها حول خصرها مفاتيح بيت الخزين حيث المواد التموينية التي تضمن التوازن الاقتصادي للبيت. أم الزوج أو تمغارت هي من يضع برنامج العمل المكثف الذي تنفذه "العروسة" تيسليت،من إطعام البهائم إلى غسل الملابس بمياه النهر الباردة، إلى تنقية الزرع، وسقي الماء، وانتهاء بالعذاب المبين المتمثل في الاستيقاظ مبكرا مع نساء أخريات من القرية والذهاب لكيلومترات غير قليلة لإحضار حطب أو أعشاب لإطعام البقرة التي تعتبر عنصر إنتاج محوري في حياة سكان تلك الجبال، لا ينقصهم غير تقديسها لأنها تمنحهم المال بعد بيع العجل، واللبن والحليب يوميا. إيطو وغيرها من الفتيات ترى في الولادة والإنجاب تأمينا وضمانا ل"بقائها" في سجن الأعمال الشاقة ،لكي لا نقول عش الزوجية...لكنها في فترة الوضع قد تدفع حياتها ثمنا لذلك الحمل فلا مستشفى ولا إسعاف إلا بعد كيلومترات طويلة. إيطو تؤمن بأفكار خاطئة رسخت في ذهنها بفعل ضغط المجتمع الجبلي المنقطع عن العالم، من قبيل أن المرأة "الحاذقة" هي من تشتغل أكثر حتى في الأعمال الصعبة، لذلك ما أن تبلغ الثلاثين من عمرها حتى تخالها عجوزا في السبعين من العمر. إيطو هي أختي وأختك أيها القارئ وأمي وأمك، هي امرأة مغربية لم تتلق في يوم ما تكريما ولا تقديرا من أحد ولا علم لها بالثامن من مارس ولا بالجمعيات النسوية التي تطالب بالمناصفة، إنها في حاجة إلى تكريم واهتمام طيلة 365 يوما من أيام السنة. فهل نتذكرها دائما ؟ أم ترانا نضعها في رف منسي إلى مارس السنة القادمة؟