1. شكل تردد رئيس الحكومة في مباشرة الحوار الاجتماعي من أجل مناقشة مطالب المركزيات النقابية في شقيها المؤسساتي والمادي مؤشرا سلبيا في تعاطي الحكومة مع الملف الاجتماعي. لقد راسلت الفيدرالية الديمقراطية للشغل رئيس الحكومة من أجل التفاوض وإثارة الانتباه إلى الوضع الاجتماعي الوطني الذي يتسم بتوترات واختلالات متفاقمة بسبب الزيادات المتوالية للأسعار والغلاء المهول الذي مس مختلف المواد وفي مقدمتها المواد الأساسية والخدماتية الأكثر استهلاكا. 2. وقد كانت الفيدرالية الديمقراطية للشغل تأمل بصدق أن ترقى تعهدات الحكومة إلى مستوى تطلعات الشغيلة المغربية من حيث حماية الحريات النقابية وتطبيق ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011 وإقرار إجراءات جديدة تروم تحسين الأوضاع الاجتماعية للعمال والمستخدمين والموظفين كإجراءات أساسية لحماية القدرة الشرائية للأجراء والموظفين. لكن للأسف ظهر أن أجندة الحكومة لا تتضمن حوارا اجتماعيا حقيقيا بالمعنى المتعارف عليه عالميا انطلاقا من انتظارات المركزيات النقابية حيث يساور القلق كل الفاعلين الاجتماعيين مما يطرح تساؤلات حول الاختيارات الحكومية في بعدها الاجتماعي. ففيما يتعلق بالحريات النقابية, خصوصا في القطاع الخاص، لازالت العديد من المؤسسات الإنتاجية والخدماتية تواصل طردها وتسريحها وتوقيفها للعمال والمستخدمين. فمثلا اتصالات المغرب التي حققت أرباحا صافية هائلة تقدر ب 8,1 مليار درهم بفضل العمل الدؤوب لمواردها البشرية، يقوم المسؤول الأول عن هذه المؤسسة الكبرى ب «تكريمها» بالتوقيف والطرد والترهيب. وكذلك الوضع في قطاع العدل الذي يتميز بإرادة الوزير في محور الفيدرالية الديمقراطية للشغل من التواجد, ناهيك عما يعرفه المكتب الوطني للكهرباء والمكتب الوطني للتكوين المهني. أما ما يهم الحوار القطاعي فهناك العديد من الوزراء الذين يرفضون مباشرة الحوار من أجل التفاوض حول الملفات المطلبية القطاعية وهي في مجملها ذات طبيعة بسيطة لا تحتاج إلى موارد مالية. أما ما يهم فئة المتقاعدين, فإن وضعهم الاجتماعي يسير من سيء إلى أسوأ بسبب معاشات هزيلة لا تغطي المستويات الدنيا للعيش. قدمنا هذه الأمثلة الثلاثة لنبين أن الحكومة لا تتوفر على الإرادة السياسية للاستجابة لأدنى متطلبات عيش الأسر المغربية من أطفال وعمال وذوي معاشات. 3. إن تأكيد منظمتنا النقابية على الأهمية البالغة التي يكتسيها الحوار الاجتماعي المبني على المأسسة والجدولة المضبوطة والمفاوضات المنتظمة والمنتجة نابع من العناصر التالية : * التحديات العميقة التي تعرفها اليوم سياقات العولمة، حيث أن الحكومة ملزمة باتخاذ التدابير الاقتصادية والاجتماعية والتنموية القادرة على مواجهة انعكاسات انخراط المغرب في المنظمة العالمية للتجارة والتزاماته المترتبة على سياسة الانفتاح وتحرير الأسواق والتبادل الحر. * الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية والمالية الدولية وخصوصا منطقة الأورو على الاقتصاد الوطني, حيث ستتأثر القطاعات التصديرية والسياحة وأوضاع المهاجرين والاستثمارات الخارجية المباشرة بهذه الأزمة. * التكيف الاقتصادي والتكنولوجي والتأقلم مع التطورات العالمية وصعود اقتصاديات الصين والهند ودول أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية أمسى من شروطه الضروية توافر إدارة عمومية حديثة تساير العصر وكذلك توافر صناعة وطنية مندمجة صلبة وقادرة على الصمود في وجه المنافسة الدولية العنيفة والحركية المتسارعة للسلع وللرساميل. * تقوية السوق الداخلي ودعم الاستهلاك الجماهيري يساهمان في تحريك عجلة النمو وذلك أن الاندراج الدولي القائم على التنافسية أصبحت تتحكم فيه، بامتياز، مقتضيات المنظمة العالمية للتجارة التي أمست تأخذ بعين الاعتبار، فضلا عن الجودة المعيارية، المسؤولية الاجتماعية والإيكولوجية للمنتوجات. كما أن الاندماج واطراد الأنشطة الإنتاجية والخدماتية يستوجب ليس فقط تحسين مناخ الاستثمار, بل أيضا توفير شروط العدالة الاجتماعية والحد من الفقر والتقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية والترقية الاجتماعية للأجراء عن طريق إعادة توزيع الثروة والدخل ودعم القدرة الشرائية لهذه الفئات العاملة. 4. من هذا المنطلق، ترى الفيدرالية الديمقراطية للشغل أن الحكومة مطالبة بنهج سياسة عمومية متكاملة تجمع بين الانفتاح على السوق العالمي وتوسيع نطاق السوق الداخلي والرفع من طاقته الاستيعابية للمنتوجات الوطنية. وهذا لن يتأتى إلا بضبط التماسك الاجتماعي وتوطيده وتعزيز القدرة الشرائية للموارد البشرية وعلى رأسها الفئات العاملة وذلك عن طريق مجموعة من الإجراءات ذات الطابع المادي والمؤسساتي نذكر من بينها أساسا : * تحسين الدخل عبر إقرار آليات أهمها : * مراجعة النظام الضريبي على الدخل عبر الرفع من سقف الإعفاءات 36000 درهم سنويا وتوسيع الوعاء الضريبي والتخفيض من نسب الأشطر الدنيا والمتوسط ؛ * التخفيض من معدل الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على المواد الغذائية والأدوية الأساسية. * الرفع من معاشات المتقاعدين بما يتناسب وغلاء المعيشة. * الرفع من الحد الأدنى للمعاشات إلى 1500,00 درهم شهريا. * تنظيم الحوار الاجتماعي القطاعي ومأسسته. * السهر على احترام المقتضيات الدستورية والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها احترام الحق النقابي ودعم الحريات النقابية. 5. لتجاوز القلق والاحتقان، نعتبر أن مطالب منظمتنا المتعلقة بالرفع من القدرة الشرائية للأجراء في مواجهة غلاء الأسعار كمطالب مادية وكذا تحسين التشريع الاجتماعي فيما يخص المطالب ذات الطبيعة المؤسساتية تجد مبررها في الأوضاع التي أصبح يعيشها العمال والموظفون والتي تفرض على الحكومة القيام بمجهود لتفادي انعكاساتها السلبية وهذا يقتضي مباشرة الحوار الاجتماعي من أجل تفاوض حقيقي ومنتج يأخذ بعين الاعتبار العنصر البشري كمحور أساسي للتنمية المستدامة.